14 نوفمبر 2024
المتحاربون في اليمن... من يضحّي بحليفه أولاً؟
تجاوز فشل أطراف الصراع اليمنية وحلفائهم في حسم الحرب عسكرياً إلى التخبط في موقفهم من التسوية السياسية، وهو ما يؤكده اللغط الإعلامي والتأويلات المتعدّدة لإعلان وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، عن اتفاق سعودي/ حوثي مبدئي، لإنهاء الحرب في اليمن، يقضي بتشكيل حكومة وطنية بين الفرقاء اليمنيين، في نهاية العام الجاري، ونقل صلاحيات الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى نائبٍ توافقي، ثم تنفيذ المسار العسكري والأمني. وعلى الرغم من تراجع كيري عن إعلان الاتفاق أخيراً، إلا أن أول مستوىً يمكن قراءته في ضوء ما كشفه إعلان كيري هو أزمة الثقة بين الأطراف اليمنية في جبهتي الحرب، تحالف الشرعية وتحالف الحرب الداخلية، إضافة إلى العلاقة المتضاربة في المصالح بينها وبين حليفها الإقليمي، كما كشف الاتفاق عن الأطراف التي تمتلك القرار السياسي في إنهاء الحرب في اليمن.
أثّر الارتباك السياسي والعسكري في أداء السلطة الشرعية اليمنية على علاقاتها مع حليفها السعودي، وكان واضحاً في عدم درايتها ببنود هذا الاتفاق. ودفعاً للحرج، أعلنت السلطة الشرعية رفضها الاتفاق، لأنها لم تكن طرفاً فيه، ولم يتم ابلاغها، ثم روج إعلام الشرعية "اعتذار" كيري للرئيس هادي، وهو ما نفته الخارجية الأميركية. وإذ يمكن قراءة موقف السلطة الشرعية، باعتباره احتجاجاً ضمنياً على حليفها، أو للاستهلاك الإعلامي الداخلي لا أكثر، فالجلي أن السعودية أخلت بالقواعد البسيطة المتعارف عليها بين أي حليفين، وهي إبلاغ الحليف بأي اتفاقٍ يخصّها، بحيث بدت الشرعية وكأنها لم تعد الطرف اليمني الذي تدخلت السعودية عسكرياً للدفاع عنه، وهو ما يكشف تعاطي السعوديه مع الشرعية طرفاً لا يملك سلطةً فعلية على الأرض، وبالتالي، ليس له خيار في شكل التسوية السياسية، وأن السعودية هي صاحبة القرار الفعلي فيما يخص الشرعية اليمنية، سواء في الحرب أو السلام.
بدت السلطة الشرعية منزوعة الفعل السياسي تجاه حليفها السعودي، وحاولت، كما يبدو، تحريك جبهات القتال في مدينة تعز، وذلك بإحراز تقدّم واضح في المعارك العسكرية ضد مليشيات الحوثي وصالح، إذ ظلت الجبهات في تعز مستقرّة، منذ أكثر من ثمانية أشهر، من دون خلخلةٍ في موازين القوى، وبمجرّد تسريب الاتفاق السعودي- الحوثي، أحرز الجيش التابع لهادي وبعض فصائل المقاومة تقدماً في العملية العسكرية، وأيضاً في جبهة الصلو. ويفسّر
بعضهم هذه التطورات رسالة سياسية من الشرعية لحليفها السعودي، تؤكد في هذه الرسالة قدرتها على تغيير الخريطة العسكرية في تعز، ويرى آخرون أن التطورات العسكرية في تعز مرهونة بموقف الجيش وفصائل المقاومة، بمعزلٍ عن السلطة الشرعية التي لم توفر لهما غطاءً سياسياً حينها، وأن المحرّك لهذه المعارك هو خوف الحلفاء المحليين لهادي من إقرار أي تسويةٍ سياسيةٍ، تستثني تعز، وتجعلها ورقة استنزاف طويلة الأمد لأطراف الصراع.
على مستوى آخر، يبدو أن الموقف السعودي من الأزمة اليمنية ستحدّده المتغيرات الدولية، لعل أبرزها فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية، وسياسته الغامضة حيال أزمات منطقة الشرق الأوسط وحيال السعودية تحديداً، وبالتالي، ستكون السعودية مجبرةً على اختيار حلول سريعة بما يلائم مصالحها، إذ من الصعب أن تصبح اليمن ساحة صراعٍ إلى ما لا نهاية، ومصدراً لابتزاز المملكة سياسياً وعسكرياً، سواء من القوى الإقليمية، أو من حلفائها اليمنيين؛ إضافة إلى حجم الخسائر المالية التي تواجهها في تغطيتها كلفة حرب اليمن، وأثرها على الأوضاع الاقتصادية في الداخل السعودي. كما أن إحباطها من ضعف السلطة الشرعية اليمنية، وفشل المقاومة من تحقيق نصر عسكري على الأرض، يعزّز من إدراكها بعدم قدرة أيٍّ من الأطراف اليمنية، بمن فيهم حلفاؤها، في حسم الحرب عسكرياً، ناهيك عن فشل سلطة هادي في إدارة المناطق المحرّرة، وتقاعس الحكومة عن العودة إلى عدن نهائياً، ما يعني إنهاك الإدارة السعودية بتحمل أعباء حليف عاجز.
