وجد الحوثيون أنفسهم أمام مأزق سياسي وأخلاقي متعلق بأسئلة الداخل والخارج، معتبرين أن ما يدور في حضرموت (شرق اليمن) مجرد تدمير للبنية التحتية، في حين كان الخطاب ما قبل سقوط هذه المحافظة، أنّ السعودية ودول التحالف سلّمت حضرموت وأبين وشبوة لتنظيم "القاعدة". خطوات يصفها كثيرون بـ "المجنونة" تلك التي كشفت أخطاء الحوثيين أمام المجتمع المحلي أولاً، وذلك من خلال تبادل سجناء متهمين بجرائم عدة لأعضاء في جماعة أنصار الشريعة (مقربة من القاعدة)، مع أسرى حرب حوثيين. سجناء أنصار الشريعة كانوا قد اعتقلوا قبل سقوط العاصمة صنعاء بيد الحوثيين عام 2014، ببضع بسنوات. لكن طريقة الحوثيين في إدارة الصراع أنستهم الذرائع التي ضمنوا من خلالها بعض التعاطف الخارجي الذي بُني على تقارير ناشطيهم في أروقة منظمات الغرب الحقوقية.
صفقة تبادل أسرى حرب بمتهمين بجرائم إرهابية شملت أكثر من 70 من أسرى الحوثيين مقابل أكثر من 50 سجيناً من تنظيم "القاعدة" في مدينة سيئون بمحافظة حضرموت وحدها، لم تكن مجرد صدفة، بل كانت منظمة في أكثر من محافظة، إذ وُقّعت صفقة أخرى، الأسبوع الماضي، في محافظة البيضاء، وشملت الإفراج عن 47 من عناصر "القاعدة". وقبل ذلك، بادل الحوثيون أسراهم بسجناء في منطقة ذي ناعم بمحافظة البيضاء، تضمّنت تبادل 9 من عناصر "القاعدة" مقابل أكثر من 11 من الحوثيين، وأُحيطت الصفقة بسرية تامة، حينها، غير أن السرية لا تصمد كثيراً في هذه الحالة.
تتوالى الذرائع بالسقوط، يومياً، على طاولة المشاورات في الكويت لتتساقط معها الفصول التي اختبأت خلف مشاهدها الجماعة المسلحة لتظهر للعالم أنها حريصة على الأمن من خلال حربها على "القاعدة"، كما أوهمت بعض "المرعوبين" من ملف التنظيم في اليمن. تمكّن الحوثيون على مر الأشهر السابقة من كسب ودّ بعض الأطراف الدولية بمن فيها الولايات المتحدة، والتي جلست معهم على طاولة تباحث في العاصمة العُمانية مسقط، في سبتمبر/ أيلول الماضي، وحاولوا إقناعها أنهم البديل الأمثل لحرب "القاعدة".
ضمنت الولايات المتحدة هذا الأمر لأشهر من خلال توكيل الحوثيين بتسلم هذا الملف في ظل غياب الدولة، لكن الجماعة بدلاً من الذهاب لحرب "القاعدة" في حضرموت أضاعت الخارطة وذهبت إلى تعز. لم تشهد هذه المدينة أية عملية إرهابية لتنظيم القاعدة طوال عمر السياسة اليمنية الحديثة، باستثناء عملية اغتيال ضابط في الأمن السياسي، اتضح في التحقيقات أن القاتل غُرّر به من قبل نظام صالح لتصفية أحد الضباط المحتفظين بوثائق تخص التنظيم، وذلك لإخفاء التلاعب بهذا الملف.
خسر الحوثيون بوصلة تناسق الموقف إزاء الحرب على "القاعدة". ففكرة الرفض لأي شيء مقدّم من الشرعية والتحالف العربي أسقطتها في فخ رفض الحرب على التنظيم، في وقت شديد الأهمية، إذ ينظر العالم لما يدور في الكويت بمزيد من الأمل. وكانت الصفعة موجهة إلى وجه الحوثي وصالح في الكويت من خلال إعلان الأمم المتحدة عبر مبعوثها الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، تأييدها للعمليات العسكرية، على اعتبار أنها عملية تمس الأمن الدولي وليست عملية عسكرية في سياق الحرب بين الحوثيين والحكومة والمقاومة الشعبية.
اعتبر المبعوث الأممي تحرير المكلا من "القاعدة"، منذ يومين، تطوراً مهماً، معرباً عن تقديره لجهود الحكومة مدعومة من قوى التحالف العربي في الحرب ضد الإرهاب، وهو التحدي الكبير الذي يواجه اليمن والمنطقة، بحسب قوله. وتزامنت هذه المواقف على الأرض وعلى طاولة المشاورات، مع البيان الرئاسي لمجلس الأمن الذي تحدث في فقرته التاسعة عن قلقه الشديد إزاء الهجمات الإرهابية المكثفة، بما في ذلك التي يقوم بها تنظيما "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية، و"الدولة الإسلامية" في العراق والشام (داعش)، داعياً جميع الأطراف اليمنية إلى تجنب إحداث أي فراغ أمني، والذي يمكن استغلاله من قبل الإرهابيين أو غيرهم من الجماعات العنيفة.
وأكد مجلس الأمن على ضرورة التوصل إلى حل سياسي للأزمة للتمكن من مواجهة خطر الإرهاب في اليمن بطريقة دائمة وشاملة، وهو الذي فشل فيه الحوثيون، بينما كانت "القاعدة" هي الشماعة التي علّقوا عليها آمالهم في إرضاء الخارج. ويبقى السؤال المُلح على الطاولة الدولية: ما الذي يريده الحوثيون وصالح في تعز، ساحة حربهما مع السعودية؟ يجيب أحد أعضاء وفد الحوثي: "كلما قصفنا الطيران، سنقصف تعز".