على مدار الأيّام القليلة الماضية، شهدت ساحة المعارضة المصرية في الخارج فصلًا جديدًا من فصول محاولات التوفيق بين أطرافها المختلفة، من أجل وضع أرضية تصلح لمواجهة النظام الحاكم. جرت وقائع الفصل الجديد، هذه المرة، في العاصمة الأميركية واشنطن، بعد أن فشلت فصول برلين وإسطنبول في تقديم نهاية سعيدة يُسدل عليها ستار العرض، استعدادًا لعرضٍ جديدٍ أكبر في القاهرة.
انتقادات كثيرة وُجّهت إلى ما أطلق عليه ملتقى "الحوار الوطني"، ووثيقة "وطن للجميع"، وإلى المشاركين فيها أيضًا. انتقادات دفعت القائمين على المبادرة إلى القول: "إن هذه المبادرة لا تمثّل ولا تعبّر إلا عن الأشخاص الموقّعين عليها فقط"، وهو ما يعني الحكم على المبادرة بالموت في المهد.
الفشل الذي يبدو أن المبادرة آلت إليه، يُشير بوضوح إلى أن هناك خللًا ما، وأن هناك العديد من النقاط التي يجب أن يتمّ التعامل معها قبل الحديث عن أية مبادرة.
التحالف مع "الآخر"
في كل مرّة يتم الحديث فيها عن مبادرة لمواجهة النظام الحاكم، تضمّ الإسلاميين بشكل عام وجماعة الإخوان بشكل خاص، تتعالى أصوات من قلب التيّار المدني - خاصة الشباب - للتنديد بوجود "الجماعة" ضمن أي تحالف للمعارضة.
في مقابل ذلك، ترتفع أصوات شباب من التيّار الإسلامي، رفضًّا للتحالف مع أغلب أطياف التيّار المدني، باعتبارهم شاركوا في صنع النظام الاستبدادي الحاكم، عبر مشاركتهم في مظاهرات 30 يونيو/ حزيران 2013، وتوفير الغطاء المدني لانقلاب الجيش على الرئيس محمد مرسي.
السؤال الذي يطرح نفسه في مواجهة هذا الرفض المتبادل: ماذا نفعل بالآخر؟ يرى الناشط السياسي باسم طارق أن الحديث عن مستقبل الحياة السياسية في مصر، وعن نظام ديمقراطي قائمٍ علي التعايش السلمي والمواطنة والتعددية وسيادة القانون وحرية الفكر والاعتقاد، بمشاركة نظام يوليو أو أيٍّ من الجماعات الدينية هو "محض هراء"، معتبرًا أن التيار المدني ليس بحاجة إلى الإخوان أو إلى غيرهم من الجماعات الدينية، لأن معركتهم مختلفة وأهدافهم مختلفة وقناعاتهم مختلفة أيضًا. ويستنكر طارق اهتمام التيّار المدني بالإخوان قبل كل خطوة يحاول أن يتقدّم بها نحو المستقبل، فالتيّار المدني، بحسبه، يُفترض أن يكون محايدًا تجاه الدين وبالتالي لا يشغله أصلًا موقف الجماعات الدينية، على حدّ قوله.
هدف مشترك
على الضفّة الأخرى، يصنّف عضو جماعة الإخوان المسلمين أحمد محمود، التيّار المدني إلى قسمين: الأوّل قسم غير جدير بالثقة لأنه خالف مبادئه ودعم وتحالف مع السلطة العسكرية، وهؤلاء لا يجب التحالف معهم، وقسم آخر لم يتورّط في دعم "العسكر"، وأثبت أنه متصالح مع ذاته ومبادئه، وهذا يمكن التحالف معه من أجل مواجهة النظام بفعالية أكبر.
من جهته، يتساءل الناشط السياسي كريم عبد الحليم، عن سبب اختزال الحلول في حلّين اثنين: "نتحالف ونواجه سويًا، أو ننعزل في جزر بعيدة"، موضحًا أن تيّار الإسلام السياسي موجود على الأرض وله قاعدته الاجتماعية التي لا يمكن غضّ الطرف عنها، والتيّار المدني مجبر على التعامل معه، لكن هذا "التعامل" لا يعني بالضرورة التحالف، بل قد يعني ببساطة تنسيق الجهود من أجل الوصول إلى هدف مشترك مرحليًا وهو هزيمة السلطة.
هنا، يعتبر المتحدّث أن هذا العينة من الآراء تعكس جزءًا من حالة الجدل القائم حول الطريقة المثلى التي يجب أن يتعامل بها كل تيّار مع "الآخر"، وتشير بوضوح إلى أهمّية أن يحسم كل تيّار خياره في التعامل مع غريمه، بعد الرجوع إلى قواعده، وقبل الحديث عن مبادرات جديدة.
انقسام داخلي
مع بدء الحديث عن مبادرة "ملتقى الحوار المدني"، ظهرت آثار الانقسامات الداخلية بين مختلف التيّارات، ووقفت أمام عملية المضي قُدمًا في عقد أيّ اتفاق تحالف. الأمر وصل إلى حدّ وصف المبادرة بأنها "أجندة مخابراتية"، كما وصفها الكاتب عمرو دراج، أحد رموز جبهة "القيادة الجديدة" المتصارعة على إدارة جماعة الإخوان، وهو بذلك يطعن في من ساهموا في إعداد المبادرة، بمن فيهم ممثل حزب الحرية والعدالة عبد الموجود الدرديري، المدعوم من جبهة "القيادة التاريخية" للجماعة.
الوضع عند التيّار المدني ليس أفضل حالًا من الإسلاميين؛ فالدكتور عصام حجي، الذي شارك في الملتقى باعتباره صاحب مبادرة "إعداد الانتخابات الرئاسية المقبلة"، لا يحظى بقبول جزء كبير من التيّار المدني، ومبادرته لا تلقى صدى واسعًا عندهم، ومسألة إطلاق مبادرة للإعداد للانتخابات الرئاسية المقبلة من الخارج مسألة تثير حساسية الأحزاب المدنية، ما يجعل الرجل محل اختلاف كبير في المشهد السياسي، ومسألة تمثيله للتيّار المدني مشكوك فيها، أما الناشطة سوسن جاد، التي تُعرّف نفسها بتمثيل "حركة 6 أبريل" في أميركا، فواجهت انتقادات حادة، وصلت إلى حدّ التخوين من نشطاءٍ سياسيين مصريين بسبب مشاركتها في المبادرة.
الخلاف أيضًا يمتد إلى حجم الدور الذي يمكن أن تلعبه المعارضة في الخارج، فجزء من معارضة الداخل يرى هشاشة أرضية انطلاق المبادرات من الخارج لأسبابٍ كثيرة، على رأسها صعوبة تسويق مثل هذه المبادرات شعبيًا، مقابل ذلك يرى معارضون أنّ الظروف الداخلية حاليًا لا تسمح بالترتيب لإطلاق مبادرة من الداخل.
إذا كان هناك ما يمكن أن يستخلص ممّا تقدم ذكره، فهو أنه قبل التوجّه لعقد مؤتمرات وإطلاق مبادرات لا تنتهي إلى شيء يذكر، فإن أطياف المعارضة في حاجة إلى ترتيب بيوتها من الداخل، والاتفاق على ممثّلين لها، وتحديد حجم الدور المقبول الذي قد تلعبه معارضة الخارج.
(مصر)