ولم يزر روس الرباط إلا بعد أن رفعت السلطات المغربية "تحفظها" إزاء زيارته، بسبب تشكيكها في الأهداف التي تتوخاها الأمم المتحدة من الزيارات المكوكية لمبعوثها في الصحراء، قبل أن يطمئن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، هاتفياً العاهل المغربي محمد السادس، بخصوص ضمانات حياد المسؤولين الأمميين.
وتأتي زيارة روس للمنطقة في خضم إعداد تقرير حول الصحراء سيقدمه لمجلس الأمن في شهر أبريل/نيسان المقبل، وفي سياق تأكيد الأمم المتحدة على أن سنة 2015 ستكون سنة حسم ملف الصحراء، بينما يطمح المغرب في أن تدعم الإدارة الأميركية الطرح المغربي لحل النزاع.
وتتراوح ردّة فعل المغرب إزاء موقف الولايات المتحدة من نزاع الصحراء، بين "الارتياح"، بسبب دعم الإدارة الأميركية اقتراح المغرب في إقامة منطقة "حكم ذاتي" في الصحراء، وبين "التذمّر" من الغموض الذي يعتري الموقف الأميركي في هذه القضية.
وكثيراً ما أشادت الدبلوماسية المغربية بموقف الإدارة الأميركية في شأن النزاع في الصحراء، والذي انطلقت شرارته منذ 1975 بعد جلاء الاستعمار الاسباني من المنطقة، غير أن الموقف المغربي سرعان ما تبدل في الفترة الأخيرة بعد اتهام ملك المغرب الإدارة الأميركية بـ"الغموض" في تعاطيها مع هذا الملف الشائك.
وكان العاهل المغربي قد طالب الولايات المتحدة بالتخلي عن الغموض بشأن ملف الصحراء، متحدثاً عن "الازدواجية" في اعتبار واشنطن الرباط "نموذجاً للتطور الديمقراطي وشريكة في محاربة الإرهاب"، وفي الوقت ذاته تتبنّى الغموض في وحدته الترابية.
واستندت الحكومات المغربية المتعاقبة منذ سنوات في تعاطيها مع الموقف الأميركي من الصحراء، على تصريحات مسؤولين أميركيين يغلب عليها طابع المجاملات والتصريحات الدبلوماسية، التي تبدو كأنها تتعاطف وتدعم مقترح المغرب لحل نزاع الصحراء.
ويكشف مسؤولون وبرلمانيون أميركيون أحياناً بمؤازرتهم لجهود المغرب في حل مشكلة الصحراء، تحديداً اقتراح الحكم الذاتي للصحراء، الذي يعطي الصلاحية للسكان لتدبير شؤونهم تحت السيادة المغربية، لكن هذه التصريحات لم تُترجم إلى موقف رسمي واضح.
ويرى مراقبون أن المغاربة فهموا هذا الوضع على أنه تذبذب في الموقف الأميركي، للفوارق بين تصريحات عدد من مسؤوليهم بدعم الموقف المغربي في نزاع الصحراء، وبين موقف الإدارة الأميركية التي لم تعلن أبداً موقفاً مسانداً للمغرب.
وما عزّز هذه الفرضية، هو إغضاب الرئيس باراك أوباما للمغرب كثيراً، عبر تقديم مستشارة الأمن القومي سوزان رايس مقترحاً ينصّ على توسيع مهام بعثة الأمم المتحدة "المينورسو"، لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء، في أبريل/نيسان 2013.
ويستدل مراقبون على ما سموه "ازدواجية" الإدارة الأميركية في ملف الصحراء، كون الحوار الاستراتيجي بين الرباط وواشنطن سنة 2012، شهد تأكيد الولايات المتحدة على أهمية "الحكم الذاتي"، ولكن في الحوار الاستراتيجي مع الجزائر تم تناول مبدأ "تقرير المصير".
