المباحثات الأميركية - الصينية في قمة العشرين: جرعة "تشاؤل"

30 نوفمبر 2018
ترقّب لاجتماع الرئيسين الأميركي والصيني (Getty
+ الخط -
تبدأ السبت مفاوضات ما بين العملاقين الاقتصاديين الصيني والأميركي، على هامش قمة "مجموعة العشرين" التي انطلقت اليوم الجمعة في العاصمة الأرجنتينية  بيونس آيرس.

العالم كلّه يترقب نتائج هذه المحادثات. فشلها يعني تصاعد أكبر حرب تجارية في التاريخ، وما لذلك من تأثيرات ستطاول التجارة الدولية والنمو الاقتصادي  العالمي بمجمله. في حين أن نجاحها يعني طيّ صفحة من الرعب الذي أصاب الأسواق الدولية، والانطلاق نحو مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين.

ولخّص الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخميس مشاعره المتضاربة بشأن صفقة محتملة مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، وقال قبيل مغادرته البيت الأبيض نحو الأرجنتين: "أعتقد أننا قريبون جداً من القيام بصفقة مع الصين. لكنني لا أعرف إن كنت أريد القيام بذلك"...

تصريح وضع العالم في دائرة من التوقعات، وجعل تقارير الصحف الوازنة دولياً التي نشرت الجمعة، تراوح ما بين التشاؤم والتفاؤل.

إنها حرب تجارية معلنة منذ يوليو/ تموز الماضي. أما السبب الذي ساقه ترامب لإطلاق شرارتها فهو ضبط الهوة الواسعة في الميزان التجاري بعد بلوغه أكثر من 200 مليار دولار لصالح الصين في عام 2018، وفق بيانات وزارة التجارة الأميركية... ما تأثير هذه الإجراءات على السوق الصينية من جهة، والمستهلك الأميركي من جهة أخرى؟

حرب الرسوم

بدأت أولى بوادر الحرب في شهر إبريل/ نيسان الماضي، حين أصدر مكتب الممثل التجاري الأميركي لائحة تستهدف 1300 سلعة صينية بالرسوم الجمركية. وبالمقابل ردّت الصين على الولايات المتحدة بفرضها ضرائب ورسوماً على 128 سلعة أميركية.

تصاعدت الحرب التجارية بين البلدين، وفرضت الولايات المتحدة رسوماً إضافية على سلع
صينية وصلت إلى 250 مليار دولار، وردت الصين بتعريفات انتقامية على واردات أميركية بقيمة 110 مليارات دولار.

وفي منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني، هدّد ترامب بزيادة تلك الرسوم من 10 في المائة إلى 25 في المائة في كانون الثاني/ يناير، في حال عدم التوصل إلى هدنة. وقال الرئيس الأميركي أيضاً إنه يفكّر في فرض رسوم جمركية إضافية على واردات صينية أخرى بقيمة 267 مليار دولار إذا ردّت بكين.

وأشار تقرير نشره موقع "سي أن بي سي" الأميركي الجمعة، إلى أن معظم الخبراء لا يتوقّعون أي انفراج في معركة التعريفات الأميركية الصينية.

لكن جاري لوك، السفير الأميركي السابق لدى الصين، اعتبر أنه "بسبب عدم وجود مفاوضات حقيقية في الأسابيع أو الأشهر الأخيرة، قد يكون هناك اتفاق على أن يوقف ترامب فرض المزيد من التعريفات الجمركية. في مقابل مناقشات على مدى الأشهر القليلة المقبلة".

وكذا، قال كيرك واجر، السفير الأميركي السابق في سنغافورة، إن هناك سببين قد يدفعان ترامب للموافقة على تعليق الرسوم الجمركية. الأول هو أنه من المرجح أن تأتي الصين إلى طاولة المفاوضات مع "بعض التنازلات الحقيقية" لتخفيف التوتر مع واشنطن.

والسبب الآخر هو الضغوط السياسية المتزايدة التي يواجهها ترامب في الداخل: فقد اضطرت الشركات الأميركية والمستهلكون الأميركيون إلى دفع مليارات الدولارات من الضرائب بسبب تلك التعريفات العالية على الصين. وأضاف أن ذلك أدّى إلى إفلاسات في المزارع، وخفض عدد من الشركات الوظائف وأغلقت مصانع.

