04 نوفمبر 2024
المناطق الآمنة.. ما يعرفه ترامب ونجهله
علاوةً على أن قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إقامة مناطق آمنة في سورية يعد خطوةً لافتةً، حيث يأتي بعد أيام قليلة، فحسب، من تسلمه منصبه الرئاسي، غير أن أمراً آخر في القرار يمكن أن يكون لافتاً أكثر، وهو دلالته، فهو يدلُّ على أمر واحد فحسب، هو أن الحرب في سورية قائمة، ومرشحة للاستمرار سنوات أخرى، على الرغم من الهدنة التي دخلت حيز التنفيذ، في 30 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وتبعها انعقاد مؤتمر أستانة للمفاوضات بين المعارضة والنظام، ثم التحضير الجاري لمؤتمر جنيف الذي يعقد أواخر الشهر الجاري. واستمرار الحرب يقتضي، بالضرورة، تدمير قرىً ومدن أخرى وتهجير سكانها، لتكون تلك المناطق الآمنة ملاذهم، ويخفّ حملهم عن دول اللجوء، وبالتالي المسؤوليات الملقاة على عاتق المجتمع الدولي لحل هذه المسألة. فأيّ قرارٍ اتخذه ترامب، وجعل السوريين يستمرون في فقدان الأمل؟
ولم ينطلق ترامب، في قراره ذاك، من حرصه على سلامة أبناء الشعب السوري الذي تعرَّض طوال سنوات ست للقتل والتهجير، بل من حرصه على سلامة بلاده من خطرٍ، يرى هو أن المهاجرين يشكلونه، ومنعاً لتكرار تجربة الدول الأوروبية مع موجات المهاجرين التي وصلت إليها السنة الماضية وقبلها، إذا ما حصلت اندفاعة جديدة من القتال التدميري في سورية. ويتصف قراره بالغرابة، كونه يخالف وجهة نظر إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، إقامة مناطق كهذه، مع تسليمنا أن قرارات الرؤساء الأميركيين لا تجد سبيلها إلى التنفيذ، إلا إذا حازت موافقة المشرّعين وواضعي سياسة البيت الأبيض، من سياسيين ورجال المجمَّع العسكري والاستخباراتي، إن لم يكن هم من وضعها.
حيث أنه لم يتبقَّ أمام السوريين سوى البحث عن الإشارات التي ترسل إليهم عبر الكلام
والمواقف التي تتعلق بقضيتهم، والتقاطها، والبحث فيها وتحليلها، للوصول إلى خيطٍ يمسكون طرفه لمعرفة ما ستؤول إليه حالهم، جاءت الإشارات المخيبة للآمال التي حملها قرار ترامب. وحيث أن قراره جاء عشية عقد مؤتمر المفاوضات في أستانة بين ممثلي النظام السوري وممثلي المعارضة العسكرية، وبرعايةٍ روسيةٍ تركيةٍ إيرانية، فإن حاصل الحدثين قد يكون صفراً بالنسبة إلى السوريين، وقد يحبط آمالهم بوقفٍ قريبٍ لتمويتهم، إذا ما نظرنا إلى ما يعنيه قرار ترامب، ويدل على ما يعرفه الرجل وما يجهله أبناء الشعب السوري والمتأثرين بمأساتهم، بل وحتى المراقبين.
هل يرى ترامب أن الأمل في انتهاء الحرب في سورية ما يزال بعيداً؟ وهل يعرف أن تطورات ستحصل، وستمد بعمر هذه الحرب، وبالتالي، ستنتج عنها موجات هجرةٍ جديدةٍ؟ لا بد أن اندفاعةً جديدةً في الحرب ستنتج عنها موجة هجرةٍ أكبر من التي سبقتها السنة الماضية. فإن حصل ذلك، لن تقتصر هذه الموجة على المتضرّرين المباشرين من القصف والتدمير، بل سينضم إليها كثيرون من أبناء المناطق الآمنة المؤيدة للنظام. إذ يعيش هؤلاء ظروفاً معيشية خانقة، بسبب قلة المداخيل وغياب المواد التموينية وارتفاع أسعار المتوفر منها، علاوة على ارتفاع أسعار الخدمات. وهم الذين يعانون بسبب ندرة التيار الكهربائي ومياه الشرب والمشتقات النفطية المستخدمة في الطبخ والتدفئة، في ظل ظروف موجات البرد القارس، غير المعهودة، التي تضرب البلاد منذ أشهر. كما ستضم الشبان الهاربين من أداء الخدمة العسكرية الذين سيزداد عددهم مع فتح أي جبهة جديدة.
وكان أبناء هذه المناطق قد عوّلوا على إشاراتٍ جاءت من النظام، وتدل على قرب انتهاء الحرب وتغير ظروفهم، فقد اتخذوا زيارة رئيس وزراء النظام، عماد خميس، إلى طهران، أواسط يناير/ كانون الثاني الماضي، وتوقيعه اتفاقيات اقتصادية مع المسؤولين الإيرانيين إشارةً إلى أن مرحلة سلامٍ جديدةٍ ستدخلها البلاد، حيث لا يمكن لهذه الاتفاقيات أن تدخل حيز التنفيذ سوى في ظروف السلام. كما أن تشجيع النظام عائلات حلبية نازحة في الساحل السوري على العودة إلى حلب، بعد فرض سيطرته عليها، كانت عاملاً في زيادة آمال سكان المناطق الآمنة بتوقف الحرب التي استهلكت حياة أبنائهم، وأفرغت مناطقهم من الشبان الذين إما سيقوا إلى جبهات القتال أو هرَّبتهم عائلاتهم إلى الدول المجاورة، فسلكوا طريق اللجوء إلى أوروبا مع غيرهم من السوريين.
