المجلس المركزي الفلسطيني: لم يبق لعباس سوى حزب "الشعب"

19 اغسطس 2018
عباس متمسّك بالنصاب العددي وليس السياسي لعقد المجلس المركزي(الأناضول)
+ الخط -
لا جديد يذكر في اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني باستثناء مزيد من تآكل شرعية التوافق الفلسطيني، فضلاً عن المراوحة في المكان، عبر مزيد من التسويف وتشكيل اللجان من دون حلّ أيّ من المعضلات السياسية التي تواجه القضية الفلسطينية.

وعقد المجلس المركزي دورته التاسعة والعشرين تحت عنوان "دورة الشهيدة رزان النجار والانتقال من السلطة إلى الدولة"، لكن هذا العنوان لم يترجم عملياً، ولم يقترب حتى من التنفيذ، فالمجلس الذي قرّر الأمر ذاته، أي تحديد العلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، أكثر من مرة، لم يفلح هذه المرة سوى باستعراض هذه الآليات، وتحويلها إلى اللجنة التنفيذية لتضع جدولاً زمنياً لتنفيذها، من دون سقف زمني تلتزم به اللجنة التنفيذية، أي أنّ قرار تحديد العلاقة ما زال في المربّع الأول منذ 2015.

الملف الثاني الذي أشعل نقاشات وأسئلة حادة بين أعضاء المجلس المركزي والمتمثّل بالإجراءات العقابية بحقّ قطاع غزة، ما زال يقيّد ضدّ "مجهول"، إذ لم تفلح الساعات الطويلة وعشرات الأسئلة في الكشف عن من يقف "وراء هذا القرار". فاللجنة التنفيذية (أعلى سلطة تنفيذية)، انقسمت ما بين جزء يتساءل عن سبب عدم رفع العقوبات رغم إعلان الرئيس محمود عباس نهاية المجلس الوطني السابق رفعها خلال يومين، وجزء آخر طالب الحكومة بالتنفيذ. أمّا الأخيرة، فردّت على لسان رئيسها رامي الحمد الله بكلمة مطوّلة، أكّد فيها أنّ حكومته ستقوم بـ"مناقلات مالية"، وهو مصطلح لم يستطع جزء كبير من أعضاء المجلس المركزي معرفة معناه. وبين الأخذ والردّ، ما زالت الإجراءات العقابية بحق موظفي وأسرى غزة سارية المفعول. وفي نهاية الأمر خرجت القرارات وتحديداً عقوبات غزة ضدّ مجهول، إذ طالب المجلس المركزي "بالإلغاء الفوري للإجراءات التي اتخذت بشأن رواتب واستحقاقات موظفي قطاع غزة ومعاملتهم أسوة بباقي موظفي السلطة الفلسطينية".

ويرى مراقبون سياسيون أنّ القيادة الفلسطينية التي فقدت شرعيتها الشعبية بسبب عدم احتكامها لانتخابات منذ أكثر من 10 سنوات، وكذلك فقدت شرعيتها النضالية، باتت تفتقر أيضاً إلى شرعية التوافق الوطني بعد انسحاب "الجبهة الشعبية"، و"الجبهة الديمقراطية"، و"المبادرة"، فضلاً عن عدم مشاركة حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، والعديد من المستقلين، في حين أنه حتى الفصائل التي شاركت، وأبرزها حزب "الشعب"، تعيش قاعدته الشعبية حالة من الغضب والاحتقان ضد قرار أمينها العام بسام الصالحي بالمشاركة وتفرده بالقرار. وبحسب مصادر لـ"العربي الجديد"، فقد بعث نحو 200 شاب من الحزب رسالة قاسية إلى الصالحي الذي قرر المشاركة مخالفاً إجماع الحزب بالمقاطعة، وهو الأمر الذي أدّى إلى استقالة عدد من كوادر الحزب".

