يبدأ المغرب اليوم الإثنين أولى خطوات تعويم عملته الوطنية الدرهم في محاولة للوصول إلى نظام أكثر مرونة لسعر الصرف، وتأتي الخطوة وسط مخاوف من حدوث زيادة في معدلات التضخم.
وحدد بنك المغرب المركزي نطاقا عند 8.9969-9.4524 درهم للدولار مع بدء العمل بنظام جديد أكثر مرونة لسعر الصرف اليوم.
وأظهرت بيانات لتومسون رويترز تداول الدرهم في السوق الفورية عند حوالي 9.2380-9.2430.
وقال بنك المغرب المركزي إنه باع 3.5 مليون دولار في أول عطاء يطرحه لبيع العملة الأمريكية بموجب نظام جديد أكثر مرونة لسعر الصرف بدأ العمل به اليوم.
وباع البنك المركزي الدولار بمتوسط مرجح بلغ 9.2307 درهم، في حين بلغ أقل سعر مقبول 9.2304 درهم.
كان البنك طرح 20 مليون دولار وبلغ إجمالي الطلب في العطاء 3.5 مليون دولار بعروض بين 9.2304 و9.2310.
وقال محللون ومصرفيون إن تطبيق المغرب لنظام أكثر مرونة لسعر صرف العملة اعتبارا من اليوم قد يؤدي إلى خفض طفيف في قيمة الدرهم المغربي في الأجل القصير، لكن العملة قد تصبح أكثر عرضة للتأثر بارتفاع أسعار السلع الأولية خاصة النفط والأغذية.
وحسب مسؤولين حكوميين فإن تلك الخطوة تهدف إلى توفير حماية أكبر للاقتصاد من الصدمات الخارجية، ويقول مسؤولون من بنك المغرب المركزي إن ذلك سيحافظ على التنافسية وإن هناك احتياطيات كافية من النقد الأجنبي تسمح بالانتقال السلس للنظام الجديد، إذ تغطى الاحتياطيات تكلفة واردات البلاد لخمسة أشهر و24 يوماً.
ومن المتوقع أيضاً أن يساهم هذا التحرك في دعم صادرات المغرب وتعزيز إيرادات السياحة وتحويلات المغاربة المقيمين في الخارج، وهي مصادر للعملة الصعبة يعتمد عليها البلد الذي يعاني من شح السيولة.
وقال رئيس الوزراء المغربي سعد الدين العثماني، عقب اجتماع لمجلس الوزراء الجمعة، إن المغرب سيبدأ عملية تدريجية لتحرير سعر صرف العملة المحلية الاثنين.
وقال بيان صادر عن الحكومة المغربية إن البدء في الإجراء النقدي الجديد يتضمن توسيع نطاق تداول الدرهم المغربي مقابل العملات الرئيسية الأجنبية المتداولة في الأسواق ليصل إلى 5%، أي بواقع 2.5% للدرهم و2.5 % للعملة الأجنبية المتداولة مقابله.
وأضاف بيان الحكومة أن التحرك على صعيد التحرير التدريجي لسعر الصرف سيساعد الاقتصاد المغربي على تفادي الصدمات القادمة من الخارج بسبب تقلبات سعر الصرف للعملات الرئيسية.
وتطبق المغرب نظام سعر الصرف الثابت للدرهم منذ أوائل السبعينات من القرن الماضي مع ربط عملته بالدولار واليورو.
ورغم ميل ربط الدرهم المغربي إلى اليورو أكثر من الدولار وارتباطه ارتباطا وثيقا باليورو، خفضت السلطات النقدية في المغرب ربط العملة المحلية باليورو إلى 60% مقابل 80%، وهي النسبة التي كانت مفعلة قبل الإعلان عن التحرك الأخير على صعيد سعر الصرف، ورفع وزن الدولار إلى 40 في المئة من 20 في المئة.
وكان هذا هو أول تغيير في السلة التي ترتبط بها العملة المغربية خلال عشر سنوات، وأعقب زيادة في التجارة مع الولايات المتحدة والصين وبقية أفريقيا وانخفاضا في التجارة مع منطقة اليورو.
ويعمل المغرب منذ سنوات مع بعثة فنية من صندوق النقد الدولي لتحرير عملته، حيث يقول الجانبان إن هذه الخطوة ستتم تدريجيا وإن التعويم الكامل سيستغرق سنوات بناء على ردود فعل السوق.
