أقدمت العديد من دول الخليج العربي الغنية بالنفط، خلال العامين الأخيرين، على تطبيق وصايا لصندوق النقد الدولي، تركزت في فرض ضرائب هي الأولى من نوعها، وتكثيف الاقتراض الداخلي والخارجي، ورفع أسعار السلع والخدمات، من أجل كبح العجز في الموازنات العامة، في ظل استمرار أسعار النفط عند مستويات متدنية، مقارنة بما كانت عليه في عام 2014.
ورغم تمتع دول الخليج باستقرار اجتماعي، على مدار عقود، من منطلق الرفاهية التي أفرزتها وفورات النفط، إلا أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومات مؤخراً باتت تنذر باحتجاجات، لاسيما في السعودية أكبر دول الخليج الست من حيث عدد السكان، وكذلك أكبر دولة في العالم مصدّرة للنفط، ما دعا محللين اقتصاديين إلى وصف وصايا صندوق النقد الدولي بالخاطئة.
ومطلع يناير/كانون الثاني الجاري، طبقت كل من السعودية والإمارات ضريبة القيمة المضافة على أغلب السلع والخدمات بنسبة 5%، لتأتي بجانب ضريبة السلع الانتقائية المطبقة منذ عدة أشهر على المشروبات الغازية ومنتجات التبغ.
ونهاية ديسمبر/كانون الأول 2017، أعلنت البحرين تطبيق الضريبة الانتقائية مطلع 2018، لتعد بذلك ثالث دولة خليجية تعمل بها، بعد السعودية التي بدأت تطبيقها في يونيو/حزيران، والإمارات في سبتمبر/أيلول 2017.
كذلك أعلنت السعودية، في الأول من يناير/كانون الثاني الجاري، تطبيق زيادة جديدة في أسعار الوقود، بنسب تراوحت بين 83% و127%، وزادت كذلك فواتير الكهرباء. ولحقت البحرين بالرياض في زيادة أسعار الوقود بنسبة تصل إلى 25%. كما أقرت الإمارات التي تحرر أسعار الوقود بالأساس زيادة جديدة لهذا الشهر بلغت 6%.
هرولة نحو الضرائب والاقتراض
وفي مقابل هرولة السعودية والإمارات والبحرين نحو التخلص من دعم الوقود والاقتراض وفرض الضرائب على الاستهلاك، بدت خطوات الدول الخليجية الأخرى أكثر تحوّطاً، فأرجأت سلطنة عُمان والكويت تطبيق ضريبة القيمة المضافة إلى العام المقبل 2019، بينما لم تعلن قطر عن موقفها من تطبيق الضريبة التي سبق أن وافق مجلس الوزراء على مشروع قانونها، في مايو/أيار الماضي.
والقيمة المضافة، ضريبة غير مباشرة يدفعها المستهلك، وتُفرض على الفارق بين سعر الشراء من المصنع وسعر البيع للمستهلك.
وبحسب اتفاق بين دول مجلس التعاون الخليجي في 2016، تقرر فرض ضريبة على السلع الانتقائية خلال 2017، وأخرى تتعلق بالقيمة المضافة مطلع 2018.
ويرى أحمد الراوي، مدير الشؤون الاقتصادية في مركز الأبحاث الدولي بالرياض، أن توصيات صندوق النقد لدول الخليج، خاصة السعودية، كانت عواقبها وخيمة، خاصة فيما يتعلق بالاستعانة بالقروض لسد عجز الموازنة.
ويوضح الراوي، في تصريح خاص لـ "العربي الجديد"، أن وصايا الصندوق التي يضعها، سواء للسعودية أو أي دولة خليجية، جاءت غير مدروسة بشكل كبير من الناحية المجتمعية لدول المنطقة.
ولجأت دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى رأسها السعودية والإمارات، إلى السندات والصكوك، كأداتي دين، لتغطية العجز في مصروفاتهما الجارية، خلال العامين الماضيين، مع هبوط أسعار النفط الخام، وسط توقعات باستمرار وتيرة الاقتراض، خلال السنوات المقبلة، رغم ما تتحدث عنه حكومات هذه الدول من احتياطيات مالية واستثمارات ضخمة في الخارج، لاسيما في الديون الأميركية.
