اشتد النقاش الحماسي وسط جمهور حزب "العدالة والتنمية"، الذي يرأس الحكومة الحالية في المغرب، حول ما إذا كانت قيادة الحزب تنحو حقيقة إلى تقليص ذاتي لمشاركتها في الانتخابات البرلمانية المقبلة في 2021. ولو أنّ هذا النقاش لم يطرح بشكل رسمي في الأجهزة القيادية للحزب الإسلامي، ولا في آخر اجتماع لمكتبه الوطني، لكن ضجت به منصات التواصل الاجتماعي.
وإذا كانت المعارضة الشديدة لكل محاولة تقليص من قبل المنتمين للحزب تعبّر عن الرغبة في التموقع القوي في خريطة الانتخابات المقبلة، التي لم يحدد موعدها بعد، فإنها تعكس من وجهة أخرى، الحجم الرجراج الذي أصبح عليه الحزب، وقد دخلته منذ تحوله إلى آلة انتخابية في 1997، حتى الآن، أصناف وأنواع وطبقات من "الإسلاميين" أو أشباههم، وقد استهوتهم سريعاً أطروحة الحزب حول الدولة والمجتمع ومحاربة الفساد، ودفعتهم إلى التصدر في الاستحقاقات التشريعية والبلديات، ليأتي القطاف الأكبر بعد تكليف عبدالإله بنكيران بتشكيل حكومة 2012، لتناط بخلفه سعد الدين العثماني رئاسة حكومة 2017.
أصبح تدبير حزب كبير أمراً بالغ الصعوبة، في تجربة سياسية مغربية غالباً ما كانت تُنهي مصير الأحزاب الكبرى إلى الانقسام والانشقاق، سواء بسبب تدخل من خارج هذه الأحزاب أو بفعل الركود التدبيري، وتكلس القيادات الحزبية، لينتهي إلى إعادة إنتاج متوالية الانشقاقات الحزبية المؤلمة، التي عرفتها الكيانات الحزبية الوطنية منذ الاستقلال إلى الآن.
قد يكون الحديث عن "التقليص الذاتي" للترشح لانتخابات 2021، جسّ نبض من الحزب للدولة، في انتظار أن تبعث هذه الأخيرة بإشارات تساعده على تقدير حجمه
لم يعد حزب "العدالة والتنمية" يلقي بالاً إلى مسألة التحالفات الحزبية، فقد جرّب منذ حكومة دستور 2011 إلى الآن، العمل مع أغلب مكونات المشهد الحزبي في المغرب، واكتوى بنيران حلفائه قبل خصومه، ويعرف جيداً أنّ القرار الحزبي الداخلي شبه مُصادر، وهو يرتبط بظروف أخرى خارج ما تفرزه صناديق الاقتراع، على رأسها اليوم، فتور الحماسة لوجود الإسلاميين في حكومات ما بعد ارتداد الربيع العربي، وتعقّد وجودهم في واجهة التدبير الحكومي في تقاطع مع مصالح المغرب الاستراتيجية.
قد يكون الحديث عن "التقليص الذاتي" للترشح لانتخابات 2021، جسّ نبض من الحزب للدولة، في انتظار أن تبعث هذه الأخيرة بإشارات تساعده على تقدير حجمه، لكن التجربة كشفت أنّ منطق الدولة في المغرب لا يتبع مثل هذه الأساليب، ما دام القانون الانتخابي الراهن لن يفرز إلا خريطة على المقاس لا تمنح أغلبية مطلقة لأي طرف.
قد يكون نقاش التقليص من عدمه معبّرا عن قلق فعلي لـ"العدالة والتنمية" من مآلات تجربته في العمل الحكومي. فالحزب جاء مرفوعاً على أكتاف شعارات شباب حركة "20 فبراير"، لكن دهاليز الممارسة السياسية في المغرب تكشف عن تعقد المشهد السياسي، وثقل الملف الاجتماعي، وعدم نجاعة العرض الاقتصادي، إلى أن جاء وباء فيروس كورونا ففاض الكاس بما فيه، والقادم، تقول المؤشرات، إنه سيكون أسوأ.