المنطقة الخضراء عصية على العراقيين: العبادي يتراجع عن إلغائها

24 سبتمبر 2016
تعرضت المنطقة لاقتحامين العام الحالي (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

علم "العربي الجديد" أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ألغى مشروع قرار كان قد أعلنه نهاية العام الماضي، ويقضي بإلغاء المنطقة الخضراء وفتح الطرق المغلقة فيها، بما فيها الجسر المعلّق على نهر دجلة، لتعود كما كانت عليه قبل احتلال البلاد. وكانت القوات الأميركية قد اقتطعت هذا الجزء من العاصمة واتخذته مقراً لسلطة الاحتلال الأميركي في العام 2003 بعد إحاطته بأسوار إسمنتية عالية، ليتحوّل في ما بعد إلى مقر للحكومة والأحزاب والبعثات الدبلوماسية.
وكشف موظف في مكتب رئيس الوزراء العراقي لـ"العربي الجديد"، أن العبادي أبلغ مقربين منه بالتراجع عن قراره السابق الذي أعلنه في 28 أغسطس/آب 2015 بإلغاء المنطقة الخضراء بشكل كامل. وأوضح الموظف أن "الشارع الوحيد الذي تم فتحه في الرابع من أكتوبر/تشرين الأول 2015 أعيد إغلاقه وتم تجميد المشروع بالكامل"، مؤكداً أن "السبب وراء إلغاء الفكرة أمني وسياسي، كما أنها لم يرق لرؤساء البعثات الدبلوماسية الغربية، الذين استشعروا خطراً بهذا القرار".
وجاء قرار العبادي آنذاك ضمن سلسلة إجراءات واسعة لتهدئة الشارع الذي يئن تحت ضربات الفساد والفقر والانفجارات، ولاقى القرار حينها ترحيباً واسعاً من المواطنين بمختلف شرائحهم. وجرى فتح شارع الزيتون الذي يصل إلى قوس النصر وسط المنطقة الخضراء وأظهرت الصور حينها العبادي وهو يستقبل أول سيارات المواطنين التي باشرت السير في الشارع. كان ذلك بداية لفتح تدريجي يشمل كامل شوارع المنطقة الخضراء وفقاً لما أعلنه حينها مكتب العبادي، في بيان جاء فيه أن "العبادي أصدر أوامره إلى الفرقة الخاصة وقيادة عمليات بغداد بوضع الترتيبات اللازمة لفتح المنطقة الخضراء أمام المواطنين". لكن الشارع الوحيد الذي افتتحه العبادي لم يدم طويلاً حتى أغلق، وذلك عقب انطلاق تظاهرات كبيرة، دعا إليها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.
لم يكن صعباً فتح المنطقة الخضراء وإزالة بعض السياج الإسمنتي، وإبقاء التحصين على مساحة محددة تشمل القصر الجمهوري ومجلس النواب وبعض البنايات المتعلقة بالحكومة، لكن "الجميع وقف ضد هذا المشروع"، وفق مسؤول كبير في الحكومة العراقية.
المسؤول الذي طلب عدم كشف هويته، أكد لـ"العربي الجديد" أن أحزاباً وشخصيات كبيرة في الدولة تنتفع من إبقاء السياج العازل للمنطقة الخضراء عن مناطق بغداد، ليكون ذلك سبباً آخر للتخلي عن إلغائه، مشيراً إلى وجود اتفاق على الادعاء بوجود تهديدات لحياة سياسيين كبار من أجل تحويل سكنهم إلى داخل المنطقة الخضراء، أو البقاء داخل المنطقة الخضراء بالنسبة لمن حصل على مكان للسكن فيها.
ولفت إلى أن "العبادي واجه ضغوطاً كبيرة أجبرته على عدم إكمال مخططه الرامي لرفع الكتل الإسمنتية المحيطة بالمنطقة الخضراء وإعادة فتحها"، موضحاً أن مشروع رئيس الحكومة "لم يرق لكثير من السياسيين، فوجود المنطقة الخضراء بوضعها الحالي يدر عليهم منافع عديدة".
وكشف المسؤول أن "أحزاباً وشخصيات مسؤولة في الحكومة استولت على بيوت داخل المنطقة الخضراء تعود لمواطنين غالبيتهم من الديانة المسيحية، بعد أن كان يربط أصحاب تلك المنازل والحكومة العراقية متمثلة بوزارة المالية عقود استئجار". واعتبر أن "كبار الشخصيات الحاكمة يعلمون جيداً أن رغبة عارمة موجودة لدى المواطنين باقتلاعهم من مناصبهم، ويتوقعون أن يواجهوا في أية ساعة انتفاضة شعبية، لذلك فالمنطقة الخضراء تُعتبر سداً حصيناً يحميهم من غضب الناس، لا سيما أنها قريبة من مطار بغداد الدولي، ما يسهل السفر لأي مسؤول يسكن هذه المنطقة".
