بموازاة المشاورات التي يجريها رئيس الحكومة المغربية الملكف، عبدالإله بنكيران، بدأت أصوات سياسية تدعو إلى الفرز بين ما يسمى "الأحزاب الإدارية" و"الأحزاب الديمقراطية"، في إشارة إلى الأحزاب التي تخضع للسلطة وليس لديها استقلالية القرار الحزبي، والأحزاب التي تشكلت من رحم المجتمع، ولديها حظ من تلك الاستقلالية. ويصنف مراقبون الأحزاب المغربية إلى نوعين، أحزاب تأسست من وحي السلطات الإدارية في البلاد، من قبيل "الأحرار" الذي تأسس سنة 1977 بإيعاز من القصر، من أجل تحقيق التوازن مع أحزاب ظلت حينها تنازع السلطة المشروعية، و"الاتحاد الدستوري" الذي ترأس الحكومة مباشرة بعد تأسيسه في العام 1983، و"الأصالة والمعاصرة" الذي تأسس سنة 2008 من شخصيات نافذة في المغرب.
وفي المقابل، يسمي مراقبون أحزاباً أخرى "أحزاباً وطنية وديمقراطية"، كونها تشكلت من داخل المجتمع المغربي، وانبثقت قياداتها من رحم المعاناة السياسية، بعد صراع مع السلطة، مثل حزب الاستقلال الذي خاص معارك تحرير البلاد، قبل أن يقود النضال من أجل ديمقرطة البلاد، وحزب الاتحاد الاشتراكي الذي قاد المعارضة زمن الملك الراحل، الحسن الثاني، وحزب التقدم والاشتراكية، الذي كان يسمى سابقاً الحزب الشيوعي المغربي، وخاض معركة الاعتراف القانوني به.
وعاد الحديث في المغرب بقوة إلى فرز الأحزاب السياسية، من خلال اصطفاف "الأحزاب الديمقراطية والوطنية" مقابل "الأحزاب الإدارية"، حيث تشارك الأولى في الحكومة الجديدة، بينما تتخندق الثانية في المعارضة، وهو الفرز الذي تناصره قيادات داخل حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، وفق مصادر "العربي الجديد". وتأمل قيادات أن يتم تشكيل التحالف الحكومي، الذي يقوده "العدالة والتنمية"، من "الأحزاب الديمقراطية والتاريخية" الثلاثة، والتي سبق لها أن أسست "الكتلة الديمقراطية"، وهي "الاستقلال" و"الاتحاد الاشتراكي" و"التقدم والاشتراكية"، في مواجهة أحزاب "الأصالة والمعاصرة" و"الأحرار" و"الاتحاد الدستوري". هذا الاصطفاف عبر عنه المتحدث باسم حزب الاستقلال عادل بنحمزة، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، بالقول إن اللجنة التنفيذية للحزب اتخذت موقفاً واضحاً من الوضع السياسي العام في البلاد، مضيفاً أن "قيادة الاستقلال قررت الاصطفاف مع الصف الوطني الديمقراطي خدمة للمصالح العليا للبلاد". وأعلن بنحمزة أن هذا الاصطفاف يهدف إلى "صيانة التراكمات التي عرفتها البلاد على مستوى الإصلاح السياسي، وكذلك التفاعل مع ما عبر عنه الشعب المغربي من اختيارات واضحة في اقتراع 7 أكتوبر/تشرين الأول" الحالي، مشيراً إلى أن "الأمين العام للحزب (حميد شباط) أكد بوضوح أن الحزب سيكون في صف القوى الوطنية، سواء كانت في الحكومة أو المعارضة".
من جهته، قال قيادي في حزب العدالة والتنمية، فضل عدم الكشف عن اسمه، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن التشكيل الحكومي الأمثل، لو تحقق، سيتمثل في "العدالة والتنمية" إلى جانب أحزاب "الاستقلال" و"الاتحاد الاشتراكي" و"التقدم والاشتراكية"، معترفاً بصعوبة هذا الخيار، خاصة مع مواقف "الاتحاد الاشتراكي" من دخول الحكومة. وفي حالة اصطفاف "العدالة والتنمية" مع "أحزاب الكتلة"، تتحقق أغلبية مريحة لتمرير البرنامج الحكومي، حيث أن هذا التحالف سيمتلك 203 مقاعد برلمانية من أصل 395 مقعداً، بينما ستحصل أحزاب "الأحرار" و"الأصالة والمعاصرة" و"الاتحاد الدستوري" و"الحركة الشعبية"، إذا اتفقت، على 185 مقعداً فقط. ودعا القيادي في "العدالة والتنمية" إلى فرز الأحزاب السياسية في المغرب، والدخول في جبهة واحدة، سماها "جبهة الإصلاح" في مواجهة "جبهة الإفساد والتحكم في المشهد السياسي"، ليتفق بذلك مع تصريح سابق لزعيم "الاستقلال" رفض فيه الخضوع لأحد الأحزاب الذي "يملي على الباقي مواقفه من تشكيل الحكومة"، في تلميح إلى "الأصالة والمعاصرة". ويسابق حميد شباط الوقت من أجل إقناع الأمين العام لحزب "الاتحاد الاشتراكي" إدريس لشكر ليقبل المشاركة في الحكومة، وبالتالي لتتضح ملامح الحكومة المقبلة، لتتكون من "العدالة والتنمية" و"أحزاب الكتلة"، وهو أحد السيناريوهات الأربعة التي راجت بعد نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
ويرى مراقبون أن مكمن الصعوبة في هذا الخيار، هو مدى تقبل "الاتحاد الاشتراكي" دخول الحكومة تحت قيادة حزب لم يتردد في قصفه بالاتهامات قبل وبعد اقتراع 7 أكتوبر/تشرين الأول، فضلاً عن موقف بنكيران من حزب "الحركة الشعبية" الذي وافق مبدئياً على المشاركة في الحكومة، وبالتالي هل ستتشكل الحكومة من 5 أحزاب، أم أن هذا الأخير سيذهب تلقائياً إلى صفوف المعارضة؟ فرز الأحزاب التي ستشارك في الحكومة والتي ستتموضع في المعارضة بين "أحزاب السلطة" و"أحزاب المجتمع"، أشار إليه أيضاً الإعلامي والمحلل، توفيق بوعشرين، متحدثاً، في مقال، عن "الفرز بين الأحزاب المستقلة التي تدافع عن المشروع الديمقراطي في خطوطه العامة، مقابل الأحزاب الإدارية الفاقدة للاستقلالية، والتابعة للسلطة، والتي لا يشغل الهم الديمقراطي أي جزء من تفكيرها ولا من برنامجها". وأشار بوعشرين إلى أن هذا الفرز، المتمثل في "أحزاب المجتمع" في مواجهة "أحزاب السلطة"، لن يواجه النظام لأنه ليس هو العدو، معتبراً أن "العدو الحقيقي هو الفساد والتحكم، ومراكز مقاومة التغيير، والضغط لتطوير وتحديث نظام الحكم ومؤسساته من الداخل وليس من الخارج".