وقدّر صندوق النقد الدولي، في التقرير الصادر نهاية العام الماضي، والذي حمل عنوان "آفاق الاقتصاد الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى"، العجز في ميزانيات دول الخليج بنحو 160 مليار دولار، خلال السنوات الخمس المقبلة.
ديون غير مسبوقة للسعودية
وتوقّع تقرير صادر عن مؤسسة موديز للتصنيف الائتماني، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن يصل حجم الاستدانة السعودية، العام الجاري، إلى 75.8 مليار دولار.
كما تأتي الإمارات في المركز الثاني خليجياً من حيث الاقتراض، بواقع 31.1 مليار دولار متوقعة خلال 2018، ثم سلطنة عُمان بما قيمته 15.2 مليار دولار، والبحرين بنحو 13.8 مليار دولار، وقطر بـ7.6 مليارات دولار، والكويت بقيمة 4.2 مليارات دولار.
وبذلك يصل إجمالي الاستدانة المتوقعة، العام المقبل، لدول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة، إلى 147.7 مليار دولار.
وقفز الدين العام للمملكة بنسبة 38%، خلال العام الماضي، إلى 438 مليار ريال (116.8 مليار دولار)، مقابل 316.5 مليار ريال (84.4 مليار دولار) بنهاية عام 2016. ويشكل الدين السعودي 17% من الناتج المحلي في 2017، فيما كان 13.1% في 2016.
ولم يكن الدين العام يتجاوز نحو 11.8 مليار دولار، في نهاية 2014، وفق وزارة المالية. وكان عبارة عن ديون محلية تعادل 1.6% من إجمالي الناتج المحلي للمملكة.
وأعلنت السعودية، الأسبوع الماضي، عن موازنتها الجديدة لعام 2018، وهي الأكبر في تاريخها، ليس فقط في قيمتها بإنفاق مستهدف يبلغ نحو 261 مليار دولار، ولكن الأكبر أيضاً في إنفاقها العسكري والأمني، الذي يلتهم ما يقرب من ثلث الموازنة، بعد استحواذه على 83 مليار دولار.
ويقدّر العجز المتوقع بنحو 52 مليار دولار، رغم ارتفاع أسعار النفط وفرض ضرائب جديدة وتحصيل رسوم من الوافدين وأسرهم ورفع أسعار الوقود.
توريط الخليج
ويقول محمد العجمي، الخبير في الشؤون الاقتصادية الخليجية، إن سياسات صندوق النقد أفقدت دول الخليج توازنها المالي وأدخلتها إلى نادي الدول المتسابقة على الاقتراض، شأن الدول الفقيرة التي تعاني شح الموارد.
ويشير العجمي لـ "العربي الجديد" إلى تجربة رئيس الوزراء السابق، مهاتير محمد، في ماليزيا، التي خلصت إلى أن الاقتراض أحد أهم معوقات التنمية، وأن المشاركة والاستفادة من الموارد المالية المحلية هي السبيل إلى النجاح.
ويوضح أن الوضع في الخليج له خصوصية تختلف عن المنطلقات الرأسمالية التي تعتمد عليها رؤية صندوق النقد، لافتا إلى أن دول الخليج تحتاج إلى وقفة، لاسيما في ظل عدم استقرار أسعار النفط منذ أكثر من ثلاث سنوات، وهشاشة تكوين ناتجها المحلي، فضلا عن المتغيرات التي تمر بها المنطقة.
ويؤكد أن "الاعتماد على التمويل بالدين هو نوع من التوريط، ويبدأ بالتوسع في الدين المحلي، ثم الدين الخارجي، بضمان الثروة النفطية"، مشيرا إلى ضرورة أن تصل دول الخليج إلى مرحلة من النضج في البناء الاقتصادي، الذي يحصّنها من تقلبات السوق الدولية، ويعظم الاستفادة من ثرواتها الطبيعية، التي ما زالت تمثل العصب الاقتصادي لديها".
ويتابع "لابد من أن تعيد دول الخليج النظر في موازناتها، وعدم الالتفات إلى وصايا صندوق النقد، وترتيب أولوياتها، من حيث الإيرادات والنفقات، وأن تعيد توجيه استثماراتها الخارجية بعيداً عن المضاربة في أسواق المال والعقارات، وتتجه إلى أنشطة إنتاجية، خاصة في المنطقة العربية والشرق الأوسط".
