ومثل سيف الإسلام، الذي قُبض عليه في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، أمام دائرة الجنايات في محكمة استئناف طرابلس، عبر دائرة تلفزيونيّة مغلقة من مقر اعتقاله في الزنتان، لكنّه لم يظهر أمام المحكمة عبر الدائرة المغلقة منذ انطلاق عملية "فجر ليبيا" في يونيو/ حزيران الماضي.
وتوضح محكمة الجنايات الدولية أنّها أحالت الملف إلى مجلس الأمن الدولي ليتخذ ما يراه مناسباً من إجراءات، إزاء عدم تنفيذ السلطات الليبية التزاماتها بتسليم سيف الإسلام. وبحسب معاهدة روما، التي دخلت حيّز التنفيذ عام 2002، والخاصة بإنشاء محكمة الجنايات الدوليّة، فإنّ قضاءها تكميلي، أي أنها مختصة بمحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم حرب أو ضدّ الإنسانيّة، في حالة عدم رغبة القضاء الوطني أو عجزه عن القيام بمهمة المحاكمة.
ويرى قانونيون ليبيون أنّ حالة عدم رغبة ليبيا في محاكمة سيف الإسلام غير موجودة في هذه الحالة أو مفترضة، مبررين ذلك بالإشارة إلى أنّ محاكمات أركان نظام القذافي، تجري بشكل عادي، في العاصمة طرابلس، ومن أبرز هؤلاء رئيس جهاز الاستخبارات في عهد القذافي وأقوى رجاله السابقين، عبد الله السنوسي. ويلفتون إلى أنّ إحالة محكمة الجنايات الدولية لم تُشر إلى أيّ من أركان النظام السابقين، كونهم يحاكمون تحت سلطة الحكومة المركزيّة، ومحتجزون في سجون تابعة لوازرة العدل الليبيّة.
وفي حالة سيف القذافي، فهو يقع خارج دائرة سيطرة الحكومة المركزيّة، التي طالبت مرات عدّة بتسليمه إلى طرابلس، من مقر احتجازه في الزنتان، حيث ترفض الكتائب التي تحتجزه تسليمه، وهو ما يعني انعقاد اختصاص محكمة الجنايات الدوليّة، لتحقّق شرط عدم قدرة الدولة الليبيّة على محاكمته.
ولا يمكن إغفال البُعد السياسي وراء مطالبة محكمة الجنايات الدوليّة بتسليم سيف الإسلام القذافي، إذ يبدو الأمر بمثابة بدء إعلان استعمال "سياسة العصا" مع ليبيا، بعد فشل كلّ المحاولات الأوروبيّة والأميركيّة لإنجاح محاولات المبعوث الأممي إلى ليبيا برناردينو ليون، في النسخة الأولى من حوار غدامس في التاسع والعشرين من سبتمبر/ أيلول الماضي، وطريقه المتعثّر إلى النسخة الثانية، المفترض عقدها الأسبوع المقبل، بعد تأجيل موعدها الذي كان مقرراً في التاسع من الشهر الحالي.
وفي سياق متّصل، يقول أحد أعضاء مجلس النواب الليبي المنحل، رافضاً الكشف عن اسمه، إنّ "ثمّة مغالطة بإحالة محكمة الجنايات الدولية إلى مجلس الأمن، تنطوي على توجيه لوم إلى السلطات الليبية بعدم تعاونها في تسليمه"، في حين أنّه "من المفترض أن تشير إلى سبب عجز السلطة المركزيّة في طرابلس، وهو امتناع ميليشيات الزنتان، التي تمثلها كتائب "القعقاع" و"الصواعق" و"المدني"، عن تسليمه إلى السلطة المركزية وفرض أمر واقع بما تملكه من ترسانة أسلحة تجعل الدولة عاجزة عن عمليّة المحاكمة أو التسليم في حالة العجز".
ويشير مراقبون إلى أنّ إحالة ملف سيف الإسلام إلى مجلس الأمن، هو أولى بوادر تلويح وزراء خارجية كل من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وبروكسل، في الثالث من الشهر الحالي، باتخاذ تدابير إضافية في حال فشل استجابة أطراف النزاع في ليبيا لجهود ليون. ولا يستبعد هؤلاء أنّ يكون قرار الإحالة من محكمة الجنايات الدوليّة إلى مجلس الأمن، بمثابة إعلان مبكر عن فشل جهود ليون في جمع المتنازعين سياسياً وعسكرياً في ليبيا حول طاولة المفاوضات.
وينطوي قرار الإحالة أيضاً، على رسالة سياسيّة أخرى، تهدف إلى الضغط على الشارع، غربي ليبيا، والذي يقود من خلال الضغط على ممثليه السياسيين، من داخل المؤتمر الوطني العام ومن خارجه، بطريقة غير مباشرة، توجّهات وشروط الحوار. وفي حين ترغب أطراف عدّة من خارج المؤتمر الوطني ومن داخله، الاستمرار بالحوار، لكنّها أولاً تصطدم بتظاهرات كل يوم جمعة في مدن عدّة بغربي ليبيا، وتُعدّ أبرز شعاراتها، رفض حوار غدامس في نسخته الثانية، وثانياً بتشدّد الطرف الآخر، سواء من قادة "عملية الكرامة" أو من مجلس النواب الليبي المنحل في طبرق، شرقي البلاد.
ويبدو المشهد راهناً غير قابل للحلحلة، في ظلّ تعنّت أطراف الداخل، ومحاولة القوى الكبرى فرض شروط كتشكيل حكومة وحدة وطنيّة ومجلس رئاسي، من دون مراعاة أو الاهتمام بالعناوين الرئيسة للصراع الحالي، الذي يصفه طرف بأنّه "حرب على الإرهاب"، وينعته الطرف الآخر بأنّه "حرب مقدّسة على ثورة مضادة".