خسر متحف اللوفر في العاصمة الفرنسيّة باريس حوالي 40 مليون يورو بسبب أشهر الإغلاق الثلاثة التي فرضت من قبل الدولة. فالمتحف الذي يستقبل عادة حوالي 10 ملايين زائر في العام، انخفض عدد زواره إلى ما يقارب الـ80 بالمئة بعد افتتاحه منذ عدة أيام، خصوصاً أن الصالات الكبرى فيه ستفتح أبوابها، مع بقاء أقسام مغلقة أمام العامة. لكن الالتزام بقواعد التباعد الاجتماعي التي وضعها المتحف، ستجعل مشاهدة بعض الأعمال متاحة بصورة أفضل حسب تعبير مدير المتحف، كلوحة الموناليزا التي عادة ما تعني مشاهدتها الدخول ضمن جمهرة السياح، أي أشبه بمحاولة شراء سندويش فلافل من محل شديد الاكتظاظ.
الشرط الأشد إشكالية لزيارة المتحف الآن، سواء اللوفر أو غيره، هو "الفجوة الزمنيّة"، أي أن من يشتري البطاقة للزيارة محكوم بزمن محدد، تضبطه مجموعة من العلامات التي تحدد كيفية تحرك الفرد داخل الصالات وأمام كل عمل فنّي، وكأنّه في سباق من نوع ما. إذ يُمنَع الاكتظاظ أمام الأعمال بسبب التباعد الاجتماعي (من متر إلى مترين بين كل شخصين)، كما أن هذه الفجوة الزمنيّة تمنع بصورة أو بأخرى "التنزه" في صالات المتحف، أو اختيار الأسلوب الذي يمكن أن نتلقى فيه العمل الفنّي سواء كان لوحة أو تماثلاً.
هذا الإجراء "الوقائي" حسب مدير متحف اللوفر، جان لوك مارتينيز، يساعد على ضبط عدد الزوار، كما أن زيارة الموناليزا مثلاً بسبب أسلوب الحركة الجديد بين الحواجز، ستكون بمعدل 10 أو 15 دقيقة للشخص الواحد، ما يعني تجربة فرديّة مميزة لالتقاط سيلفي! لكن إلى أي حد هي مميزة زيارة المتحف حين تكون حرية الحركة في الصالات مقيّدة؟
نطرح هذه التساؤلات، كون تجربة المتحف أصبحت أشبه بزيارة مستوصف مكتظ. طبقة جديدة من الحماية أضيفت لفصل الزوّار وحماية الأعمال الفنيّة، والتي أصبحت العلاقة معها أشبه بالتعامل مع كنز أحفوري شديد الهشاشة، نتحرك حوله بأسلوب مضبوط ودقيق، لا يمكن لمسه ولا الاقتراب منه.
نطرح هذه التساؤلات لأن الكثيرين أشاروا إلى أنَّ الجولات الافتراضية التي أمنتها المتاحف زادت من تعرض الناس للأعمال الفنيّة، وهذا كلام غير دقيق، لأنَّ الكثير من الفضاءات الثقافية والفنية ستغلق دون عودة، ما ركز "الفنون" في أيدي الفضاءات الوطنيّة أو تلك التي تمثل الخطاب الرسميّ كونها مدعومة رسمياً. كما أن زيارة المتحف أصبحت أشبه بانصياع تام لسياسته التي أصبحت أشبه بأداء مسرحي نتبع فيه سيناريو محددا لا يمكن الخروج عنه، لأسباب صحيّة طبعاً، وفي ذات الوقت، تجارية، تضمن أكبر عدد من الزوّار و دافعي أثمان التذاكر حتى الحد الأكثر "أمناً".
لكن ماذا يعني أن نزور متحفاً الآن، بعد أن فُتحت الأبواب ورسِمت الممرات، وحددت كيفية التحرك بدقة، خصوصاً أن فضاء المتحف السياسي أصبح أشدّ سطوة الآن. النتيجة هي أن العمل الفنّي أسير أسلوب عرضه بشكل كامل، كواجهات المحلات والثياب، التي يُمنع لمس ما وراءها، ولا يمكن مشاهدتها إلا من زاوية واحدة، ليتحول كل الأداء في المتحف أو أسلوب التعرض للأعمال إلى ما يشبه الانتظار في طابور في سوبر ماركت، قبل الخروج، حيث تعرض السلع على الجوانب لتغوينا بشرائها، لكن بعكس السوبر ماركت، ينتهي الأمر في المتحف بانتهاء الزيارة، وجرعة محددة من "الفن"، يضبطها الطابور وتسارع الزوّار وموقع المشاهدة.
تتعلق التساؤلات السابقة بالأعمال اللاتفاعليّة، أي تلك التي لا تحوي علاقات لمس بين العمل الفنيّ و الجمهور، أو الجمهور مع بعضه البعض، أما تلك القائمة على التفاعل، فقد تلاشت بسبب الخوف من العدوى، ما يعني فقدان الكثير من "الأعمال" الفنيّة قيمتها أو عنصر التفاعل الذي يدخل في تكوينها، وكأن هالة العمل الفني القدسية، تلك التي ترسم جداراً بينه وبين الجمهور عادت للظهور. في ذات الوقت التكنولوجيا الفردية القائمة أساساً على الفردانيّة البعيدة عن التجمهر أصبحت احتمالاً شديد الواقعيّة، إذ اقترح البعض الجولات نصف الافتراضية، التي يمكن عبرها للفرد أن يشاهد لوحة ما من مسافة محددة، ثم عبر تطبيق في هاتفه يقوم بتكبير عناصرها و رؤيتها عن قرب، أو تلك الخاصة بالواقع الافتراضي، التي تتيح مشاهدة الأعمال ضمن المتحف من نقطة واحدة، ثم التجول عبر الواقع الافتراضي في الصالة.