واعتبارا من اليوم الاثنين، سيتسع نطاق التقلب الذي يتحرك فيه الدرهم أمام عملات أجنبية من 0.3% في كلا الاتجاهين صعودا وهبوطا من مستوى إغلاق اليوم السابق، إلى 2.5% في كلا الاتجاهين، ليصل النطاق الإجمالي إلى 5%.
وسيتدخل البنك المركزي أيضا من خلال عطاءات دورية للدولار وعملات أخرى حين يرى ضرورة لذلك، بحسب تعميم نشر في مطلع الأسبوع، كما سيُسمح للبنوك بتداول العملات الصعبة في سوق ما بين البنوك (الانتربنك) وستُمنح أدوات تحوط جديدة لإدارة مخاطر أسعار الصرف وأسعار الفائدة.
وقال مصرفي كبير "قد نشهد هبوطا للدرهم مقابل اليورو وسينتج عن ذلك خفض متوسط في قيمته".
وقال مصرفي آخر "نحن مستعدون لتصحيح بسيط، لكن على المستوى العالمي فإن السوق والبنوك مستعدة جيدا، وفي نهاية المطاف ستمضي كل الأمور بسلاسة".
ولم يتسن الحصول على تعليق من مسؤولي بنك المغرب المركزي، لكنهم قالوا مرارا، بجانب صندوق النقد الدولي، إن الدرهم عند مستوى متوازن ولن يهوي إذا أصبح النظام أكثر مرونة.
مخاطر التضخم
على خلاف بعض الدول الأخرى في المنطقة، تمكن المغرب من تفادي هبوط كبير في الاستثمارات الأجنبية منذ الأزمة المالية العالمية وثورات الربيع العربي في 2011، لأسباب من بينها الترويج لنفسه على أنه قاعدة تصدير إلى أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا.
وتنمو صادرات المغرب منذ اجتذبت البلاد عددا من كبار المستثمرين في صناعات السيارات والطيران، وهو ما ساعد في سد معدلات العجز الكبيرة التي سجلتها بعد 2011.
وسيدعم ارتفاع اليورو أيضا قطاع السياحة في البلاد وكذلك تحويلات 4.5 مليون مغربي يعيشون في الخارج، معظمهم في منطقة اليورو.
ورغم ذلك، فاإن ارتفاع أسعار السلع الأولية قد يدفع التضخم للصعود في البلد الذي يعد من أكبر مستوردي الطاقة في المنطقة. وسيضع ذلك الحكومة في موقف حساس، إذ تواجه بالفعل احتجاجات قوية على المصاعب الاقتصادية في المناطق النائية، لذا سيعمل بنك المغرب المركزي على مواجهة التضخم بالتزامن مع عملية تحرير سعر الصرف.
وقال صندوق النقد الدولي إن من المتوقع أن يستقر التضخم عند نحو 2% في الأجل المتوسط.
وقال المهدي لحلو، وهو خبير اقتصادي من الرباط "سيعتمد ذلك على قدرة البنك المركزي في الالتزام بتعهداته ودعم الدرهم باستخدام الاحتياطيات الأجنبية... وإلا سيرتفع التضخم في الأجل المتوسط وسيهبط الدرهم".
وكانت توقعات قد ظهرت في وقت سابق بأن تبدأ عملية تحريك سعر الصرف في إطار عملية نقدية تسمى "سعر الصرف المرن" في يوليو/ تموز الماضي بناء على توصية صندوق النقد الدولي، لكن الحكومة أجلت العمل بالتوصية لرغبتها في الحصول على مزيد من الوقت لدراسة هذا التحرك.
وقال البنك الدولي في إبريل/نيسان الماضي إن "التحرك التدريجي إلى سعر صرف أكثر مرونة سيدعم التنافسية لدى السوق المغربية."
وأضاف تقرير البنك الدولي بشأن الاقتصاد المغربي أن النظرة المستقبلية للاقتصاد يتوقع أن تتحسن شريطة أن "تلتزم الحكومة بالسعي وراء تطبيق سياسات اقتصادية محددة وأن تتخذ إجراءات لإصلاح بنية الاقتصاد".
وقالت تقارير إعلامية مع بداية العام الجاري إن تحرير سعر صرف الدرهم المغربي بالكامل سيستغرق حوالي 15 سنة.
(رويترز، العربي الجديد)