واعتبر مراقبون أن إجراء مثل هذه المسوح يمثل خطورة حقيقية على اختراق المجتمع المصري اقتصادياً وثقافياً، فيما ذهب البعض الآخر إلى التقليل من خطورة المسوح، على اعتبار أن عملية الاختراق بدأت منذ فترة طويلة، فضلاً عن أنها تتم تحت مظلة المعونة. وفي حين أن المسوح في جوهرها تتعلق بأمور صحية، فإنها في النهاية تقدم معلومات دقيقة وموثّقة حول السكان في مصر وأنماطهم.
ويعمل على مشروع المسوح المشار إليها، الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، بالشراكة مع وزارة الصحة واليونيسيف وصندوق الأمم المتحدة للسكان، وتم جمع وتحليل بيانات عن السكان والصحة والحالة الغذائية في مصر.
وتقول مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في مصر، شيري كارلين إن "هذا المسح يوفر البيانات المهمة للكشف عن الاتجاهات الصحية السائدة وتحديداً القضايا التي تحتاج إلى معالجة".
وتضيف كارلين أنه "من خلال الدعم المقدم من الشعب الأميركي أصبح لدى مصر بيانات على مدى ثلاثين عاماً، توثّق التقدم في تحسين صحة النساء والأطفال، بما في ذلك وفيات الأطفال، وتغطية التطعيم، والحالة الغذائية، والرعاية الصحية للأمهات".
ويغطي المسح أكثر من 28 ألف أسرة في جميع أنحاء مصر. وتضمن إجراء مقابلات مع 22 ألف امرأة تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عاماً. ويقدم هذا التقرير معلومات موثّقة عن السكان.
بدوره، يقول الخبير السياسي، أمجد الجباس لـ"العربي الجديد"، إن "فكرة التعاون بين مصر والولايات المتحدة حول عمل مسوح ديمغرافية، لم يعد بالخطورة التي يتصورها البعض، وليس مفاجأة".
ويضيف أن الولايات المتحدة "باتت اليوم تعرف كل شيء عن العالم، وليس من الصعب إجراء مسوح داخل مصر بتنسيق رسمي، ولكن الخطورة تكمن في الموافقة الرسمية على ذلك". وبحسبه، فإن الولايات المتحدة "تُجري هذه المسوح من باب ضرورة وجود قواعد بيانات لكل شيء عن مصر، في إطار طلب المعونات من الولايات المتحدة، وبالتالي هذا باب لمعرفة أدق التفاصيل عن السكان والأنماط المختلفة".
ويلفت الجباس إلى أن الولايات المتحدة "تعمد إلى تأسيس مراكز بحثية في مصر، سواء رسمية من جهة الإدارة الأميركية أو السفارة، كما تفتح فروع مراكز دراسات عالمية".
ويشدّد على أنّ "تلك المراكز تقوم بعمل دراسات وأبحاث عن كل شيء في مصر، بشكل مقنن وقانوني، خصوصاً أن العالم لم يعد منغلقا على نفسه بالصورة التي كان عليها في عقود ماضية في ظل وجود معسكرين لا يعلم أحدهما شيئاً عن الآخر".
ويؤكّد أن الولايات المتحدة تعلم كل شيء في مصر حتى دون إجراء مسوح، لأن غالبية قواعد البيانات التي تعمل بها مصر أميركية، فهي لديها معلومات تلقائياً وطبيعياً وبطلب مصري. ويشير إلى أن واشنطن ملتزمة بتقديم تقارير وإحصاءات دقيقة لكل ما تقوم به، خصوصاً في ما يخص تقديم منح خارجية، وبالتالي هو إجراء مهم بالنسبة لهم ويوافق عليه النظام الحالي من باب الرغبة في المعونة والمنح.
من جهته، يرى خبير استراتيجي بمركز الأهرام للدراسات السياسية، أن إجراء مسوح وأبحاث عن أمور خاصة ودقيقة خطر شديد على الأمن القومي.
ويقول لـ"العربي الجديد" مشترطاً عدم نشر اسمه، إن إجراء واشنطن مسوحاً في مصر والحصول على معلومات عن السكان وطبيعتهم، يسهم في إعداد خطط للتعامل مع الشعب المصري، سواء في منتجاتها المصدرة ورسم خطط التعامل مع الأوضاع الداخلية في مصر.
ويضيف أن بعض الدول تقوم ببعض الأبحاث في العديد من دول العالم، وبعض تلك الدول لا تسمح بإجراء أبحاث معينة في ما يتعلق بأمور تخص الأمن القومي. ويشير إلى أن "فكرة اختراق الدول الكبرى للمجتمعات النامية، لم تعد بالصورة التي يتخيلها البعض، ولكن الأسوأ هو الهيمنة الاقتصادية، وكل ما يتم من مسوح هو في هذا الإطار".
ويشدّد المصدر نفسه على أن الولايات المتحدة لا تريد ضرب مصر أو احتلالها، ولكن هناك أشكالاً أخرى من الهيمنة والاختراق، مثل الهيمنة الاقتصادية والثقافية". ويلفت إلى ضرورة تنبّه الدولة إلى خطورة هذا الأمر في أوقات مقبلة، وليس بالضرورة وجود خطر حالي، ولكن "ماذا لو حدثت أزمة في وقت لاحق بين مصر والولايات المتحدة، فالأخيرة يمكن أن تستغل كل ما لديها من معلومات كأوراق ضغط".
غير أن الخبير العسكري والاستراتيجي، اللواء عادل سليمان، يرى أن المسوح ليست خطرا بهذا الشكل الذي يصوره البعض على الأمن القومي. ويقول لـ"العربي الجديد"، إن مراكز الأبحاث الأميركية هي الأفضل عالمياً، وبالتالي من الطبيعي الاستعانة بها في إجراء مسوح وأبحاث داخل مصر، وبالمناسبة هو حال غالبية دول العالم.
ويضيف أن "الإدارة الأميركية مطالبة بتقديم معلومات محددة حول سبل الإنفاق على المعونات الخارجية، وهو ما يستلزم رصد أسباب إعطاء المنح وفقاً لدراسات محددة". ويؤكّد أن اختراق المجتمعات حصل منذ فترة، وهناك مراكز أبحاث أميركية في مصر تعمل بشكل قانوني، وباتت مصر كتاباً مفتوحاً، في ضوء عصر المعلومات.
اقرأ أيضاً: 88 مليون نسمة عدد السكان داخل مصر