لا يبدو أنّ الأسواق أخذت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي هدّد فيها، مساء الإثنين، بـ"محو الاقتصاد التركي" مأخذ الجد، وفعلاً هذا ما حدث. إذ تراجع ترامب عن تهديداته، في تغريدة على "تويتر"، اليوم الثلاثاء، فيما ارتفع سعر الليرة التركية.
وقال "تركيا شريك تجاري كبير للولايات المتحدة. وفي الواقع فإنّهم يصنعون الهيكل الفولاذي لأربع طائرات من أف ـ 35". وأضاف ترامب "لنتذكر دائماً، وعلى نحو مهم، أنّ تركيا عضو مهم للمكانة الجيدة لحلف شمال الأطلسي".
Twitter Post
|
وفي أعقاب هذه التغريدة ارتفع سعر صرف الليرة، وسندات الخزانة التركية، واستعادت الليرة عافيتها، اليوم الثلاثاء، بعد الهبوط الذي شهدته، أمس الإثنين، بنسبة 2.0%.
ورغم تهديد ترامب، مساء الإثنين، بـ"محو الاقتصاد التركي"، إلا أنّ تهديده لم تأخذه الأسواق على محمل الجد، إذ لم تسجل أسواق المال أي انسحابات للمستثمرين، سواء من أدوات الدين الحكومية مثل السندات وأذون الخزانة، أو من بورصة الأوراق المالية. واستقر الوضع داخل القطاعات الاقتصادية البارزة، وفي مقدمتها المصارف وأسواق المال وقطاع الأعمال والاستثمار.
بل وأرسلت أنقرة وموسكو رسالة، اليوم الثلاثاء، للإدارة الأميركية عبر الكشف عن اتفاق روسي تركي على استخدام عملتي البلدين الروبل والليرة في التسويات المالية بينهما. وقالت وزارة المالية الروسية، الثلاثاء، إنّ الوزير أنطون سيليانوف وقّع اتفاقاً مع تركيا لاستخدام عملتي البلدين المحليتين في المدفوعات والتسويات بينهما.
وتابعت الوزارة أنّ الاتفاق الموقع، في الرابع من الشهر الجاري، يهدف إلى التحول تدريجياً لاستخدام الروبل والليرة في التسويات بين البلدين.
ويسعى الاتفاق إلى ربط البنوك والشركات التركية بالنسخة الروسية من نظام سويفت للمدفوعات وتعزيز البنية التحتية في تركيا، مما سيسمح باستخدام بطاقات "إم.آي.آر" الروسية التي صممتها موسكو كبديل لبطاقات ماستر كارد وفيزا.
وكان ترامب قد توعّد، الإثنين، الاقتصاد التركي "بالتدمير التام والمحو" إذا أقدمت أنقرة على أي فعل يعتبره "مجاوزاً الحدود"، وذلك في أعقاب قراره سحب القوات الأميركية من شمال غربي سورية.
وتراجعت الليرة إلى أدنى مستوياتها في أكثر من شهر مقابل الدولار، الإثنين، بفعل المخاوف من عملية عسكرية تعتزم أنقرة إطلاقها شمالي سورية، وتهديدات ترامب.
كذلك تراجعت السندات الدولارية لتركيا، إذ هبط إصدار 2038 بمقدار 1.3 سنت. وأغلق المؤشر الرئيسي للأسهم التركية منخفضاً 0.45 بالمائة، في حين نزل مؤشر قطاع البنوك 1.72 بالمائة.
ويراقب المستثمرون التوترات بين أنقرة وواشنطن، خلال الأشهر الأخيرة، في ظل الخلاف الدائر بين عضوي حلف شمال الأطلسي في قضايا شتى تشمل الوضع في سورية، وشراء تركيا أنظمة دفاع صاروخي روسية.
لكن وحسب "رويترز"، ارتفعت الليرة في تعاملات، اليوم الثلاثاء، في لندن إلى 5.8195 دولارات مقارنة مع سعر إغلاقها، يوم الإثنين، لدى سعر 5.8370 دولارات.
وقال متعامل في سوق الصرف الأجنبي في لندن، "في حين أن البيان الصادر عن الولايات المتحدة يعطي ضوءاً أخضر للعملية العسكرية في سورية التي تتحدث عنها تركيا منذ فترة طويلة، فإنه يثير علامات استفهام عديدة بشأن كيف ستتطور العملية".
ورأى محللون، لصحيفة "إندبندنت" البريطانية، أنّ تهديدات ترامب بـ"محو" الاقتصاد التركي "قصد منها فقط طمأنة الأكراد في سورية والرد على الانتقادات التي وجهت له من بعض أعضاء حزبه الجمهوري في الكونغرس بشأن حماية الأكراد، وبالتالي ليس الهدف منها تهديد الاقتصاد التركي كما حدث في أغسطس/ آب 2018".
وفي تركيا، وتعليقاً على تهديدات ترامب "محو" الاقتصاد التركي، رأى الأكاديمي مسلم طالاس، في حديث، لـ"العربي الجديد"، اليوم الثلاثاء، أنّه "لا تأثير لمثل هذه التهديدات على أرض الواقع"، موضحاً أنّ تراجع سعر صرف الليرة، أمس الإثنين، "جاء لأسباب سياسية وليست اقتصادية، ويرتبط بالحدث السياسي ودرجة الغموض".
وأكد أنّه "متى انجلى الغموض وتم التوافق على رؤية بشأن سورية، ستعاود الليرة انتعاشها، لتستقر بين 5.5 حتى 5.7، وهو السعر الذي ظلت تتأرجح حوله منذ شهر".
وحول هبوط سعر السندات السيادية، الإثنين، أوضح طالاس أنّه "من الطبيعي أن يتأثر سعر السندات السيادية بالحدث السياسي ويزيد عرضها، فهي تباع بالعملات الأجنبية (دولار)، وخاصة خارج تركيا، ما يعني إحجام الشراء بحال التوترات السياسية والعسكرية".
ورغم الضغوط التي تعرض لها الاقتصاد التركي، منذ صيف عام 2018، فإنّه تمكن من تحقيق معدلات نمو جيدة، تفوقت على توقعات محللي الاقتصاد والمصارف ومؤسسات الاستثمار الدولية، كذلك تمكن من خفض معدل التضخم لمعدلات قياسية، واستقرت الليرة بعد الهزة التي تعرضت لها، في بداية العام الجاري، وأفقدتها نحو 30% من قيمتها.