وتفيد المصادر بأنّ "الأزمة المالية الخانقة التي يعيشها حزب الشعب، وخسارته في عدد من استثماراته المالية، وتورّط عدد من كوادره في قضايا شيكات بنكية من دون رصيد جرّاء استثمارات الحزب الخاسرة، كانت السبب الأساسي وراء المشاركة". وتوضح المصادر ذاتها أنّ عباس "أمر بصرف مخصصات سنة كاملة للحزب وليس بشكل شهري كما درجت العادة، وذلك بعد رفضه منح الحزب قرضاً مالياً لتسوية أموره".

ويؤكّد مراقبون أنّ "عباس متمسّك بالنصاب العددي، وليس السياسي لعقد المجلس المركزي، وكذلك عقد اللجنة التنفيذية للمنظمة، ولكنه رغم ذلك لم يخف غضبه من مقاطعة الجبهة الديمقراطية والمبادرة"، إذ تشير المصادر إلى أنّه "سيكون مصير الجبهة الديمقراطية كمصير الجبهة الشعبية لناحية قطع المخصصات، والأمر ذاته سيطبّق على المبادرة، مع إضافة أنّ الأمين العام للأخيرة، مصطفى البرغوثي، لن يحظى بالرضا ليكون عضو لجنة تنفيذية في منظمة التحرير في الفترة المقبلة، عقاباً له على المقاطعة".

وفي هذا الإطار، يقول المحلل السياسي، الدكتور جورج جقمان، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "هناك انهياراً في النظام السياسي الفلسطيني، والأمر لا يتعلّق فقط بالمجلس الوطني أو المجلس المركزي، خصوصاً أنّ الأخير الذي ينبثق عن الأوّل، من المفترض أن يمثّل الفلسطينيين في الخارج"، موضحاً أنه "في ظلّ الانقسام ووجود حكوميتين، لا يمكن الحديث عن شرعية قانونية، بل يتم التعامل مع ما هو قائم على اعتبار أنّ الدول العربية والغربية بحاجة إلى عنوان للتعامل معه، مثل اضطرار إسرائيل الآن للتعامل مع حماس، ولو بطريقة غير مباشرة. إذن الأمر لا يتعلّق بالشرعية وإنما بإيجاد عنوان وسياسة عملية بين الدول".

ويتابع جقمان، وهو عضو مجلس مركزي تم اختياره قبل أربعة أشهر من دون معرفته، ولم يحضر الاجتماع الأخير، أنّ "المجلس المركزي قدّم عبارات عامة وغامضة شاهدنا مثلها الكثير في الماضي، والقضية الأساسية متروكة، ليس على صعيد المجلس الوطني والمركزي، وإنما على الصعيد الفلسطيني ككل، فلا يوجد نقاش عام حول أين نحن ذاهبون؟ وما هو المستقبل؟".

أما الكاتب ومدير مركز "مسارات"، هاني المصري، فيقول في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "لا يوجد نصاب سياسي، ولا نصاب شعبي للمجلس المركزي، شرعته منقوصة، ولا يستطيع أحد أن يقول إنه شرعي في ظلّ الانقسام، وعدم وجود انتخابات، وغياب برنامج وطني فعّال، والوضع متدهور والقضية في أخطر مراحلها".

ولتحديد العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي، وهو عنوان الاجتماع، تمّ طرح آليات قانونية وسياسية وأمنية واقتصادية ضمن ورقة وضعها أعضاء اللجنة التنفيذية وعضو مركزية "فتح"، محمد أشتية، بصفته خبيراً اقتصادياً، ووزير الخارجية رياض المالكي، ومصطفى البرغوثي. وقد تبنى المجلس المركزي كل ما جاء في الورقة، مؤكداً أهمية تنفيذها وأنّ التنفيذ "يحتاج إلى إرادة سياسية".