في المقابل، يؤكد انفراد جماعة الحوثي في إنجاز هذا الاتفاق، من دون علم حليفه الداخلي علي عبدالله صالح، على عمق الخلافات في هذه الجبهة التي تجاوزت المهاترات الإعلامية، وقدرة جماعة الحوثي على تجريد صالح من أدواته السياسية متى ما أرادت، إذ تدرك جماعة الحوثي أنه على الرغم من حاجتها للجيش التابع لصالح في قيادة الحرب، إلا أن صالح، مهما علا صوته، قفاز قديم، لم يعد مرغوباً من اليمنيين أو من الخارج الذي ضاق ذرعا بمناوراته وحروبه، وهو ما التقطه صالح بإعلان موافقته المبدئية على هذا الاتفاق. وبالطبع، لا يعني قبول صالح هذا الاتفاق حرصه على إيقاف الحرب، بقدر ما هي طريقته التقليدية في إدارة صراعاته مع حلفائه وخصومه، فصالح يعرف أن كل محاولاته في تحقيق شراكةٍ متوازنةٍ مع حليفه فشلت، حيث لم يؤدِّ إعلان المجلس السياسي بين الحليفين إلى تغيير شبكة المصالح التي لا زالت لجماعة الحوثي اليد الطولى في تعينات الجهاز الإداري والأمني.
وعلى مستوى آخر، أكّدت أزمة صرف الرواتب على عمق الاختلالات بين الحليفين، حيث حرصت جماعة الحوثي على سحب عائدات القات وميناء الحديدة إلى بنوك صعدة، ومنح أعضاء لجانها الشعبية مستحقاتهم المالية، في مقابل حرمان جنود وضباط الحرس التابع لصالح من رواتبهم، وهو ما أجّج الوضع بين الحليفين، ودفع أنصار صالح إلى التهيئة للخروج بتظاهرة ضد الحوثيين، قبل حادثة قصف التحالف صالة العزاء في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
لا يمكن، بأي حال، الاطمئنان لاستئناف الأطراف اليمنية المفاوضات السياسية في الوقت الراهن، أو انطلاقهم من الإطار العام الذي وضعه اتفاق كيري لحل الأزمة، إلا أن المؤكّد أن الأطراف اليمنية وحلفاءهم الإقليميين يدركون اليوم، أكثر مما مضى، أنهم محشورون في زاوية ضيقة، وأن عليهم مستقبلا التخفف من عبء حليف مزعج تماماً، كقاطرة ثقيلة تجرّهم إلى الأسفل، فقط في انتظار من يكون لديه الشجاعة بالتضحية بحليفه باكراً.
أثّر الارتباك السياسي والعسكري في أداء السلطة الشرعية اليمنية على علاقاتها مع حليفها السعودي، وكان واضحاً في عدم درايتها ببنود هذا الاتفاق. ودفعاً للحرج، أعلنت السلطة الشرعية رفضها الاتفاق، لأنها لم تكن طرفاً فيه، ولم يتم ابلاغها، ثم روج إعلام الشرعية "اعتذار" كيري للرئيس هادي، وهو ما نفته الخارجية الأميركية. وإذ يمكن قراءة موقف السلطة الشرعية، باعتباره احتجاجاً ضمنياً على حليفها، أو للاستهلاك الإعلامي الداخلي لا أكثر، فالجلي أن السعودية أخلت بالقواعد البسيطة المتعارف عليها بين أي حليفين، وهي إبلاغ الحليف بأي اتفاقٍ يخصّها، بحيث بدت الشرعية وكأنها لم تعد الطرف اليمني الذي تدخلت السعودية عسكرياً للدفاع عنه، وهو ما يكشف تعاطي السعوديه مع الشرعية طرفاً لا يملك سلطةً فعلية على الأرض، وبالتالي، ليس له خيار في شكل التسوية السياسية، وأن السعودية هي صاحبة القرار الفعلي فيما يخص الشرعية اليمنية، سواء في الحرب أو السلام.
