20 نوفمبر 2024
المتلازمتان... العلمانية والديمقراطية
ما زال النقاش حول العلاقة بين العلمانية والديمقراطية في العالم العربي باهتاً، وحتى الأصوات القليلة التي تتبنى الدفاع عن هذه العلاقة ما زالت خافتة، ولا يكاد يسمع رأيها، لعدة أسباب، أحد أهمها وجود بنيات اجتماعية وثقافية ودينية وسياسية مناهضة للعلمانية وللديمقراطية، بل وتخاف من كل أنواع التغيير. السبب الثاني عدم وضوح المفاهيم، لأن الخصوم غالباً ما يروجون مفاهيم مغلوطة تنفر الناس منها، من قبيل الربط بين العلمانية والإلحاد، وبين الديمقراطية والاستلاب للغرب. السبب الثالث، ولعله ليس الأخير، وربما يكون الأهم من حيث التأثير وإنتاج ردود الأفعال المعادية للمفهوم، هو سلوك نخبٍ تصنف علمانية وديمقراطية، فقد تابع الرأي العام العربي كيف اصطف هؤلاء في مصر وراء سلطة الانقلاب، وسعيهم، في تونس والمغرب والجزائر وفي دول الخليج، إلى دعم الاستبداد السياسي في بلدانهم أو تبريره، عندما يوجدون له مبررات لقمع خصومهم من الإسلاميين والمحافظين والقوى التي تنشد التغيير تحت شعارات أخرى، غير التي يتبناها العلمانيون. وتسخير النخب التي تتبنى الطرح العلماني خطاب العلمانية في عالمنا العربي أداة لـ "القمع الشرعي" في يد دول وسلطات غير ديمقراطية، لمواجهة خصومهم، أفقده جوهره، بوصفه مذهباً فكرياً وأحد أهم ركائز الديمقراطية، لخدمة تطور الدولة وتقدم المجتمع.
لكل هذه الأسباب، ما زال صوت النخب القليلة التي تؤمن، اليوم، بأنه لا محيد عن العلمانية لتأسيس الدولة الديمقراطية في العالم العربي، خجولاً ومعزولاً، تطرحه بعض النخب الثقافية على استحياء في وسائل الإعلام والمنتديات السياسية والفكرية، على اعتبار أن العلمانية هي البديل لمواجهة حالة التردي والتقهقر، بل والدمار التي تعيشها أكثر من منطقة جغرافية عربية، فهي البديل لبناء الدولة الديمقراطية التي تسع الجميع، علمانيين وإسلاميين ويساريين وليبراليين.
المؤكد أنه لا ديمقراطية بدون علمانية، ولا توجد حتى اليوم في العالم تجربة واحدة ديمقراطية غير علمانية، يبقى فقط تحديد المفهوم، لأن العلمانية ليست إلحاداً كما يروج ذلك خصومها، وليست استبداداً، كما يريد لها بعض أنصارها نكاية في خصومهم. إنها فصل واضح بين الدين والسياسة، أي فصل بين الدولة والدين، وليس فصل المجتمع عن الدين. وخير نموذج للعلمانية التي تتعايش مع الدين هو النموذج الأميركي الذي يفصل بين الدين والسياسة، ولا يفصل بين الدين والمجتمع.
أيضاً، لا يجب أن ننسى أن حرية العقيدة تكون محترمة ومصانة ومضمونة أكثر، في الدول
التي تتبنى العلمانية، أكثر مما عليه الأمر في الدول التي يتداخل فيها الدين مع السياسة.
في المنطقة العربية، كشفت الرياح الموسمية لما سمي "الربيع العربي" التي هبت على المنطقة العربية، عام 2011، عن حقيقة واضحةٍ، مفادها بأن التجارب الديمقراطية التي حاولت أن تمزج بين الدين والسياسة كان مصيرها الفشل في مصر، والارتباك في تونس والمغرب، وحتى الثورات التي حملت شعارات دينية، انقلبت إلى فوضى وحروب أهلية مدمرة.
