خرجوا من الحضيض إلى القصر، ومن القاع إلى القمة، ومن السجن إلى مناصب باتوا قادرين فيها على تسيير شؤون البلاد. هم مجموعة من المعتقلين السياسيين المغاربة السابقين الذين عاشوا بين أقبية الزنازين المعتمة والباردة، قبل أن يخرجوا إلى ضوء الشمس ويحصلوا على مناصب رفيعة في البلاد.
وبعدما ذاق العديد من السجناء السياسيين، وخصوصاً خلال الفترة التي يطلق عليها المغاربة "سنوات الرصاص"، في إشارة إلى فترة ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، طعم المعتقل والحرمان من الحرية لسنوات طويلة، عرفوا بعد ذلك بأعوام أموراً جديدة، وخصوصاً حين صاروا جزءاً من المناصب الرفيعة في البلاد.
ومن بين المعتقلين السياسيين السابقين الذين مُنحوا مناصب رفيعة، الراحل إدريس بنزكري الذي عينه الملك المغربي محمد السادس رئيساً للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان. وبعد وفاته، تولى المنصب المعتقل السياسي السابق أحمد أحرزني، بالإضافة إلى أسماء أخرى مثل عبد القادر الشاوي وصلاح الدين الوديع وإدريس اليزمي ومحمد الصبار.
وإن كانَ بعض المعتقلين السياسيين السابقين قد نجحوا في مسيرتهم المهنية بعد مرحلة الاعتقال السياسي، وأصبحوا من رجالات الدولة أو سفراء أو دبلوماسيين، لم يعرف آخرون نجاحاً مماثلاً. وكان عهد الملك الراحل الحسن الثاني قد شهد اعتقال العديد من الناشطين الحقوقيين، وخصوصاً من التيار اليساري في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. وبعد خروجهم من السجن تغيرت الأوضاع في عهد الملك الحالي محمد السادس، على خلفية مسلسل المصالحة الذي دشنته الدولة.
اختارت السلطات العليا في المغرب شخصية الراحل إدريس بنزكري، وهو معتقل سياسي سابق كان ينتمي إلى منظمة "إلى الأمام" اليسارية، وقضى في السجن 17 عاماً من أصل 30 عاماً، وأفرج عنه عام 1991، لتبدأ بعدها العدالة الانتقالية في المغرب. وساهم بنزكري في تأسيس منتدى الحقيقة والإنصاف، قبل أن يدعوه الملك إلى قيادة هيئة الإنصاف والمصالحة عام 1999، والتي درست حالة 20 ألف معتقل سياسي سابق، لتصرف تعويضات مادية لهم ولأسرهم. بعدها، عين رئيساً للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان إلى أن توفي عام 2007.
بعد وفاته، عيّن الملك المغربي معتقلاً سياسياً يسارياً سابقاً في المنصب نفسه، وهو أحمد أحرزني الذي قضى في المعتقل 15 عاماً من حياته. وبعد خروجه، صار عضواً في المجلس الأعلى للتعليم، وعين مستشاراً دولياً في العديد من الملفات ذات الصلة بالزراعة والتنمية القروية والبيئية.
ومن الأسماء الأخرى الروائي عبد القادر الشاوي، الذي يشغل حالياً منصب سفير المغرب في تشيلي، ويتوقع أن يصير قريباً سفير دولة جنوب أفريقيا. وكان قد اعتقل في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1974، وحكم عليه عام 1977 بالسجن عشرين عاماً، ليخرج من المعتقل عام 1989، قبل أن يعين في عهد الملك محمد السادس سفيراً للمغرب في تشيلي.
وهناكَ معتقل سياسي سابق آخر وهو صلاح الوديع، الذي صار قيادياً في أحد الأحزاب الكبرى في المغرب، وبات مرشحاً لشغل منصب سفير البلاد في أحد البلدان الأجنبية، بالإضافة إلى المعتقل السابق إدريس اليزمي الذي يرأس حالياً المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والكاتب العام للمجلس محمد الصبار.
ولم تنتهِ لائحة الأسماء عند هذا الحد. فهناك أيضاً محمد صالح التامك، والذي كان يدعم جبهة البوليساريو الداعية إلى انفصال الصحراء عن المغرب، وقد حكم عليه بالسجن عام 1977 قبل أن يخرج من المعتقل ويتدرّج في مناصب رفيعة عدة، وقد أصبح اليوم المدير العام للسجون.
في هذا السياق، يقول مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والإستراتيجية خالد الشرقاوي السموني، لـ"العربي الجديد"، إنه بعد اعتلاء الملك الحالي الحكم، شرع في اتخاذ مجموعة من القرارات التي تعكس إرادته في التغيير السياسي. يضيف أن الدولة منحت إشارات قوية للمعتقلين السياسيين الذين أفرج عنهم، ثم بدأت التفكير في إحداث آلية للإنصاف، وكان لا بد من خلق قنوات اتصال مع بعض المعتقلين السياسيين اليساريين، وعلى رأسهم ادريس بنزكري وصلاح الوديع.
يتابع السموني أن الوزير السابق المنتدب لدى وزارة الداخلية فؤاد عالي الهمة لعب دور الوساطة في الإقناع بأن المغرب يعرف عهداً جديداً ومميزاً في ظل حكم الملك محمد السادس، وطمأن المعتقلين السابقين بأن الدولة مستعدة لإحداث هيئة للإنصاف والمصالحة.
يضيف السموني أنه خلال تلك الفترة، بدأ الكثير من المعتقلين السياسيين السابقين والمحسوبين على اليسار، تغيير مواقفهم من النظام، وقد أعربوا عن رغبتهم في الانخراط في عملية الإصلاح الديمقراطية مع الملك الشاب محمد السادس. يضيف أنه "ليس مستغرباً أن يكون من بين هؤلاء المعتقلين المعارضين للنظام سابقاً، رجالات دولة صاروا أوفياء لها، وخصوصاً بعدما وثقوا بأن العهد الجديد سيكون مختلفاً حقاً".