غير أن مناطق ترامب الآمنة دخلت مرحلة جدل روسي أميركي سوريالي حولها، فالطرف
الروسي لا يمانع إقامة هذه المناطق، شريطة موافقة النظام السوري عليها، كما قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في 30 يناير/ كانون الثاني الماضي، ففي حين يرى لافروف أن مبدأ هذه المناطق يقوم على تأمين مناطق لإيواء اللاجئين في دول الجوار وإيصال المساعدات إليهم، يرى أعضاء جمهوريون في الكونغرس الأميركي أنها تهدف إلى حماية المدنيين من هجمات قوات النظام، وتتطلب إحداث منطقة حظرٍ جوي ونشر قوات برية، وغيرها من العمليات اللوجستية التي يتطلبها هذا الأمر.
لا يُعرف إن كانت فكرة المناطق الآمنة من بنات أفكار ترامب التي ظهرت أخيراً، أم إنها إعلان لسياسة جديدة للولايات المتحدة تجاه الموضوع السوري. لكنها على ما يبدو ستُدخل القضية السورية في سياقٍ جديدٍ، وستجرّ الأميركيين لكي يدخلوا طرفاً دولياً جديداً في الصراع السوري، يضاف إلى الأطراف الأخرى. كما إنها دليل شؤم للسوريين، لا يرون فيه سوى أن مأساتهم تستكمل دخولها منعرجاتٍ جديدة، هم في غنى عنها.
ولم ينطلق ترامب، في قراره ذاك، من حرصه على سلامة أبناء الشعب السوري الذي تعرَّض طوال سنوات ست للقتل والتهجير، بل من حرصه على سلامة بلاده من خطرٍ، يرى هو أن المهاجرين يشكلونه، ومنعاً لتكرار تجربة الدول الأوروبية مع موجات المهاجرين التي وصلت إليها السنة الماضية وقبلها، إذا ما حصلت اندفاعة جديدة من القتال التدميري في سورية. ويتصف قراره بالغرابة، كونه يخالف وجهة نظر إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، إقامة مناطق كهذه، مع تسليمنا أن قرارات الرؤساء الأميركيين لا تجد سبيلها إلى التنفيذ، إلا إذا حازت موافقة المشرّعين وواضعي سياسة البيت الأبيض، من سياسيين ورجال المجمَّع العسكري والاستخباراتي، إن لم يكن هم من وضعها.
حيث أنه لم يتبقَّ أمام السوريين سوى البحث عن الإشارات التي ترسل إليهم عبر الكلام
هل يرى ترامب أن الأمل في انتهاء الحرب في سورية ما يزال بعيداً؟ وهل يعرف أن تطورات ستحصل، وستمد بعمر هذه الحرب، وبالتالي، ستنتج عنها موجات هجرةٍ جديدةٍ؟ لا بد أن اندفاعةً جديدةً في الحرب ستنتج عنها موجة هجرةٍ أكبر من التي سبقتها السنة الماضية. فإن حصل ذلك، لن تقتصر هذه الموجة على المتضرّرين المباشرين من القصف والتدمير، بل سينضم إليها كثيرون من أبناء المناطق الآمنة المؤيدة للنظام. إذ يعيش هؤلاء ظروفاً معيشية خانقة، بسبب قلة المداخيل وغياب المواد التموينية وارتفاع أسعار المتوفر منها، علاوة على ارتفاع أسعار الخدمات. وهم الذين يعانون بسبب ندرة التيار الكهربائي ومياه الشرب والمشتقات النفطية المستخدمة في الطبخ والتدفئة، في ظل ظروف موجات البرد القارس، غير المعهودة، التي تضرب البلاد منذ أشهر. كما ستضم الشبان الهاربين من أداء الخدمة العسكرية الذين سيزداد عددهم مع فتح أي جبهة جديدة.
وكان أبناء هذه المناطق قد عوّلوا على إشاراتٍ جاءت من النظام، وتدل على قرب انتهاء الحرب وتغير ظروفهم، فقد اتخذوا زيارة رئيس وزراء النظام، عماد خميس، إلى طهران، أواسط يناير/ كانون الثاني الماضي، وتوقيعه اتفاقيات اقتصادية مع المسؤولين الإيرانيين إشارةً إلى أن مرحلة سلامٍ جديدةٍ ستدخلها البلاد، حيث لا يمكن لهذه الاتفاقيات أن تدخل حيز التنفيذ سوى في ظروف السلام. كما أن تشجيع النظام عائلات حلبية نازحة في الساحل السوري على العودة إلى حلب، بعد فرض سيطرته عليها، كانت عاملاً في زيادة آمال سكان المناطق الآمنة بتوقف الحرب التي استهلكت حياة أبنائهم، وأفرغت مناطقهم من الشبان الذين إما سيقوا إلى جبهات القتال أو هرَّبتهم عائلاتهم إلى الدول المجاورة، فسلكوا طريق اللجوء إلى أوروبا مع غيرهم من السوريين.
غير أن مناطق ترامب الآمنة دخلت مرحلة جدل روسي أميركي سوريالي حولها، فالطرف
لا يُعرف إن كانت فكرة المناطق الآمنة من بنات أفكار ترامب التي ظهرت أخيراً، أم إنها إعلان لسياسة جديدة للولايات المتحدة تجاه الموضوع السوري. لكنها على ما يبدو ستُدخل القضية السورية في سياقٍ جديدٍ، وستجرّ الأميركيين لكي يدخلوا طرفاً دولياً جديداً في الصراع السوري، يضاف إلى الأطراف الأخرى. كما إنها دليل شؤم للسوريين، لا يرون فيه سوى أن مأساتهم تستكمل دخولها منعرجاتٍ جديدة، هم في غنى عنها.