بدت السلطة الشرعية منزوعة الفعل السياسي تجاه حليفها السعودي، وحاولت، كما يبدو، تحريك جبهات القتال في مدينة تعز، وذلك بإحراز تقدّم واضح في المعارك العسكرية ضد مليشيات الحوثي وصالح، إذ ظلت الجبهات في تعز مستقرّة، منذ أكثر من ثمانية أشهر، من دون خلخلةٍ في موازين القوى، وبمجرّد تسريب الاتفاق السعودي- الحوثي، أحرز الجيش التابع لهادي وبعض فصائل المقاومة تقدماً في العملية العسكرية، وأيضاً في جبهة الصلو. ويفسّر
على مستوى آخر، يبدو أن الموقف السعودي من الأزمة اليمنية ستحدّده المتغيرات الدولية، لعل أبرزها فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية، وسياسته الغامضة حيال أزمات منطقة الشرق الأوسط وحيال السعودية تحديداً، وبالتالي، ستكون السعودية مجبرةً على اختيار حلول سريعة بما يلائم مصالحها، إذ من الصعب أن تصبح اليمن ساحة صراعٍ إلى ما لا نهاية، ومصدراً لابتزاز المملكة سياسياً وعسكرياً، سواء من القوى الإقليمية، أو من حلفائها اليمنيين؛ إضافة إلى حجم الخسائر المالية التي تواجهها في تغطيتها كلفة حرب اليمن، وأثرها على الأوضاع الاقتصادية في الداخل السعودي. كما أن إحباطها من ضعف السلطة الشرعية اليمنية، وفشل المقاومة من تحقيق نصر عسكري على الأرض، يعزّز من إدراكها بعدم قدرة أيٍّ من الأطراف اليمنية، بمن فيهم حلفاؤها، في حسم الحرب عسكرياً، ناهيك عن فشل سلطة هادي في إدارة المناطق المحرّرة، وتقاعس الحكومة عن العودة إلى عدن نهائياً، ما يعني إنهاك الإدارة السعودية بتحمل أعباء حليف عاجز.
في المقابل، يؤكد انفراد جماعة الحوثي في إنجاز هذا الاتفاق، من دون علم حليفه الداخلي علي عبدالله صالح، على عمق الخلافات في هذه الجبهة التي تجاوزت المهاترات الإعلامية، وقدرة جماعة الحوثي على تجريد صالح من أدواته السياسية متى ما أرادت، إذ تدرك جماعة الحوثي أنه على الرغم من حاجتها للجيش التابع لصالح في قيادة الحرب، إلا أن صالح، مهما علا صوته، قفاز قديم، لم يعد مرغوباً من اليمنيين أو من الخارج الذي ضاق ذرعا بمناوراته وحروبه، وهو ما التقطه صالح بإعلان موافقته المبدئية على هذا الاتفاق. وبالطبع، لا يعني قبول صالح هذا الاتفاق حرصه على إيقاف الحرب، بقدر ما هي طريقته التقليدية في إدارة صراعاته مع حلفائه وخصومه، فصالح يعرف أن كل محاولاته في تحقيق شراكةٍ متوازنةٍ مع حليفه فشلت، حيث لم يؤدِّ إعلان المجلس السياسي بين الحليفين إلى تغيير شبكة المصالح التي لا زالت لجماعة الحوثي اليد الطولى في تعينات الجهاز الإداري والأمني.
وعلى مستوى آخر، أكّدت أزمة صرف الرواتب على عمق الاختلالات بين الحليفين، حيث حرصت جماعة الحوثي على سحب عائدات القات وميناء الحديدة إلى بنوك صعدة، ومنح أعضاء لجانها الشعبية مستحقاتهم المالية، في مقابل حرمان جنود وضباط الحرس التابع لصالح من رواتبهم، وهو ما أجّج الوضع بين الحليفين، ودفع أنصار صالح إلى التهيئة للخروج بتظاهرة ضد الحوثيين، قبل حادثة قصف التحالف صالة العزاء في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
لا يمكن، بأي حال، الاطمئنان لاستئناف الأطراف اليمنية المفاوضات السياسية في الوقت الراهن، أو انطلاقهم من الإطار العام الذي وضعه اتفاق كيري لحل الأزمة، إلا أن المؤكّد أن الأطراف اليمنية وحلفاءهم الإقليميين يدركون اليوم، أكثر مما مضى، أنهم محشورون في زاوية ضيقة، وأن عليهم مستقبلا التخفف من عبء حليف مزعج تماماً، كقاطرة ثقيلة تجرّهم إلى الأسفل، فقط في انتظار من يكون لديه الشجاعة بالتضحية بحليفه باكراً.