وتُعتبر المنطقة الخضراء في "كوكب آخر" عن باقي مناطق العراق كما يقول عنها العراقيون، الذين يعيشون في دوامة نقص الخدمات الأساسية بشكل كبير، فمنذ العام 2003، يعاني العراق من انقطاع مستمر للتيار الكهربائي، يصل إلى أكثر من 15 ساعة في اليوم الواحد، وفي أحيان حتى 20 ساعة، مع غياب مستمر للمياه الصالحة للاستخدام البشري، بالإضافة إلى التفجيرات المستمرة التي تطاول الأسواق والمناطق العامة.
تلك الأسباب دفعت السياسيين إلى السكن في ذلك "الكوكب"، وبما أن الكثير منهم ليس من بين المكفولين بدفع الحكومة أجور مساكنهم، تبنّت أحزاب في السلطة ينتمون إليها إسكانهم، وهو ما يؤكده المسؤول العراقي، الذي أشار إلى أن تلك الأحزاب "وضعت أصحاب المساكن أمام الأمر الواقع، وهو السكوت، فإن دفعت الحكومة لهم كان بها، وإن لم تدفع فليس للساكن وحزبه علاقة بالدفع وسيبقى يحتل المنزل، لا سيما أن تلك الأحزاب تملك قوة ومليشيات مسلحة، ما يعني أن الأمر مرتبط بالتهديد، وهو ما يخشاه المواطنون أصحاب الأملاك".
وبحسب المسؤول نفسه، لكي تستولي الأحزاب والشخصيات على منازل في المنطقة الخضراء، تدعي بعضها تعرضها لتهديد أو محاولة اغتيال، وعليه تسعى لتقديم أدلة وهمية على ذلك التهديد، فتنتقل للعيش داخل هذه البقعة المحصّنة في العاصمة العراقية. ولفت إلى أن "تلك الأسباب تجعل الأحزاب وبفضل وجود قادتها وأعضائها مع عائلاتهم في هذه المنطقة المحصنة، التي تتوافر فيها أفضل الخدمات ودرجات الأمان، تحارب بكل ما أوتيت من قوة لإبقاء هذه المنطقة محصنة ومسيّجة ومعزولة، وإن كان على حساب الناس".


وأكد مواطنون عراقيون، يقيمون حالياً في دول أخرى، في اتصالات هاتفية مع "العربي الجديد"، أن أحزاباً وشخصيات سياسية استولت على منازلهم، بعد أن كانوا يحصلون على ايجارات سنوية من خلال عقد مبرم بينهم وبين وزارة المالية. وأوضحوا أن الوزارة أكدت لهم أنها لم تعد طرفاً في الموضوع، وأن منازلهم أصبحت مستأجرة من قِبل أشخاص وأحزاب وليس الحكومة العراقية، لذلك على تلك الجهات دفع بدلات الإيجار، لكن تلك الجهات تقول في ردها على طلب أصحاب تلك المنازل بدفع بدلات الإيجار إن وزارة المالية هي من تدفع، وبات من المؤكد لأصحاب المساكن تلك أن حقوقهم ضاعت بين الحكومة والأحزاب.
يشار إلى أن المنطقة الخضراء تعرضت لاقتحامين من قِبل جماهير غاضبة، الأول في إبريل/نيسان والثاني في مايو/أيار من العام الحالي، واعتدى المقتحمون حينها على عدد من أعضاء مجلس النواب. هذه المنطقة التي تُعتبر الأكثر تحصيناً في بغداد، تُعرف أيضاً بـ"المنطقة الدولية"، وهو مصطلح تداوله الأميركيون بعد احتلال العراق عام 2003، نظراً لوجود مقر بعثة الأمم المتحدة ومكاتبها فيها إلى جانب سفارات دول كبرى أهمها الولايات المتحدة وبريطانيا.
وتقع المنطقة الخضراء على الضفة الغربية لنهر دجلة في جانب الكرخ، الذي يقسم وسط مدينة بغداد إلى قسمين. وتمتد حدودها من حي القادسية وحي الكندي غرباً، وجسر الجمهورية ومتنزه الزوراء شمالاً، ويحتضنها نهر دجلة من الشرق والجنوب، إضافة إلى جزء كبير من متنزه وساحة الاحتفالات الكبرى بما تضم من منشآت.
