المسنّون "كنز" في بيوت المغرب

12 أكتوبر 2014
سيرتفع عدد المسنين خلال السنوات المقبلة (عبدالحق سنا/فرانس برس)
+ الخط -
قبلَ سنوات انتقلت السبعينيّة، مي فطومة، إلى دار العجزة في مدينة الرباط، وقد اعتادت الأمر من دون أن تكون سعيدة. تقول لـ"العربي الجديد" إنه "أصبح لها الكثير من الأصدقاء، وساهم ذلك في التعويض عن حنان أسرتها السابقة". تُضيف أن "أكثر ما يؤلمها هو عدم زيارة أبنائها لها بعدما وضعوها في الدار. قدموا لرؤيتها مرة واحدة خلال عيد الفطر، وذلك في السنة الأولى لإقامتها في الدار. بعد ذلك، تخلّوا عنها إلى الأبد".
ليست فطومة المسنة الوحيدة التي تنتظر زيارة قد تأتي أو لا تأتي من أبنائها؛ فكثيرون مثلها يعانون بصمت في بيوتهم أو في مؤسسات الرعاية الاجتماعية، يشعرون أنهم يفقدون السلطة التي كانوا يملكونها من قبل.
في السياق، يقول عالم الاجتماع عبد الصمد ديلمي إن "المسن في المجتمع المغربي يشعر أنه انتقل من السلطة إلى الهامش، وقد فقد تلك الهيبة التي كان يحظى بها مع أسرته، ليصبح في الغالب شخصاً غير مرغوب فيه، وفي أحسن الأحوال عالة على العائلة".
ويصف ديلمي المسن في المجتمع المغربي بأنه "معوّق اقتصادياً، يستمد عجزه من عجز الدولة التي لم تستطع أن تؤمن له حاجاته الضرورية. هكذا تخلت الدولة عن دورها، وتركت للأسرة وحدها تحمّل هذه المسؤولية". يضيف أنه "في المجتمع المغربي، ينتظر المسن المساعدة من أبنائه. أما في الدول الديمقراطية، فالمسن هو من يقدم يد العون لأبنائه".

كنز

وأطلقَ المغرب أخيراً الحملة الوطنية الثانية لحماية المسنين، التي تهدف إلى توعية المجتمع بضرورة الاهتمام بهذه الفئة، تحت شعار "الناس لكْبار كنز في كل دار". وتعتزم الحكومة إنشاء مرصد وطني للمسنين، بهدف معرفة واقع المسنين في المغرب وآفاق حياتهم المستقبلية، من خلال جمع المعلومات والبيانات حول هذه الفئة، وتحديد مؤشرات دورية تتيح متابعة دقيقة لأوضاعهم في البلاد.
وينتقد مراقبون زيادة أعداد دُور ومؤسسات العجزة والمسنين في المجتمع المغربي، باعتبار أن ذلك مؤشر على اختلاف ركائز العلاقات الأسرية التي كانت تتسم في الماضي بالتكافل العائلي، بينما صارت في الوقت الراهن تنزع إلى الفردية.
وترتكزُ الحملة على لفت نظر المغاربة إلى أهمية وفضل وجود المسنين في كل بيت، وضرورة الأخذ بيدهم والعناية بهم، وتفادي إرسالهم إلى دور العجزة، والتشديد على حماية حقوقهم، وإعادة الاعتبار للأسرة.
وتبثّ مختلف القنوات التلفزيونية والإذاعية إعلانات طيلة النهار، تحثّ على الاهتمام بأوضاع المسنين في المجتمع المغربي، وتُظهر "تنافس" الأبناء بمختلف أعمارهم لاحتضان الأب أو الأم.
وكانت الحملة الأولى لحماية المسنين في المغرب، والتي أُطلقت العام الماضي، ساهمت في إيواء 618 مسنا في مؤسسات الرعاية الاجتماعية، وإدماج 53 آخرين في عائلاتهم، وعلاج مئات المرضى. كذلك، تم تأهيل مراكز إيواء عدة، بحسب إحصائيات وزارة التضامن.
وتجدر الإشارة إلى أن عدد المسنين في المغرب يقدر بحوالى ثلاثة ملايين، بنسبة تصل إلى 8.5 في المائة من مجموع سكان المملكة. غير أن هذا الرقم مرشح لارتفاع ملحوظ، قد يصل إلى 11 في المائة عام 2020، و20 في المائة عام 2040. وكان تقرير حديث لصندوق الأمم المتحدة للسكان قد نبه إلى "هشاشة فئة المسنين في المجتمع المغربي"، مشيراً إلى أن "هؤلاء المسنين لا يحصلون في الغالب على رعاية اجتماعية لائقة، أو على تغطية صحية تعينهم في حالات مرضهم، وخصوصاً النساء منهن".
كذلك، قال تقرير حديث أصدرته منظمة "Global Age Watch" العالمية، التي تهتم بالمسنين في العالم، إن "الهرم السكاني في المغرب سيشهد تغيرات عميقة، لناحية ارتفاع عدد المسنين بالمقارنة مع الشباب، خلال السنوات المقبلة". أضاف أن "المغرب سيشهد زيادة في نسبة المسنين (60 عاماً)، وستصل إلى 21 في المائة عام 2050، في مقابل 8 في المائة حالياً".
ويحتل المغرب، بحسب تقرير المنظمة الدولية، المرتبة 83 من ضمن 96 بلداً، فيما يتعلق بأوضاع المسنين، تبعاً لـ13 مؤشرا يرتبط بجودة الحياة، ونسبة الفقر، والحالة الصحية، والعمل، والتربية، والبيئة، والعلاقات الاجتماعية. كذلك، يحتل المسنون في المغرب مرتبة متأخرة مقارنة مع بلدان أخرى في العالم، لناحية معياري الصحة والتربية، بحسب التقرير.
ويبدو أن السلطات المغربية عاجزة حتى الآن عن تأمين الاحتياجات الأساسية للمسنين، لتكون الحملة أشبه بتغطية لعجز الدولة عن الوفاء بالتزاماتها نحوهم.
دلالات