يدور جدل كبير داخل إسرائيل بشأن التداعيات الاقتصادية لاتفاق المساعدات العسكرية، الذي وقعته الأسبوع الماضي، مع الولايات المتحدة، وتحصل بموجبه حكومة الاحتلال على معدات حربية من واشنطن بقيمة 38 مليار دولار على مدى عقد من الزمان.
فعلى الرغم من أن هناك إجماعاً على أن الاتفاق يسهم في تعزيز الأمن "القومي" الإسرائيلي بشكل كبير، إلا أن عددا من الجنرالات يرى في المقابل أن هذا الاتفاق يمثل ضربة قوية للاقتصاد الإسرائيلي؛ في حين يحاجج خبراء اقتصاديون بأنه ينطوي على فرص واعدة.
وحسب تقديرات الجنرالات، فإن إصرار واشنطن على أن يتم تخصيص كل الدعم لشراء أسلحة وعتاد وتجهيزات من الولايات المتحدة، ورفضهم تضمين الاتفاق أي بند ينص على تخصيص جزء من المساعدات المالية لشراء ما تنتجه مجمعات الصناعات العسكرية والتقنية الإسرائيلية المختلفة، يمثل ضربة قوية لهذه الصناعات.
ويذكر أن الولايات المتحدة وافقت ضمن اتفاق المساعدات العسكرية، المعمول به حاليا، والذي تبلغ قيمته السنوية 3.1 مليارات دولار، على تخصيص قسط من المبلغ لتمكين الجيش الإسرائيلي من شراء معدات مما تنتجه الصناعات العسكرية الإسرائيلية نفسها.
ونقل موقع صحيفة "هارتس" أمس، الأحد، عن جنرالات في الخدمة العسكرية وفي الاحتياط قولهم، إن إصرار الأميركيين على تخصيص كل المساعدات لشراء السلاح الأميركي فقط يعني في الواقع "تصفية" الصناعات العسكرية، التي تلعب دورا كبيرا في زيادة الإيرادات الناجمة عن الصادرات الإسرائيلية للخارج، إلى جانب إسهامها في تعزيز مكانة إسرائيل الدولية.
وحسب هؤلاء الجنرالات، فإنه حسب اتفاق المساعدات المعمول به حاليا، فإن الولايات المتحدة تخصص سنويا مبلغ 700-800 مليون دولار من حجم المساعدات السنوي الإجمالي، وهو ما يمثل "أسطوانة أوكسجين" لإبقاء هذه الصناعات على قيد الحياة.
وعوضت إسرائيل ضعف إمكانياتها الجيوسياسية المتمثلة في افتقارها إلى الموارد الطبيعية كالنفط، بإمكانياتها التكنولوجية التي حصلت عليها من الولايات المتحدة الأميركية في إطار اتفاقيات التعاون المشترك بينهما، فقامت بتصدير عدد كبير من الأسلحة والمعدات المعتمدة على التكنولوجيا الأميركية، مما ساعدها على تحقيق مكاسب اقتصادية ضخمة أصلحت ميزانها التجاري وزادت احتياطيات العملة الصعبة لديها.
ويشدد الجنرالات على أن توفير بيئة تساعد على تواصل عمل الصناعات العسكرية، يكتسب أهمية استراتيجية وأمنية لإسرائيل، على اعتبار أن هناك تداخلاً كبيراً بين هذه الصناعات والجيش الإسرائيلي، بحيث أنها تعمل بشكل أساسي على تلبية المتطلبات التقنية والميدانية للجيش وتسهم بشكل كبير في ضمان تفوقه النوعي.
ويذكر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أعلن مؤخرا وفي أكثر من مناسبة، أن ما تنتجه الصناعات العسكرية، لا سيما في مجال التقنيات الحربية، يلعب دورا رئيسيا في دفع المزيد من الدول إلى التقرب من إسرائيل وتحسين علاقاتها معها.
وفي المقابل، فإن عددا من الخبراء الاقتصاديين يتهمون الجنرالات بإثارة هذه القضية تحديدا بهدف محاولة "ابتزاز" الولايات المتحدة مجددا، وتوفير الأرضية لتبرير المطالبة بمزيد من المساعدات المالية.
وحسب الخبير الاقتصادي، سامي بيريتس، فإن الإصرار الأميركي على تخصيص المساعدات لشراء منتجات عسكرية أميركية "منطقي" وينسجم مع المصالح الأميركية الداخلية، ويأتي لضمان توفير وظائف للعاملين في مجمعات الصناعات العسكرية الأميركية.
ونوّه بيريتس إلى أن الولايات المتحدة استخلصت العبر من تسريح ملايين العاملين في هذه الصناعات في أعقاب الأزمة، التي ضربت الاقتصاد الأميركي عام 2008.
وفي تحليل نشره موقع صحيفة "ذي ماركير" الاقتصادية، أمس، قال بيريتس إنه يفترض أن تؤيد إسرائيل كل إجراء أميركي يهدف إلى "تحصين" الصناعات العسكرية الأميركية، على اعتبار أن إسرائيل تعتمد على هذه الصناعات في أداء جهدها الحربي.
ويرى بيريتس أنه بدلا من مطالبة الأميركيين بتخصيص أموال لشراء منتجات الصناعات العسكرية الإسرائيلية، يتوجب على المرافق الصناعية الإسرائيلية، لا سيما الصناعات العسكرية، تطوير ذاتها بشكل يسهم في بقائها كمحرك النمو الأبرز للاقتصاد الإسرائيلي.
ولا يستبعد بيريتس أن يسهم تقليص الجيش والمؤسسة الأمنية الإسرائيلية حجم مشترياتها من الصناعات العسكرية الإسرائيلية في دفع هذه الصناعات إلى تطوير ذاتها، عبر بلورة برامج جديدة تعزز من مكانتها في السوق العالمية.
ووفق تقديرات بيريتس، فإنه ليس من الحكمة أن تكون الصناعات العسكرية "تحت رحمة" القرارات، التي تصدر من البيت الأبيض.
ولفت بيريتس إلى أن حرص الأميركيين على تضمين الاتفاق بنداً ينص على التزام إسرائيل بعدم التوجه إلى الكونغرس وطلب مساعدات إضافية، يمثل استخلاصا للعبر من الماضي، مشيرا إلى أن الإسرائيليين كانوا دوما يحصلون من خلال التوجه إلى الكونغرس على نصف مليار دولار إضافي لمبلغ المساعدات السنوي الذي يبلغ 3.1 مليارات.
وتتوفر إسرائيل على مؤسسات صناعية عسكرية متعددة، على رأسها مؤسسة الصناعات الجوية الإسرائيلية "IAI"، والتي تم إنشاؤها في البداية لصيانة الطائرات العسكرية والمدنية، لكنها تحولت إلى أحد أهم مصدري السلاح في إسرائيل، فنحو 60 % من منتجاتها موجهة للتصدير، ويتراوح دخلها السنوي بين مليار وملياري دولار، ومن أشهر منتجاتها مقاتلة كفير (النسخة الإسرائيلية من ميراج الفرنسية).