واليوم، وعلى الرغم من كل ما يشهده العالم العربي من حروب وصراع إيديولوجيات واضطرابات، تشكل اللحظة الراهنة فرصة تاريخية لطرح الأسئلة الجوهرية التي كانت نخبٌ كثيرة تتغاضى عن طرحها، خوفاً أو تملقا أو انتهازية، حول علاقة الدين بالدولة. والرد الحقيقي، اليوم، على بشاعة استغلال التيارات الدينية المتطرفة للدين يجب أن يتمثل في طرح الأسئلة المسكوت عنها في العلاقة التي ظلت ملتبسة في التاريخ العربي، والإسلامي عموماً، ما بين الدين والسياسة.
والبداية يجب أن تكون من بناء جسور التقارب بين التيارات السياسية المتصارعة إلى حد التناحر بين الإسلاميين واليساريين والعلمانيين والليبراليين، التي عليها أن تتجاوز صراعاتها الإيديولوجية القديمة، لأنها مسؤولة عن حالات التشرذم والصراع والتسلط التي تعرفها أكثر من دولة عربية. وكانت فترة "الربيع العربي" فرصة سانحة لبناء هذا التقارب، ومرة أخرى، ضاعت على المنطقة فرصة تاريخية أخرى. واليوم، وعلى الرغم من كل المآسي التي تشهدها المنطقة، فإنها يجب أن تكون محفزة على طرح الأسئلة الحقيقية حول مفهوم الدولة الديمقراطية المستقبلية وعلاقتها بالدين. وكل سكوت عن هذه العلاقة الحرجة، أو الالتفاف عليها، أو البحث عن صياغات أدبية، تخفيها في الدساتير والقوانين، وتفضحها على أرض الواقع والممارسة، ما هي إلا تأجيل وتأخير للصراعات المقبلة التي لم تنطفئ نيرانها في المنطقة العربية، منذ وضع الدين والسياسة تحت جبة واحدة.
يمكن أن تكون البداية بالاتفاق على المبادئ والمفاهيم، من قبيل مفهوم الديمقراطية مرجعية مشتركة، وقبول قواعدها آلية لتدبير الخلاف، أو تقليص المختلف، بما أن الخلاف سيبقى قائماً، وتحديد مفهوم العلمانية فصلاً بين الدولة والدين، وليس الفصل بين الدين والمجتمع، والتأكيد على ضرورة ضمانها حرية المعتقد واحترام المعتقدات وصيانة حقوق أصحابها.
والغاية من إطلاق هذا الحوار حالياً تحقيق الحد الأدنى من التوافق لبناء المشترك، شرطاً أولياً للحفاظ على ما بقي من الدول، بعد أن تمت التضحية بالسلم الاجتماعي داخل أكثر من مجتمع عربي على مذبح الصراعات الأيديولوجية التي لا تنتهي.
لكل هذه الأسباب، ما زال صوت النخب القليلة التي تؤمن، اليوم، بأنه لا محيد عن العلمانية لتأسيس الدولة الديمقراطية في العالم العربي، خجولاً ومعزولاً، تطرحه بعض النخب الثقافية على استحياء في وسائل الإعلام والمنتديات السياسية والفكرية، على اعتبار أن العلمانية هي البديل لمواجهة حالة التردي والتقهقر، بل والدمار التي تعيشها أكثر من منطقة جغرافية عربية، فهي البديل لبناء الدولة الديمقراطية التي تسع الجميع، علمانيين وإسلاميين ويساريين وليبراليين.