يذكر أن سبب اختيار سلطة الاحتلال الأميركي، ما أطلقت عليها "المنطقة الخضراء" مركزاً لها عقب غزو البلاد في 2003، كون المنطقة مجهزة بكثير من الإمكانات لتكون مقراً للقوات الأميركية، بوجود قصور رئاسية ومساحات شاسعة، وقربها من المطار، ووجودها وسط العاصمة.
وحوّل الأميركيون العديد من المقار الحكومية والقصور العائدة لنظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ومنازل مسؤولين سابقين في نظامه إلى مقار لقواتهم، ومكاتب لمستشاريهم والوكالات العاملة معهم، ثم أصبحت في ما بعد مقار حكومية مهمة، إضافة إلى منازل مسؤولين وسياسيين بارزين.
ومن المنطقة الخضراء اتُخذت قرارات سلطة الاحتلال الأميركي، ففي 13 يوليو/تموز 2003 شكلت سلطة الائتلاف المؤقتة، و"مجلس الحكم الانتقالي في العراق" على أساس المحاصصة الطائفية، وكذلك بالنسبة للحكومة المؤقتة في عام 2004 التي ترأسها زعيم ائتلاف الوطنية إياد علاوي، وبعدها حكومة نوري المالكي لفترتين انتخابيتين وحكومة حيدر العبادي.
و"المنطقة الخضراء" هو اسم دخيل على جغرافية بغداد، وهي عبارة عن ثلاثة أحياء سكنية متجاورة تقع في قلب العاصمة وتتوسط جانبي الكرخ والرصافة على نهر دجلة، تم اقتطاعها وإحاطتها بأسوار إسمنتية عالية بعد أيام من الغزو الأميركي للبلاد. وتقع في داخلها القصور التاريخية لبغداد التي ظلت الأنظمة الحاكمة لها تتخذها مقراً لها منذ قرون طويلة، بدءاً بالعباسيين ومن تلاهم مروراً بالعثمانيين، ثم الاحتلال البريطاني حين اتخذ الجنرال ستانلي مود حاكم العراق آنذاك قصر السلام الحالي مقراً له بعد أن كان مقراً للحاكم العثماني مدحت باشا. ومن ثم انتقلت البلاد إلى الحكم الملكي ليكون قصر الرحاب الواقع حالياً ضمن المنطقة الخضراء مقراً للعائلة الهاشمية الحاكمة للعراق قبل أن يطاح بها بانقلاب عسكري قاده عبد الكريم قاسم الذي ما لبث أن سقط بانقلاب آخر قاده حزب البعث العربي الاشتراكي ليستمر حتى الاحتلال الأميركي للبلاد، ويصل الحاكم المدني بول بريمر ليستقر في قصر الرحاب كمقر حكم له قبل أن يأمر باقتطاع المناطق المجاورة وضمها في مربع واحد أطلق عليه اسم المنطقة الخضراء.
وكان أغلب سكان المنطقة التي تحوي على أبنية ومتاجر ودُور سكنية هم من العراقيين المسيحيين، وكانت المنطقة بأغلبها تُعرف باسم كرادة مريم، وكانت مركزاً تجارياً مهماً وتحتوي شبكة طرق كبيرة تربط جانبي بغداد مع بعض فضلاً عن الجسر المعلق الذي يعتبره البغداديون رمزاً أو معلماً لعاصمتهم. ويبلغ حجم هذه المنطقة نحو 22 كيلومتراً وهي محاطة بثلاثة أسوار إسمنتية عالية حددت معالم المنطقة الجديدة، وفُتح لها خمسة أبواب كل باب مخصص لدخول فئة، فالعسكريون يدخلون من باب، والبرلمانيون من باب آخر وأعضاء البعثات الدبلوماسية من باب، وأعضاء الحكومة من باب آخر.
وتضم المنطقة ثمانية قصور رئاسية بعضها تاريخي يعود لقرون طويلة وبعضها لا يتجاوز عمره الأربعين عاماً، أبرزها قصر الرحاب وقصر القدس وقصر السلام والقصر الجمهوري وقصر السجدة وقصر النهاية، فضلاً عن فنادق فخمة مثل الرشيد وقصر المؤتمرات. كما تضم أيضاً قوس النصر الذي شُيد من خوذ الجنود الإيرانيين بعد نهاية الحرب العراقية الإيرانية، إضافة إلى مستشفى ابن سينا ونصب الجندي المجهول، فضلاً عن حدائق عائلة ومدينة ألعاب واستراحات بين المنازل والشقق القريبة.