ثمة مؤشرات على أن هناك ما يعكر صفو العلاقات بين الهند والولايات المتحدة في الوقت الحالي، فبعد الحديث لسنوات عن علاقات متينة وشراكة متجددة واستثمارات ضخمة، وتأكيد أميركي على دور الهند بوصفها شريكاً دفاعياً، وأهمية الدولة الآسيوية في دعم الاستقرار العالمي، يطرح محللون غربيون حالياً سؤالاً: هل انتهى شهر العسل بين واشنطن ونيودلهي، وبعده تتجه أميركا لفرض عقوبات على الهند بسبب خرق شركاتها العقوبات الغربية على روسيا، والتقارب الملحوظ مع موسكو الذي ظهر في احتفاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي خلال زيارته موسكو في يوليو/تموز الماضي، ودعوة الأخير بوتين لزيارة الهند في عام 2025، متجاهلاً مذكرة "المحكمة الجنائية الدولية" باعتقال الزعيم الروسي؟
يبدو أن هنالك برودة في العلاقات بين البلدين بعد تسوية الخلافات الحدودية بين الهند والصين، التي رتب لها بوتين قبل قمة بريكس الأخيرة، والتلميح للهند بقيادة كتلة الدول النامية، في أعقاب تسوية الخلافات ودفء العلاقات بين رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ونظيره الصيني شي جين بينغ في قمة بريكس بمدينة كازان الروسية. وتعمل واشنطن منذ أكثر من عقدين على بناء علاقات قوية مع الهند، حيث تنظر إلى نيودلهي باعتبارها شريكاً طبيعياً بسبب المخاوف المشتركة حيال صعود الصين.
ويرى محللون أن إمكانية فرض الولايات المتحدة عقوبات على الهند قضية معقدة تتأثر بعوامل جيوسياسية مختلفة على رأسها العلاقات التجارية، إذ تعد الولايات المتحدة الآن أكبر شريك تجاري للهند، وتبلغ قيمة التجارة بين البلدين 130 مليار دولار، كما أن هناك مخاوف لدى واشنطن من خسارة ثاني أكبر حليف في آسيا بعد اليابان، وبالتالي ترك الفضاء الجغرافي الآسيوي للنفوذ الصيني.
وفي حين لم يجر فرض عقوبات مباشرة على الحكومة الهندية نفسها حتى الآن، فإن الدعم المستمر للكيانات الروسية من قبل الشركات الهندية يمكن أن يؤدي إلى مزيد من التدقيق والعقوبات المحتملة ضد شركات أو قطاعات إضافية داخل الهند في المستقبل.
ويرى محللون أنه على الرغم من عدم وجود عقوبات واسعة النطاق حالياً ضد الهند، فإن الإجراءات المحددة ضد الشركات الفردية تشير إلى نهج حذر من جانب الولايات المتحدة، والذي يمكن أن يتطور إلى عقوبات واسعة إذا توثقت ارتباطات الهند المستقبلية مع روسيا والصين.
وكشفت الولايات المتحدة عن حملة عقوبات جديدة تستهدف روسيا وأطراف ثالثة يعتقد أنها تساعدها في الالتفاف على شبكة العقوبات الغربية الآخذة في الاتساع، وشملت قائمة العقوبات أربع شركات هندية. وتحاول الولايات المتحدة تعطيل إمدادات الأجزاء والمكونات التكنولوجية والصناعية التي تساعد آلة الحرب الروسية وقطاع الدفاع عبر هذه العقوبات.
ووفق موقع "زيرو هيدج" الأميركي، في تقرير مساء الأربعاء، يدرج الإجراء الجديد لوزارة الخزانة الأميركية ووزارة الخارجية ما يقرب من 400 كيان وشخص جديد ينتمون إلى أكثر من اثنتي عشرة دولة، ضمن العقوبات. وقالت وزارة الخارجية إن هذه الخطوة توصف بأنها "الحملة الأكثر تنسيقاً حتى الآن ضد تهرب الدول من عقوبات الحظر ضد روسيا".
وأضافت الوزارة الأميركية، أن "هذه العقوبات تبعث رسالة جدية إلى كل من الحكومات والقطاع الخاص في هذه الدول مفادها أن الحكومة الأميركية ملتزمة بمكافحة التهرب من عقوباتها ضد روسيا ومواصلة الضغط على روسيا لإنهاء حربها في أوكرانيا". وبالإضافة إلى الكيانات في روسيا، تصل العقوبات الجديدة إلى تركيا والصين والإمارات وتايلاند وماليزيا والهند.
ووفق تقرير رويترز، أمس الخميس، قال مسؤول أميركي لم يذكر اسمه: "بالنسبة للهند، كنا مباشرين وصريحين للغاية معهم بشأن المخاوف التي لدينا بشأن ما نعتبره نوعاً من الاتجاهات الناشئة في ذلك البلد والتي نريد إيقافها قبل أن تبتعد كثيراً على الطريق". وقد صاغ أحد كبار مسؤولي إدارة جو بايدن هذا الأمر على أنه تحذير جدي وإشارة إلى الهند بضرورة اتخاذ إجراءات صارمة ضد الشركات التي تتعامل مع روسيا. وجرى استهداف شركة فوتريفو، ومقرها الهند، بالعقوبات، نظراً لأنها تزود شركة أورلان المصنعة للطائرات بدون طيار والتي يوجد مقرها بروسيا.