ويقول المستشار الدبلوماسي والخبير في ملف الصحراء، سمير بنيس، في حديث لـ"العربي الجديد"، بأن "اعتماد مجلس الأمن القرار 1754/2007 بخصوص تبنّي حل سياسي للتوصل إلى حل نهائي، ومتوافق عليه ومقبول من طرفي النزاع حول الصراع، أوهم المغرب بدعم أميركي له".
ويشرح أن "القرار أعطى انطباعاً خاطئاً لدى العديد من المراقبين والمسؤولين المغاربة، بأن الإدارة الأميركية تدعم الموقف المغربي بشأن مخطط الحكم الذاتي، باعتباره الحل الأمثل للتوصل لحل سياسي لهذا النزاع". وتابع بنيس بأنه "مع مرور الوقت، لم تعبر الإدارة الأميركية بشكل صريح عن دعمها الواضح للحل السياسي الذي طرحه المغرب، فخلال اللقاءات الثنائية التي عقدها وزراء الخارجية المغاربة مع نظرائهم الأميركيين منذ العام 2007، أو خلال اللقاء بين الملك محمد السادس والرئيس أوباما في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2013، لم تعلن الإدارة الأميركية بشكل واضح عن موقف داعم للمغرب".
وأفاد بأن "الإدارة الأميركية اكتفت بتكرار نفس العبارة حول مواصلة النظر لاقتراح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب، واعتباره بأنه جدي وواقعي وذو مصداقية لتسوية النزاع، وأن موقفها تجاه هذا النزاع لم يتغير". وأوضح الخبير بأنه "حينما يتمعن المرء في هذه العبارة، يتأكد أنها لا تحمل أي نوع من الدعم المباشر من الإدارة الأميركية للموقف المغربي، بل تؤكد تشبثها بالعملية السياسية كأداة للتوصل لحل سياسي للنزاع فقط".
ولفت إلى أنه "لو كان هناك دعم واضح من واشنطن للرباط بخصوص هذا الموضوع، لتم استعمال لغة تعبر بشكل واضح عن هذا الدعم"، مضيفاً أنه "حتى أثناء تواجد هيلاري كلينتون على رأس الخارجية الأميركية، لم تقم بتغيير هذا الموقف وظلت تردد العبارة عينها".
ولفت بنيس إلى أن "مطالبة الملك محمد السادس خلال خطابه الأخير، بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، من الإدارة الأميركية بتوضيح موقفها، خير دليل على أن المغرب يعي تماماً بأنه لم يكسب بعد تعاطفها مع موقفه من نزاع الصحراء".
وشدد على أنه "حان الوقت بأن تقوم الدبلوماسية المغربية بتوسيع دائرة تحالفاتها السياسية والاقتصادية مع الدول المؤثرة الأخرى، خصوصاً الصين وروسيا"، مبرزاً أن "العلاقات الدولية دائماً ما تكون حبلى بالمفاجآت والتقلبات السياسية المفاجئة".
وأردف بأنه "ليس هناك أي شيء سيضمن للمغرب كسب الدعم المباشر للولايات المتحدة لموقفه، أو على الأقل تأدية دور ما يسمى بالحياد الإيجابي، في ظل تواجد إدارة الحزب الديمقراطي على رأس البيت الأبيض". ويشير بنيس إلى أنه "درءاً لكل هذه التغييرات التي تعتري المواقف السياسية للدول، يتعين على المغرب كسب الدعم الصيني والروسي لموقفه، خصوصاً أن هذه الدول تعتبر مسألة الحفاظ على الوحدة الترابية للدول من أهم ركائز سياستها الخارجية".
ولفت الخبير إلى أن "الجهود التي بدأ يقوم بها المغرب في الآونة الأخيرة لتعميق الشراكة الاقتصادية مع هذين البلدين الدائمَي العضوية في مجلس الأمن، تعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح لتحصين المغرب ضد كل المفاجآت في المستقبل".