يمثل الرغيف في ليبيا اليوم قضية خلافية ما بين الجهات الحكومية وأصحاب المخابز. فعلى الرغم من تحديد وزارة الاقتصاد في حكومة الوحدة الوطنية سعراً إلزامياً لرغيف الخبز بربع دينار لوزن 100 غرام، إلا أن تطبيق هذا السعر يواجه عقبات كبيرة في السوق الليبية.
وتشهد البلاد تقلبات في أسعار الدقيق، إلى جانب ارتفاع تكاليف الإنتاج الأساسية، مما دفع العديد من أصحاب المخابز إلى التحايل على التسعيرة عبر تقليل وزن الرغيف. وأكد مدير إدارة التجارة بوزارة الاقتصاد في حكومة الوحدة الوطنية، مصطفى قدارة، لـ "العربي الجديد" أن الوزارة أصدرت قراراً بتحديد تسعيرة جبرية لرغيف الخبز ليزن 100 غرام ويباع بسعر ربع دينار ليبي، ما يعادل أربعة أرغفة مقابل دينار واحد.
جاء هذا القرار بعد انخفاض سعر الدقيق من 300 دينار إلى 220 ديناراً للقنطار، وفقاً لسعر صرف قدره 4.8 دنانير مقابل الدولار. وقد شدد قدارة على أن المخابز غير الملتزمة ستواجه إجراءات قانونية. وأوضح فوزي بشير، صاحب مخبز في وسط العاصمة، لـ "العربي الجديد" أن التسعيرة المقترحة لا تغطي التكاليف التشغيلية للمخابز، نظراً لارتفاع أسعار المكونات الأساسية مثل الخميرة والزيت مقارنة ببداية العام.
وأضاف أبو القاسم الرياني، صاحب مخبز في جنوب طرابلس، لـ "العربي الجديد" أن العديد من المخابز تتغلب على هذا التحدي عبر تقليل وزن الرغيف إلى 50 غراماً وبيع ثلاثة أرغفة بدينار واحد، في محاولة لتغطية النفقات في ظل نقص العمالة الأجنبية الماهرة في هذا المجال.
أسباب خفض وزن الرغيف
وأعرب المحلل الاقتصادي محمد الشيباني، لـ "العربي الجديد" أن فرض سعر منخفض للخبز يخفف من آثار التضخم على المستهلكين، لكنه يحذر من أن تطبيق التسعيرة بشكل صارم دون مراعاة التكاليف قد يتسبب بخسائر في قطاع المخابز. ويقترح الشيباني دعم المخابز عبر خفض رسوم الجمارك على واردات الدقيق وتوفير المواد الخام بأسعار مدعومة لضمان توازن بين سعر معقول للمستهلك وربح عادل للمخابز.
وتشير الإحصائيات إلى أن واردات ليبيا من القمح زادت بنسبة 14% خلال عام 2023، حيث استوردت البلاد 1.79 مليون طن بقيمة 533 مليون دولار. وارتفعت أسعار الخبز بعد رفع الدعم الحكومي عن الدقيق في منتصف عام 2015، ما أسفر عن تضاعف الأسعار، ويُعزى ذلك إلى المضاربات التي شهدها سوق الدقيق في السنوات الأخيرة.
يبلغ عدد المخابز في ليبيا حوالي 4,160 مخبزاً موزعة على مناطق البلاد، كما تستورد ليبيا نحو 90% من احتياجاتها من القمح اللين، فيما يتم توفير النسبة المتبقية من الإنتاج المحلي، والذي تراجع بسبب الوضع الأمني غير المستقر.
ووفقاً لبيانات مصرف ليبيا المركزي، ارتفع معدل التضخم بنسبة 2.7% في سبتمبر الماضي، مقارنة بنسبة 2.5% في أغسطس، نتيجة لضغوط تضخمية على السلع الأساسية، ولا سيما في قطاع الأغذية والمشروبات.
وقال تاجر الجملة محمد الوليدي، أحد تجار الطحين سوق الكريمية بطرابلس، لـ "العربي الجديد" إن أسعار الطحين شهدت ارتفاعاً بنسبة 30% نتيجة تطبيق ضريبة الدولار بنسبة 27%. ومع تخفيض الضريبة مؤخراً إلى 7%، حدث انخفاض طفيف في أسعار الدقيق، إلا أن هذه الانخفاضات لم تكن كافية لتهدئة الأسعار بشكل كبير.
ويُعد سوق الكريمية أحد أكبر مراكز توزيع المواد الغذائية بالجملة في ليبيا، ويعكس أي تغير في أسعار الدقيق به تأثيراً واسع النطاق على أسعار الخبز في البلاد، خاصة في ظل اعتماد ليبيا الكبير على واردات القمح. وأضاف الوليدي أن الأسعار المرتفعة تأتي من شركات المطاحن التي لا تزال تفرض أسعارها على الدقيق حتى بعد التخفيف الجزئي لضريبة الدولار. وهذا يؤثر على تجار الجملة والمخابز الذين يضطرون لشراء الطحين بأسعار مرتفعة، مما يزيد من صعوبة الالتزام بتسعيرة رغيف الخبز التي حددتها وزارة الاقتصاد.