وكان لافتاً تحدّث بعض أعضاء المجلس المركزي "عن الحاجة إلى إرادة أمنية أيضاً لضمان تنفيذ هذه الورقة"، وهي المرة الأولى التي يتم التحدّث فيها عن هذا الأمر، إذ عادة ما يتم التحدث عن الإرادة السياسية فقط. وناقش بعض الأعضاء الإرادة الأمنية وفحوى العقيدة الأمنية التي تلتزم بها المؤسسة الأمنية عند الحديث عن وقف التنسيق الأمني بشكل كامل. وبات من المعروف أنّ الأمن يتحكّم بجميع مفاصل الحياة في الضفة الغربية، بغضّ النظر عن صغرها أو أهميتها. ولعل حضور رجال أمن إلى مكتب الجبهة الديمقراطية يوم الثلاثاء الماضي، للاستفسار عن سبب المؤتمر الذي دعت له الجبهة، وطلب تنسيق مسبق مع الأمن، يعكس مدى هيمنة الأمن على كل مفاصل الحياة في الضفة الغربية.

وفي الوقت الذي يقلّل فيه المحللون من أهمية قرارات المجلس المركزي حول تحديد العلاقة مع دولة الاحتلال لأن هناك "قرارات سابقة لم تنفذ"، حسب ما يقول جقمان، يبدو أنّ الأمور غير واضحة أصلاً لدى أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، مثل رئيس الدائرة الأمنية والسياسية ممثل حزب "فدا"، صالح رأفت، الذي قال في كلمته أمام المجلس المركزي يوم الخميس الماضي إن "هناك قضايا أساسية ما زالت تراوح مكانها، ويجب مناقشة أسباب عدم تنفيذها وهي؛ أولاً: رفع الإجراءات العقابية عن قطاع غزة رغم إعلان الرئيس أبو مازن أنها سترفع في اليوم التالي، أيّ في الرابع من مايو/ أيار، وثانياً: وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، إذ اتخذ قرار بهذا الخصوص في اجتماعات المجلس المركزي المتتالية (2015، 2018، وفي اجتماع المجلس الوطني الأخير في مايو الماضي).

وفي الإطار ذاته، تقول عضو اللجنة التنفيذية حنان عشراوي في حديث مع "العربي الجديد" إنّ "الجداول الزمنية ستقوم بها اللجنة التنفيذية، لأنّ قضايا التنفيذ من مسؤوليتها، وكان هناك تقرير تضمّن القضايا السياسية والقانونية والأمنية والاقتصادية، وهذه الخطوات تحتاج إلى دراسة، لأن كل خطوة تستوجب إعداداً ولها تبعات. لذلك الجدول الزمني يتطلّب أن نعرف ما هي الخطوة التي يجب تنفيذها، وكم تحتاج من وقت؟ وكيف نحضّر للنتائج؟ لذلك نحن لا نقفز خطوات في المجهول أو في الهواء، والجدول الزمني يحتاج إلى إعداد جيّد".

وحول وجود سقف زمني للجنة التنفيذية لتضع الجداول الزمنية لبنود تحديد العلاقة مع الاحتلال، تقول عشراوي: "لم نضع سقفاً زمنياً للجنة التنفيذية لما يتعلّق بتحديد العلاقة، بل تمّ وضع سقف لتنفيذ القضايا الداخلية مثل تفعيل وتطوير مؤسسات منظمة التحرير، والمقاومة الشعبية والقدس"، مضيفةً أنّ "جميع هذه القضايا لديها لجنة خاصة، وكلهم بدأوا بالعمل فعلياً، لكن تحديد العلاقات مع إسرائيل وما يتعلّق بالمجتمع الدولي يحتاج إلى دراسة أكثر، ويجب اختيار التوقيت المناسب لكل خطوة، إذ لا نستطيع تنفيذها مرة واحدة، فالتنفيذ متروك تقديره الزمني للجنة التنفيذية، والمهم أن يحدث التنفيذ بطريقة مدروسة وتراكمية لنحصل على أفضل النتائج بأقل الخسائر أو الأثمان".

المساهمون