المؤكد أنه لا ديمقراطية بدون علمانية، ولا توجد حتى اليوم في العالم تجربة واحدة ديمقراطية غير علمانية، يبقى فقط تحديد المفهوم، لأن العلمانية ليست إلحاداً كما يروج ذلك خصومها، وليست استبداداً، كما يريد لها بعض أنصارها نكاية في خصومهم. إنها فصل واضح بين الدين والسياسة، أي فصل بين الدولة والدين، وليس فصل المجتمع عن الدين. وخير نموذج للعلمانية التي تتعايش مع الدين هو النموذج الأميركي الذي يفصل بين الدين والسياسة، ولا يفصل بين الدين والمجتمع.
أيضاً، لا يجب أن ننسى أن حرية العقيدة تكون محترمة ومصانة ومضمونة أكثر، في الدول
في المنطقة العربية، كشفت الرياح الموسمية لما سمي "الربيع العربي" التي هبت على المنطقة العربية، عام 2011، عن حقيقة واضحةٍ، مفادها بأن التجارب الديمقراطية التي حاولت أن تمزج بين الدين والسياسة كان مصيرها الفشل في مصر، والارتباك في تونس والمغرب، وحتى الثورات التي حملت شعارات دينية، انقلبت إلى فوضى وحروب أهلية مدمرة.
واليوم، وعلى الرغم من كل ما يشهده العالم العربي من حروب وصراع إيديولوجيات واضطرابات، تشكل اللحظة الراهنة فرصة تاريخية لطرح الأسئلة الجوهرية التي كانت نخبٌ كثيرة تتغاضى عن طرحها، خوفاً أو تملقا أو انتهازية، حول علاقة الدين بالدولة. والرد الحقيقي، اليوم، على بشاعة استغلال التيارات الدينية المتطرفة للدين يجب أن يتمثل في طرح الأسئلة المسكوت عنها في العلاقة التي ظلت ملتبسة في التاريخ العربي، والإسلامي عموماً، ما بين الدين والسياسة.
والبداية يجب أن تكون من بناء جسور التقارب بين التيارات السياسية المتصارعة إلى حد التناحر بين الإسلاميين واليساريين والعلمانيين والليبراليين، التي عليها أن تتجاوز صراعاتها الإيديولوجية القديمة، لأنها مسؤولة عن حالات التشرذم والصراع والتسلط التي تعرفها أكثر من دولة عربية. وكانت فترة "الربيع العربي" فرصة سانحة لبناء هذا التقارب، ومرة أخرى، ضاعت على المنطقة فرصة تاريخية أخرى. واليوم، وعلى الرغم من كل المآسي التي تشهدها المنطقة، فإنها يجب أن تكون محفزة على طرح الأسئلة الحقيقية حول مفهوم الدولة الديمقراطية المستقبلية وعلاقتها بالدين. وكل سكوت عن هذه العلاقة الحرجة، أو الالتفاف عليها، أو البحث عن صياغات أدبية، تخفيها في الدساتير والقوانين، وتفضحها على أرض الواقع والممارسة، ما هي إلا تأجيل وتأخير للصراعات المقبلة التي لم تنطفئ نيرانها في المنطقة العربية، منذ وضع الدين والسياسة تحت جبة واحدة.
يمكن أن تكون البداية بالاتفاق على المبادئ والمفاهيم، من قبيل مفهوم الديمقراطية مرجعية مشتركة، وقبول قواعدها آلية لتدبير الخلاف، أو تقليص المختلف، بما أن الخلاف سيبقى قائماً، وتحديد مفهوم العلمانية فصلاً بين الدولة والدين، وليس الفصل بين الدين والمجتمع، والتأكيد على ضرورة ضمانها حرية المعتقد واحترام المعتقدات وصيانة حقوق أصحابها.
والغاية من إطلاق هذا الحوار حالياً تحقيق الحد الأدنى من التوافق لبناء المشترك، شرطاً أولياً للحفاظ على ما بقي من الدول، بعد أن تمت التضحية بالسلم الاجتماعي داخل أكثر من مجتمع عربي على مذبح الصراعات الأيديولوجية التي لا تنتهي.