ومع ذلك، حذّر خبراء آخرون من أن ترامب يمكنه المضي قدماً في التعريفات الإضافية المقررة في مطلع 2019، وكتب محللون من مؤسسة "بيكت ويلث مانجمنت" التي تتخذ من جنيف مقراً لها في تقرير الأسبوع الماضي: "قد يرغب ترامب في الحفاظ على سياسته كوسيلة لزيادة الضغط على الصين للتوصل إلى اتفاق يرضيه".

تداعيات عالمية

وتمثل الولايات المتحدة والصين معاً نحو 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وفقاً لبيانات البنك الدولي. كما يعد البلدان سوقين استهلاكيين كبيرين، ومركزين مهمين في سلاسل التوريد العالمية للتصنيع ووجهات الاستثمار الرئيسية.

وهذا يعني، وفق "سي أن بي سي"، أن أي ضربات للاقتصاديين سوف تمتد إلى بقية العالم.


ومن خلال موقع "فوكس نيوز"، حذّر الخبراء، الجمعة، من أن الاجتماع سيكون عقيماً على الأرجح. وقالت بوني غلاسر الخبيرة الصينية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن: "أتوقع أن يقول الزعيمان بعض الكلمات الطيبة حول أهمية العلاقات الثنائية، ولكن من دون أن يحلا أي شيء".

بدوره، توقع جوليان إيفان بريتشارد من "كابيتال إيكونوميكس" لموقع "بي بي سي": "أعتقد أن السيناريو الأكثر احتمالاً هو أن شي جين بينغ لن يقدم تنازلات كبيرة كافية لترامب، وبالتالي لن يحصل كثير من التطورات في اجتماع مجموعة العشرين".
وقالت دانييل بليتكا، نائبة رئيس الدراسات السياسية الخارجية والدفاعية في معهد أميركان إنتربرايز لـ "فايننشال تايمز":
"أظن أن دونالد ترامب سيشعر بالرضا في كلتا الحالتين، سيكون سعيداً بعقد صفقات مع الصينيين، وكذا بتوجيه ضربة قوية إلى الصينيين".

وأشار تقرير صادر عن وحدة الإيكونيميست للتحقيقات، في شهر سبتمبر/ أيلول، إلى أن هناك 10 قطاعات صينية تتأثر بالرسوم الجمركية الأميركية، إذ انخفضت الواردات الصينية لهذه القطاعات إلى الولايات المتحدة من 32.5 مليار دولار في 6 تموز/ يوليو الماضي، إلى 13.4 مليار دولار في 23 آب/ أغسطس.

والقطاعات المتأثرة بالرسوم هي: الأجهزة الكهربائية، أجهزة الحاسوب، قطع غيار أجهزة الحاسوب، المفروشات وقطع الأثاث، المفروشات الخشبية، الإطارات وقطع غيار السيارات، أدوات الإنارة. وبحسب تقرير الوحدة، فإن هناك الكثير من العقود بين الشركات الأميركية والصينية، والتي يمكن إعادة النظر فيها مرة أخرى.

خسائر من الجهتين

بدورها، نشرت مؤسسة ستاندرد أند بورز للدراسات مؤخراً، قائمة بـ 14 شركة صينية تتأثر بالرسوم الجمركية الأميركية المرتفعة، ووفق المؤسسة فإن أكثر من 10% من عائدات هذه الشركات تأتي من السوق الأميركية. وتختلف نسبة العائدات المالية بين شركة وأخرى. فشركات تكنولوجيا المعلومات مثلاً، تتعدّى عائداتها من السوق الأميركية 30%.

"لماذا ستخسر الولايات المتحدة الأميركية حرباً تجارية مع الصين؟ سؤال طرحه أناتول كاليتسكي مؤلف كتاب "الرأسمالية 4.0، ولادة اقتصاد جديد"، في تقرير نشر الشهر الماضي على موقع "بروجيكت سانديكايت".

وبحسب كاليتسكي فإن سر خسارة الولايات المتحدة، يكمن في المستهلك الأميركي. يقول الكاتب إن من أبرز القواعد التي يتجاهلها ترامب، وتؤثر على المستهلك، أنه كلما انخفضت الواردات، ارتفعت الأسعار، وزادت الضرائب، فقل الإنتاج وفقد العمال وظائفهم.