وأظهرت بيانات صادرة عن وزارة الخزانة الأميركية، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن استثمارات دول الخليج في أذون وسندات الخزانة الأميركية، ارتفعت بنسبة 5.1%، على أساس شهري، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى 257.1 مليار دولار، مقابل 244.6 مليار دولار، في سبتمبر/أيلول.
وكشفت البيانات عن أن السعودية كانت أكبر الدول الخليجية المستثمرة في الأذون والسندات، بقيمة 145.2 مليار دولار، في أكتوبر/تشرين الأول، مقابل 136.7 مليار دولار، في سبتمبر/أيلول.
وحلّت الإمارات في المرتبة الثانية، بإجمالي استثمارات بلغت 57.7 مليار دولار، مقارنة بـ 54.3 مليار دولار، في الشهر السابق له.
وبجانب الاستدانة، كانت السعودية والإمارات، الأكثر فرضا للضرائب في دول الخليج، خاصة على الاستهلاك، ما أثار موجة انتقادات واسعة، وإرباك للأسواق.
وبحسب تقرير صادر عن وكالة فيتش للتصنيف الائتماني في ديسمبر/كانون الأول الماضي، فإن خطة تطبيق ضريبة القيمة المضافة في دول مجلس التعاون الخليجي، قد تفرض مخاطر تشغيلية على الشركات وضغوطا على الأرباح قبل الفائدة والضرائب والإهلاك، وكذلك على التدفقات النقدية في بعض القطاعات.
هشاشة الاقتصادات
ويقول إبراهيم المشعل، الخبير في الشؤون الاقتصادية بالمركز الدولي للاستشارات الاقتصادية في الكويت، إن أزمة انهيار أسعار النفط، اظهرت هشاشة نموذج التنمية في دول الخليج، نظرا لعدم تبنيها سيناريوهات مواجهة التقلبات في السوق العالمية لواحدة من أشد السلع تقلباً، وهي النفط، التي يعتمد عليها اقتصاد الخليج بشكل رئيسي.
ويضيف المشعل، في حديث لـ "العربي الجديد"، إلى أن أغلب دول الخليج قامت بالسحب من احتياطات النقد الأجنبي لديها، وتبنت ما يُعرف بالإصلاحات المالية والنقدية، من تخفيض الدعم، والتوجه إلى خفض الإنفاق الحكومي لبعض المشروعات، بناء على توصيات تقارير صندوق النقد الدولي، التي لم تحدث أي تعديل أو فارق إيجابي في موازنات دول الخليج، حتى الآن.
وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، فإن الاحتياطات النقدية لدى السعودية تكفي بالكاد لضمان تحقيق التوازن الاقتصادي لفترة لا تتجاوز 5 سنوات، إذا ما ظل سعر النفط عند 50 دولاراً للبرميل.
وكشفت بيانات صادرة عن صندوق النقد، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عن تراجع نمو اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي للعام 2017، باستثناء قطر، التي تحافظ وحدها على الصعود، رغم تخفيض الصندوق توقعات نموها عن مؤشرات سابقة.
وأشار الصندوق، في تقريره حول آفاق الاقتصاد العالمي، إلى أن نمو الاقتصاد القطري جاء الأعلى خليجيا للعام 2017، بعد أن رجح بلوغه 2.5%، مقابل 2.2% في 2016، متوقعا ارتفاعه إلى 3.1% خلال 2018. وجاءت السعودية في المرتبة الثانية خليجيا بنسبة نمو متوقعة بلغت 1.7 % فقط، تلتها الإمارات بنمو 1.3%.
ويقول عبد العزيز الكندري، أستاذ الاقتصاد في جامعة الكويت، إن الأعوام العشرة السابقة على بدء تراجع أسعار النفط كانت بمثابة "عصر ذهبي" لدول الخليج، لكن غالبية هذه الدول لم تستغل وضعها المالي المتين والقوي في الاستثمار بشكل كاف في صناعات بديلة عن النفط، حتى تكون قادرة على امتصاص أي صدمات.
