إشكاليتا القراءة والأمية في المغرب أمران متلازمان. فكلما تمّ التطرّق إلى الأول واختلالاته وسبل تخطي أزماته، زاد حضور الثاني كمؤشّر على الأزمة التي ظلّت تُطرح في التحليلات والقراءات الراصدة لانحسار المقروئية وتراجع الكتاب في المشهد الثقافي.
كان رقم 10 ملايين، الذي يُشير إلى عدد المغاربة الذين ما زالوا يعانون من الأمية، حسب تقرير لـ "الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية" في المغرب، صدر حديثاً، كافياً لتحيين النقاش حول مآل واقع "القراءة". فثلث سكان البلد يعانون من الأمية، يُضاف إللى ذلك، تراجع لافت للمقروئية في بلد يبلغ تعداد سكانه حسب الإحصاء الأخير (2015) ما يقارب 34 مليوناً.
يبدو أن جهود "محاربة الأمية" التي تبذلها الدولة بشراكة مع العديد من المنظّمات الناشطة في المجتمع المدني، لم تستطع التخفيف من حدّة تلك الأرقام، رغم استفادة قرابة ستة ملايين مواطن من هذا البرنامج، خلال السنوات العشر الأخيرة، في المغرب الذي حاز جائزة "كونفوشيوس لمحو الأمية" من "اليونسكو"، سنة 2012.
يرتبط هذا المعطى بآخر يتعلّق بواقع القراءة الذي يُطرح كأحد أهم الإشكالات المركزية والاختلالات البنيوية في الثقافة المغربية اليوم. دون أن تنجح الندوات والملتقيات، التي عُقدت على امتداد السنوات التي مضت، في حلحلة بعض من هذا الوضع الاستثنائي، الذي ظل موضوع الكثير من الكتابات والندوات والمبادرات الحكومية وغير الحكومية. هنا، تكفي الإشارة إلى "الخطة الوطنية للكتاب والقراءة العمومية" التي توقّفت لسبب ما.
أمّا "المجلس الأعلى للغات والثقافة"، الذي استُحدث سنة 2011، فيقبع تحت رحمة الصياغة والترسانة التنظيمية والقانونية، دون أن يكون له وجود فعلي على الواقع.
يٌضاف إلى ما سبق، خفوت حضور الفاعل الثقافي وتراجع تأثيره في المجتمع، إلى جانب خفوت أصوات عدد من المؤسسات الثقافية التي كانت حاضرة بدينامية فعلها وعملها الثقافي، ما جعل الوزارة الوصية تكتفي بإعلان استراتيجيتها الخاصة في المجال الثقافي وتكرّر التبريرات نفسها، المرتبطة عادةً بضعف الميزانية الحكومية.
كرّر الخطاب الذي يقارب إشكالات القراءة والأمية في المغرب، المداخل نفسها لإحداث التغيير في هذا الوضع الملتبس: الاهتمام بالقراءة ضمن المنظومة التربوية وتشجيع القراءة العمومية وإنشاء المزيد من المكتبات. بينما لم تجد المطالب بإنشاء مجلس أعلى للقراءة والمكتبات ومجلس وطني للقراءة العمومية والكتاب آذاناً صاغية.
اللافت في التجربة المغربية، أن الأرقام ترتفع بشكل ملحوظ في جل الإنتاجات الإبداعية؛ شعراً وقصةً وروايةً ومسرحاً ونقداً وبحثاً وترجمةً، في مقابل سوق مهدّدة بالإفلاس.
يحتاج الأمر إلى قرار سياسي، هكذا انتهت الكثير من تحليلات هذا الوضع. قرار ينبغي أن يقدّر مصلحة الوطن والأجيال القادمة، فسؤال القراءة وتراجع الإقبال على الثقافة ووضع الأمية في المغرب يرتبط براهن ومستقبل الوطن.
هكذا، يحتاج المغرب إلى سياسة قادرة على تجسير هذه الهوّة بين المواطن والمعرفة، بما أنّ هذا الوضع هو، في النهاية، نتيجة لفشل السياسات التعليمية، الذي انعكس على مؤشرات التنمية.
حين رفض يوماً القاص والكاتب أحمد بوزفور "جائزة المغرب للكتاب"، كان ذلك رسالة احتجاج إلى الدولة والمؤسّسات المعنية، على تردّي المشهد الثقافي. يبدو أنّ الرسالة لم تصل.