وأضاف: "تعي الشركات الصينية أهمية هذه النقطة، لذا لن تخفض من سعر صادراتها للتصدي لتكلفة الضرائب الأميركية. وهذا سيجعل المستوردين الأميركيين يدفعون ثمن الضرائب، ونقل تكلفتها إلى المستهلك الأميركي (مما سيزيد من التضخم)، فالضرائب لن تكون بمثابة "عقوبة" على الصين كما يعتقد ترامب، بل ستؤدي بشكل رئيسي إلى تضرّر المستهلك والشركات الأميركية.


وبعد أشهر على فرض الرسوم، والتلويح بفرض رسوم جديدة، بدأت بالفعل تظهر العديد من النتائج السلبية على المستهلك الأميركي، فقد نشرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية تقريراً أخيراً عرضت خلاله نتائج مسح أجرته شركتا أمكهام تشاينا وأمكهام شانغهاي الصينيتان، يبرز انعكاسات الحرب التجارية على الشركات الأميركية.

وتبين أن ثلثي الشركات الأميركية البالغ عددها 430 شركة العاملة في الصين تضررت أعمالها بسبب رسوم ترامب.

وبحسب الصحيفة فإن عدداً كبيراً من القطاعات ستتأثر بشكل لافت داخل السوق الأميركية، ما ينعكس سلباً على المستهلك، وتعتبر صناعة السيارات من أبرز هذه القطاعات تضرّراً.

وأشارت تقارير إلى أن الولايات المتحدة الأميركية تستورد كثيراً من المعدات الطبية من الصين، وستتأثر بالرسوم، ومن أهم الأدوات، أجهزة التصوير المقطعي، وأجهزة مراقبة وتدقيق القلب، وأنابيب الأشعة وغيرها.

كذلك، خفض بعض شركات صناعة الأغذية والمشروبات توقعاته ورفع أسعاره داخل السوق الأميركية لمواكبة الوضع الجديد، إذ خفضت شركة "تايسون فودز" توقعات أرباحها.

كما قالت شركة "براون-فورمان"، عملاق صناعة المشروبات الروحية في الولايات المتحدة، إنها سوف ترفع أسعار منتج "جاك دانييل". وقالت شركة "كوكاكولا" إنها سترفع الأسعار هذا العام لتعويض ارتفاع أسعار الشحن والمعادن.

مخاوف من استمرار الأزمة

"سيصاب قطاع التجزئة أيضاً بالشلل، وستنعكس الضرائب الجديدة على المستهلك الأميركي
في حال استمرار الحرب التجارية"، بحسب مات بريست، الرئيس والمدير التنفيذي لموزعي الأحذية وتجار التجزئة في الولايات المتحدة. كما أشارت نقابة مستوردي اللحوم والدجاج إلى ارتفاع الأسعار في السوق الأميركية نتيجة الرسوم المرتفعة.

وكانت صحيفة "يو أس آي توداي" الأميركية قد ذكرت في تقرير لها نشر بتاريخ 24 سبتمبر/ أيلول الماضي، أن العديد من السلع الصينية التي يحتاج إليها المستهلك الأميركي ستكون تحت نيران الرسوم الجمركية، ونشرت قائمة من السلع، أبرزها المعدات الزراعية، وتشمل حاضنات الدواجن وأنواعاً مختلفة من آلات الألبان والأجبان، الأمر الذي سيزيد من التكلفة على المزارعين الأميركيين.

بدوره، عبر الرئيس التنفيذي لشركة آبل عن قلقه من الحرب التجارية الدائرة بين الولايات المتحدة والصين، وقال تيم كوك، إنه يعمل في وقت واحد مع كل من الحكومتين للحفاظ على قوة سوق آبل.

من جهتها، تأثرت شركة فورد للسيارات، بتدهور العلاقات، إذ انخفضت مبيعاتها في الصين بنسبة 7% خلال النصف الأول، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، لا بل إن السلطات الصينية قامت بتأخير سيارات فورد في الموانئ الصينية لأسباب بيروقراطية.

ومن منا لا يذكر الاحتفال الضخم الذي حدث في مدينة شنغهاي الصينية ليلة افتتاح أكبر متجر في العالم للعلامة التجارية ستاربكس؟ بحسب بيانات الشركة، فإن مساحة المبنى الجديد تعادل مساحة فرعها الرئيسي في الولايات المتحدة، لا بل تتعداه قليلاً، وتصاعد الحرب التجارية يضع الشركة في حالة من القلق.