ويضيف أن هناك من يرى أن توصيات صندوق النقد غير ملزمة لدول الخليج، لكن الواقع يشير إلى أن هذه التوصيات باتت مفروضة بالفعل.
اقــرأ أيضاً
ورغم تمتع دول الخليج باستقرار اجتماعي، على مدار عقود، من منطلق الرفاهية التي أفرزتها وفورات النفط، إلا أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومات مؤخراً باتت تنذر باحتجاجات، لاسيما في السعودية أكبر دول الخليج الست من حيث عدد السكان، وكذلك أكبر دولة في العالم مصدّرة للنفط، ما دعا محللين اقتصاديين إلى وصف وصايا صندوق النقد الدولي بالخاطئة.
ومطلع يناير/كانون الثاني الجاري، طبقت كل من السعودية والإمارات ضريبة القيمة المضافة على أغلب السلع والخدمات بنسبة 5%، لتأتي بجانب ضريبة السلع الانتقائية المطبقة منذ عدة أشهر على المشروبات الغازية ومنتجات التبغ.
ونهاية ديسمبر/كانون الأول 2017، أعلنت البحرين تطبيق الضريبة الانتقائية مطلع 2018، لتعد بذلك ثالث دولة خليجية تعمل بها، بعد السعودية التي بدأت تطبيقها في يونيو/حزيران، والإمارات في سبتمبر/أيلول 2017.
كذلك أعلنت السعودية، في الأول من يناير/كانون الثاني الجاري، تطبيق زيادة جديدة في أسعار الوقود، بنسب تراوحت بين 83% و127%، وزادت كذلك فواتير الكهرباء. ولحقت البحرين بالرياض في زيادة أسعار الوقود بنسبة تصل إلى 25%. كما أقرت الإمارات التي تحرر أسعار الوقود بالأساس زيادة جديدة لهذا الشهر بلغت 6%.
هرولة نحو الضرائب والاقتراض
وفي مقابل هرولة السعودية والإمارات والبحرين نحو التخلص من دعم الوقود والاقتراض وفرض الضرائب على الاستهلاك، بدت خطوات الدول الخليجية الأخرى أكثر تحوّطاً، فأرجأت سلطنة عُمان والكويت تطبيق ضريبة القيمة المضافة إلى العام المقبل 2019، بينما لم تعلن قطر عن موقفها من تطبيق الضريبة التي سبق أن وافق مجلس الوزراء على مشروع قانونها، في مايو/أيار الماضي.
والقيمة المضافة، ضريبة غير مباشرة يدفعها المستهلك، وتُفرض على الفارق بين سعر الشراء من المصنع وسعر البيع للمستهلك.
وبحسب اتفاق بين دول مجلس التعاون الخليجي في 2016، تقرر فرض ضريبة على السلع الانتقائية خلال 2017، وأخرى تتعلق بالقيمة المضافة مطلع 2018.
ويرى أحمد الراوي، مدير الشؤون الاقتصادية في مركز الأبحاث الدولي بالرياض، أن توصيات صندوق النقد لدول الخليج، خاصة السعودية، كانت عواقبها وخيمة، خاصة فيما يتعلق بالاستعانة بالقروض لسد عجز الموازنة.
ويوضح الراوي، في تصريح خاص لـ "العربي الجديد"، أن وصايا الصندوق التي يضعها، سواء للسعودية أو أي دولة خليجية، جاءت غير مدروسة بشكل كبير من الناحية المجتمعية لدول المنطقة.
ولجأت دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى رأسها السعودية والإمارات، إلى السندات والصكوك، كأداتي دين، لتغطية العجز في مصروفاتهما الجارية، خلال العامين الماضيين، مع هبوط أسعار النفط الخام، وسط توقعات باستمرار وتيرة الاقتراض، خلال السنوات المقبلة، رغم ما تتحدث عنه حكومات هذه الدول من احتياطيات مالية واستثمارات ضخمة في الخارج، لاسيما في الديون الأميركية.
وقدّر صندوق النقد الدولي، في التقرير الصادر نهاية العام الماضي، والذي حمل عنوان "آفاق الاقتصاد الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى"، العجز في ميزانيات دول الخليج بنحو 160 مليار دولار، خلال السنوات الخمس المقبلة.
