تدنى مستوى الخطاب السياسي في المملكة المغربية إلى حدّ استخدام مفردات من قبيل "تماسيح وعفاريت وأفاعٍ ومُدلسون وفاسدون وداعشيون وسفهاء"، في الاتهامات المتبادلة أخيراً بين أحزاب المعارضة وتلك المشكلة في الحكومة المغربية، والتي يقودها حزب "العدالة والتنمية" ذو المرجعية الإسلامية، ما دفع مراقبين إلى دق ناقوس الخطر بشأن تدني الخطاب السياسي في البلاد.
اقرأ أيضاً: اتهامات بـ"السفاهة" بين الحكومة والمعارضة في المغرب
وتتهم أحزاب الائتلاف الحكومي الأربعة، "العدالة والتنمية" و"التجمع الوطني للأحرار" و"الحركة الشعبية" و"التقدّم والاشتراكية"، أحزاب المعارضة الأربعة أيضاً في البرلمان، وهي "الاستقلال" (يتزعمه حميد شباط) و"الاتحاد الاشتراكي" (يتزعمه إدريس لشكر) و"الأصالة والمعاصرة" و"الاتحاد الدستوري" بأنها المتسببة في انحدار مستوى الخطاب السياسي.
في المقابل، انبرت أحزاب المعارضة في اتهام الحكومة، خصوصاً رئيسها عبد الإله بن كيران، بأنّه أول من بدأ هذا المستوى الهابط في الخطاب السياسي، من خلال أوصافه الشهيرة لمعارضيه، من قبيل التماسيح والعفاريت، واتهام ما سماها الدولة العميقة بإعاقة الإصلاح في المملكة.
وكانت العلاقة بين حزبي "العدالة والتنمية" و"الاستقلال" لائقة، عندما كان يقود الأخير عباس الفاسي، غير أن الانتخابات الداخلية لرئاسة الحزب، أسفرت عن صعود حميد شباط. وشارك الحزب في الحكومة أشهراً قليلة قبل أن ينسحب منها.
وكان شباط قد اعتلى زعامة حزب "الاستقلال" في سبتمبر/أيلول 2012، أي زهاء تسعة أشهر بعد تعيين الحكومة الحالية، غير أنه قرر الانسحاب منها بعد مرور بضعة أشهر فقط لينضم إلى المعارضة، فيما تم انتخاب لشكر على رأس حزب "الاتحاد الاشتراكي" المعارض في ديسمبر/كانون الأول 2012.
وحمل القيادي في حزب "العدالة والتنمية"، مصطفى بابا، مسؤولية الحالة المزرية للخطاب السياسي في المغرب، إلى قيادات حزبية جديدة بعينها، على اعتبار أنه قبل انتخاب هذه القيادات في مؤتمراتها الحزبية، لم يكن الخطاب السياسي بين الحكومة والمعارضة متردياً بهذا الشكل.
وينفي أن تكون الحكومة أو رئيسها عبد الإله بنكيران، سبباً في تدهور الخطاب السياسي بالبلاد، باعتبار أنّه "غالباً ما ينهج التعميم في انتقاداته التي يطلقها إزاء جهات تشوش على عمل الحكومة، فلا يتهم أحداً بعينه، بخلاف بعض قياديي المعارضة الذين يتهمونه في شخصه بأوصاف غير لائقة".
غير أنّ قيادات في المعارضة ترفض حديث البابا ودفعه بالمسؤولية عن الحكومة، وتعتبر القيادية في حزب "الاستقلال"، ياسمينة بادو، أنّ مستوى الحوار والخطاب كان راقياً في الحكومة السابقة، قبل أن تفد الحكومة الحالية.
وتضيف بادو أن الرئيس يقوم بالتشهير بالمعارضة، والاستخفاف بأدوارها السياسية التي نص عليها دستور المملكة لعام 2011، وأن الحكومة تروج لخطاب وصفته بالعقيم والبائس، من خلال إطلاق التهم جزافاً ضدّ المعارضة وتخوينها، على طريقة "إما معنا أو ضد الوطن".
بدوره، يقول الباحث في العلوم السياسية، عبد الرحيم العلام، إنّ "المغرب يعيش أزمة ليس فقط على مستوى الخطاب السياسي، ولكن أيضاً على مستوى العمل السياسي"، مشيراً إلى أن "تدني الخطاب السياسي راجع بالأساس إلى رداءة العملية السياسية برمتها".
ويشير العلام إلى أنه "في المغرب توجد أحزاب سياسية افتقدت لعنصر المبدئية الصلبة وحتى المرنة، كما أنه تم إفراغ التعددية السياسية من محتواها الإيجابي"، موضحاً أن "هناك أحزاباً من دون أيديولوجية أو مرجعية تؤطرها، وأحزاب تقيم تحالفات هجينة، سواء بالنسبة لأحزاب الغالبية أو المعارضة".
وعزا العلام تردي الخطاب السياسي في المغرب إلى كون الحياة السياسية اليوم باتت تفتقد إلى الشخصيات الفكرية والثقافية الرصينة، أمثال ابن بركة، والجابري، وعبد الله إبراهيم، وجسوس، وعبد القادر باينة، وعبد الرحيم بوعبيد، والتي بمقدورها إحداث التوازن، وإضفاء نوع من النزاهة والمصداقية على العمل السياسي، سواء من حيث مناقشة السياسات العامة، أو جودة الاقتراحات".
اقرأ أيضاً: "رضا" الملك يثير جدلاً بين المعارضة والحكومة في المغرب