ومن بين الشركات الهندية الأخرى المدرجة في قائمة العقوبات الأميركية شركة Ascend Aviation India Private Limited، التي تقول وزارة الخارجية إنها "أرسلت أكثر من 700 شحنة إلى شركات مقرها في روسيا" في الفترة من مارس/آذار 2023 إلى مارس 2024، وتضمنت هذه الشحنات ما تزيد قيمته عن 200 ألف دولار من عناصر CHPL التي تعد من مكونات الطائرات. كما ضمت القائمة شركة Mask Trans، "وهي شركة مقرها الهند قامت بتوريد ما قيمته أكثر من 300 ألف دولار لشركة هندسة روسية.
وأعلن نائب وزير الخزانة المسؤول عن مراقبة تنفيذ العقوبات الأميركية، والي أدييمو، أن "الولايات المتحدة وحلفاءها سيواصلون اتخاذ إجراءات حاسمة في جميع أنحاء العالم، لوقف تدفق الأدوات والتكنولوجيات الحيوية التي تحتاجها روسيا لشن حربها ضد أوكرانيا". وتأمل واشنطن ممارسة الضغط على الدول، لكي تلتزم بالعقوبات ضد روسيا؛ ومع ذلك، فإن العقوبات تهدد بإثارة التوتر بين الولايات المتحدة وحلفائها.
يُذكر أن واشنطن قلقة من التقارب الصيني الهندي الذي سيساهم في تهديد استراتيجيتها الخاصة بمحاصرة الصين في آسيا، ويفتح الباب أمام تعاون أكبر بين نيودلهي وتقارب شي ـ بوتين. وما يثير قلق واشنطن أكثر أن الاجتماع الرئيسي لمجموعة بريكس، الذي استضافته مدينة كازان بروسيا الأسبوع الماضي، أظهر أن فلاديمير بوتين بعيد عن العزلة واختتم بلحظات دافئة وعناق حار بين الرئيس الروسي ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي.
وتاريخياً، كانت العلاقة بين الولايات المتحدة والهند شديدة التعقيد وتتأرجح بين التعاون في مجالات مثل الدفاع والتجارة والتكنولوجيا والمخاوف من تقارب الهند مع روسيا، خاصة أن الهند على مدى عقود، اعتمدت بشكل كبير على الأسلحة الروسية، التي شكلت جزءاً كبيراً من ترسانتها الدفاعية. وقد جرى تجهيز الجيش الهندي بمختلف الدبابات والبنادق والطائرات روسية الصنع، بما في ذلك طائرات سوخوي المقاتلة وطائرات الهليكوبتر من طراز Mi-17.
ووفقاً للمعلومات المقدمة، فإن اعتماد الهند على الأسلحة الروسية آخذ في التناقص بين عامي 2017 و2022 بسبب التقارب مع أميركا، حيث انخفضت حصة روسيا من واردات الهند الدفاعية من 62% إلى 45%.
ويقول محللون رغم أن روسيا لا تزال أكبر مورد للأسلحة للهند، فإنها تواجه منافسة متزايدة من الدول الأخرى. وبرزت فرنسا بكونها مورداً بديلاً مهماً، فقد استحوذت على حصة 29% من واردات الأسلحة الهندية، وفق بيانات وزارة التجارة الهندية. وتساهم الولايات المتحدة أيضاً في المشتريات الدفاعية للهند ولكن على نطاق أصغر بكثير وبحصة(11%) فقط.
ومنذ تطبيق القوى الغربية العقوبات على الطاقة الروسية تستفيد الهند من النفط الروسي الرخيص. ووفق البيانات التي أوردها مركز أبحاث الطاقة والهواء النقي الأوروبي، زادت الهند بشكل كبيروارداتها من النفط الروسي منذ بداية الصراع الأوكراني في فبراير/شباط 2022.
واعتباراً من يوليو 2023، استوردت الهند ما يقرب من 2.8 مليار دولار من النفط الخام من روسيا. وكان هذا بمثابة تحول كبير في استراتيجية خفض كلف الطاقة في الهند. ومثلت الواردات البترولية من روسيا ما يقرب من 40% من إجمالي مشتريات الهند من النفط في عام 2022.
وقبل حرب أوكرانيا، كان النفط الروسي يشكل أقل من 1% من إجمالي واردات الهند من النفط. ومع ذلك، ونظراً لتوافر الخام الروسي بسعر رخيص في أعقاب العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على روسيا، استفادت الهند من هذه الفرصة لتأمين إمدادات نفط أرخص.
وبحسب معطيات متداولة، فإن ما يقرب من 80% من واردات الهند من الوقود الأحفوري من روسيا كانت عبارة عن نفط خام، مما يسلط الضوء على الدور الحاسم الذي يلعبه الخام الروسي في تلبية احتياجات الهند من الطاقة. وعلى الرغم من أن واشنطن أعربت مراراً عن عدم رضاها عن تطور علاقات الطاقة بين موسكو ونيودلهي، ولكنها لم تفرض عليها عقوبات مثل تلك التي فرضتها على شركات دول أخرى.