ديون غير مسبوقة للسعودية
وتوقّع تقرير صادر عن مؤسسة موديز للتصنيف الائتماني، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن يصل حجم الاستدانة السعودية، العام الجاري، إلى 75.8 مليار دولار.
كما تأتي الإمارات في المركز الثاني خليجياً من حيث الاقتراض، بواقع 31.1 مليار دولار متوقعة خلال 2018، ثم سلطنة عُمان بما قيمته 15.2 مليار دولار، والبحرين بنحو 13.8 مليار دولار، وقطر بـ7.6 مليارات دولار، والكويت بقيمة 4.2 مليارات دولار.
وبذلك يصل إجمالي الاستدانة المتوقعة، العام المقبل، لدول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة، إلى 147.7 مليار دولار.
وقفز الدين العام للمملكة بنسبة 38%، خلال العام الماضي، إلى 438 مليار ريال (116.8 مليار دولار)، مقابل 316.5 مليار ريال (84.4 مليار دولار) بنهاية عام 2016. ويشكل الدين السعودي 17% من الناتج المحلي في 2017، فيما كان 13.1% في 2016.
ولم يكن الدين العام يتجاوز نحو 11.8 مليار دولار، في نهاية 2014، وفق وزارة المالية. وكان عبارة عن ديون محلية تعادل 1.6% من إجمالي الناتج المحلي للمملكة.
وأعلنت السعودية، الأسبوع الماضي، عن موازنتها الجديدة لعام 2018، وهي الأكبر في تاريخها، ليس فقط في قيمتها بإنفاق مستهدف يبلغ نحو 261 مليار دولار، ولكن الأكبر أيضاً في إنفاقها العسكري والأمني، الذي يلتهم ما يقرب من ثلث الموازنة، بعد استحواذه على 83 مليار دولار.
ويقدّر العجز المتوقع بنحو 52 مليار دولار، رغم ارتفاع أسعار النفط وفرض ضرائب جديدة وتحصيل رسوم من الوافدين وأسرهم ورفع أسعار الوقود.
توريط الخليج
ويقول محمد العجمي، الخبير في الشؤون الاقتصادية الخليجية، إن سياسات صندوق النقد أفقدت دول الخليج توازنها المالي وأدخلتها إلى نادي الدول المتسابقة على الاقتراض، شأن الدول الفقيرة التي تعاني شح الموارد.
ويشير العجمي لـ "العربي الجديد" إلى تجربة رئيس الوزراء السابق، مهاتير محمد، في ماليزيا، التي خلصت إلى أن الاقتراض أحد أهم معوقات التنمية، وأن المشاركة والاستفادة من الموارد المالية المحلية هي السبيل إلى النجاح.
ويوضح أن الوضع في الخليج له خصوصية تختلف عن المنطلقات الرأسمالية التي تعتمد عليها رؤية صندوق النقد، لافتا إلى أن دول الخليج تحتاج إلى وقفة، لاسيما في ظل عدم استقرار أسعار النفط منذ أكثر من ثلاث سنوات، وهشاشة تكوين ناتجها المحلي، فضلا عن المتغيرات التي تمر بها المنطقة.
ويؤكد أن "الاعتماد على التمويل بالدين هو نوع من التوريط، ويبدأ بالتوسع في الدين المحلي، ثم الدين الخارجي، بضمان الثروة النفطية"، مشيرا إلى ضرورة أن تصل دول الخليج إلى مرحلة من النضج في البناء الاقتصادي، الذي يحصّنها من تقلبات السوق الدولية، ويعظم الاستفادة من ثرواتها الطبيعية، التي ما زالت تمثل العصب الاقتصادي لديها".
ويتابع "لابد من أن تعيد دول الخليج النظر في موازناتها، وعدم الالتفات إلى وصايا صندوق النقد، وترتيب أولوياتها، من حيث الإيرادات والنفقات، وأن تعيد توجيه استثماراتها الخارجية بعيداً عن المضاربة في أسواق المال والعقارات، وتتجه إلى أنشطة إنتاجية، خاصة في المنطقة العربية والشرق الأوسط".
وأظهرت بيانات صادرة عن وزارة الخزانة الأميركية، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن استثمارات دول الخليج في أذون وسندات الخزانة الأميركية، ارتفعت بنسبة 5.1%، على أساس شهري، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى 257.1 مليار دولار، مقابل 244.6 مليار دولار، في سبتمبر/أيلول.
وكشفت البيانات عن أن السعودية كانت أكبر الدول الخليجية المستثمرة في الأذون والسندات، بقيمة 145.2 مليار دولار، في أكتوبر/تشرين الأول، مقابل 136.7 مليار دولار، في سبتمبر/أيلول.
وحلّت الإمارات في المرتبة الثانية، بإجمالي استثمارات بلغت 57.7 مليار دولار، مقارنة بـ 54.3 مليار دولار، في الشهر السابق له.
وبجانب الاستدانة، كانت السعودية والإمارات، الأكثر فرضا للضرائب في دول الخليج، خاصة على الاستهلاك، ما أثار موجة انتقادات واسعة، وإرباك للأسواق.
وبحسب تقرير صادر عن وكالة فيتش للتصنيف الائتماني في ديسمبر/كانون الأول الماضي، فإن خطة تطبيق ضريبة القيمة المضافة في دول مجلس التعاون الخليجي، قد تفرض مخاطر تشغيلية على الشركات وضغوطا على الأرباح قبل الفائدة والضرائب والإهلاك، وكذلك على التدفقات النقدية في بعض القطاعات.
هشاشة الاقتصادات
ويقول إبراهيم المشعل، الخبير في الشؤون الاقتصادية بالمركز الدولي للاستشارات الاقتصادية في الكويت، إن أزمة انهيار أسعار النفط، اظهرت هشاشة نموذج التنمية في دول الخليج، نظرا لعدم تبنيها سيناريوهات مواجهة التقلبات في السوق العالمية لواحدة من أشد السلع تقلباً، وهي النفط، التي يعتمد عليها اقتصاد الخليج بشكل رئيسي.
ويضيف المشعل، في حديث لـ "العربي الجديد"، إلى أن أغلب دول الخليج قامت بالسحب من احتياطات النقد الأجنبي لديها، وتبنت ما يُعرف بالإصلاحات المالية والنقدية، من تخفيض الدعم، والتوجه إلى خفض الإنفاق الحكومي لبعض المشروعات، بناء على توصيات تقارير صندوق النقد الدولي، التي لم تحدث أي تعديل أو فارق إيجابي في موازنات دول الخليج، حتى الآن.
وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، فإن الاحتياطات النقدية لدى السعودية تكفي بالكاد لضمان تحقيق التوازن الاقتصادي لفترة لا تتجاوز 5 سنوات، إذا ما ظل سعر النفط عند 50 دولاراً للبرميل.
وكشفت بيانات صادرة عن صندوق النقد، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عن تراجع نمو اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي للعام 2017، باستثناء قطر، التي تحافظ وحدها على الصعود، رغم تخفيض الصندوق توقعات نموها عن مؤشرات سابقة.
وأشار الصندوق، في تقريره حول آفاق الاقتصاد العالمي، إلى أن نمو الاقتصاد القطري جاء الأعلى خليجيا للعام 2017، بعد أن رجح بلوغه 2.5%، مقابل 2.2% في 2016، متوقعا ارتفاعه إلى 3.1% خلال 2018. وجاءت السعودية في المرتبة الثانية خليجيا بنسبة نمو متوقعة بلغت 1.7 % فقط، تلتها الإمارات بنمو 1.3%.
ويقول عبد العزيز الكندري، أستاذ الاقتصاد في جامعة الكويت، إن الأعوام العشرة السابقة على بدء تراجع أسعار النفط كانت بمثابة "عصر ذهبي" لدول الخليج، لكن غالبية هذه الدول لم تستغل وضعها المالي المتين والقوي في الاستثمار بشكل كاف في صناعات بديلة عن النفط، حتى تكون قادرة على امتصاص أي صدمات.
ويضيف أن هناك من يرى أن توصيات صندوق النقد غير ملزمة لدول الخليج، لكن الواقع يشير إلى أن هذه التوصيات باتت مفروضة بالفعل.