لم يُحسم بعد مصير المهرجانات التي تنظّمها وزارة الثقافة الأردنية، التي باتت قراراتها في هذا الشأن خاضعة لإرادات أعلى تدير أزمة كورونا في البلاد، وهي من تقدّر الظروف الصحية الملائمة لإلغائها أو تأجيلها أو إقامتها عن بُعد، وبذلك تظل أسيرة الاجتهاد أو الارتجال أحياناً، كما حصل في حوادث سابقة خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
يمثّل "مهرجان جرش للثقافة والفنون" الذي يعقد في تموز/ يوليو من كل عام أولى التظاهرات التي تواجه خيارات يجب المفاضلة بينها في أسرع وقت، إذ لا تزال قيد البحث حتى اليوم نظراً لاشتراطات عديدة لا يمكن تجاوزها إذا ما تقرّر تنظيمه هذا العام حتى لو تأجل لشهر أو أكثر.
جميع فعاليات "جرش" ستكون محلية مع تعذّر مشاركة فرق وفنانين من بلدان عربية وأجنبية، والتي لا تجتذب بالعادة جمهوراً أردنياً ينتظر كلّ ما هو آت من خارج الحدود، بالإضافة إلى أن العروض المحلية لا تمتلك تنوّعاً كافياً يماثل ما يستضيفه المهرجان كلّ سنة، خاصة في ما يتعلّق بعروض الباليه أو الموسيقى الكلاسيكية أو الرقص المعاصر وغيرها.
رغم تصريحات وزير الثقافة، باسم الطويسي، المبكرة حول الإعلان قريباً عن مواعيد ومعايير المشاركة في مهرجانات المسرح والأغنية الأردنية المتوقع أن تنظم في شهري آب/ أغسطس وأيلول/ سبتمبر المقبلين، وتأكيد الوزارة المتواصل على إقامتها افتراضياً، إلا أنه لم يبرز أي اشتباك مؤيد أو معارض لهذا الطرح، باستثناء مواد صحافية تشير إلى استمرار حالة الإرباك التي تؤجّل اتخاذ قرار نهائي تجاهها.
مصادر من داخل "الثقافة"، أشارت لـ"العربي الجديد" إلى أن التوجّه نحو الحلول الرقمية يندرج في إطار "الحفاظ على تقليد المهرجان" بعد عقود من إقامته، حيث لم يحدث إلغاء أو تأجيل إلا لأمر جلل، في إشارة إلى توقّف "جرش" بسبب اجتياح العدو الإسرائيلي لبيروت عام 1982، ومرة ثانية حين توقّف سنة 2007 ليحل محله "مهرجان الأردن" الذي انطلق في العام اللاحق، قبل أن يُستأنف في عام 2011 باسم "مهرجان جرش".
كما تفيد المصادر ذاتها، إلى أن حالة الملل والضجر تحفّز نحو إقامة المهرجانات افتراضياً، والاستفادة من الجمهور المتعدّد والمتنوّع الذي تفاعلت معه الوزارة مع بدء بثّ فعاليات موسيقية ومسرحية وفنية ومسابقات على منصّاتها الإلكترونية، لتكتشف فجأة أن هناك "عشرات آلاف الشباب الذين لم تتواصل معهم سابقاً، وأن جزءاً منهم لديه مواهب وإبداعات باتت من مسؤوليتها متابعتهم وتقديم الدعم لهم.
وتشير أيضاً إلى أنه يحضّر لتسجيل الحفلات الموسيقية والعروض الفنية في عدد من المواقع الأثرية في الأردن، بعد اكتسابها خبرات وضمّها لكوادر من المصوّرين والمخرجين والفنانين لم يتم الالتفات لهم مسبقاً، نظراً لأن الوزارة تقدّم محتوى رقمياً لأول مرة منذ تأسيسها، وإتاحته للجمهور على الدوام بعد أن حُفظ أرشيف معظم المهرجانات السابقة دون عرضه، ويعتقد أن كثيراً منه تعرّض للتلف.
آخر مسألة تتحدّث عنها الوزارة ترتبط بالاحترافية والتجهيزات التي باتت تمتلكها، وتؤهلها لتصوير فعاليات بأكثر من ثلاث كاميرات، مثلاً، لكنه يبقى تصوّر على ورق لم ينل الموافقة على تنفيذه بعد، ولم تختبر الترتيبات اللوجستية والفنية لتنفيذه، ما قد يعني أن الإلغاء لا يزال سيد الموقف حتى لو بدا ضد رغبات الوزير الذي التحق بالحكومة في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، ومعروف برؤيته "الليبرالية"، وانحيازه لتعميم الثقافة والمعارف والفنون إلى الجمهور، وعدم حصرها بالنخب.
مقابل طروحات الوزارة، يوضّح الباحث يوسف ربابعة لـ"العربي الجديد" أن "هدف المهرجان يتمثل بتجميع الناس في فضاءات حيّة تُستثمر في التعارف في ما بينهم، والتفاعل بين المبدعين، إلى جانب تنمية الأماكن التي تحتضن المهرجانات اقتصادياً وثقافياً، وهذا ما ستفقده العروض الافتراضية، وستلغى القصدية من الذهاب إلى المهرجان لدى المتابعين الأصيلين، لذا من الأفضل إلغاؤها ورصد الميزانيات لإنتاج أعمال فنية يتم عرضها إلكترونياً".
أما الكاتب والمخرج المسرحي مؤيد حمزة، فيقول لـ"العربي الجديد" أن "المسرح لا يتوفر في عملية إلا في حال توافر ثلاثة عناصر رئيسية، ألا وهي الحدث والمؤدي والجمهور، التي من دونها لا يعدّ فناً مسرحياً، ونقل المسرحية عبر التلفزة يخرجها من صفة المسرح، ويبدو أن الهدف من إقامة مهرجانات المسرح افتراضياً لإدامة المكافآت التي توزّع على المشاركين فيها، وصرف الموازنات الموضوعة مسبقاً، رغم أن الأفضل توفيرها لإنتاج أعمال مسرحية أفضل بعد زوال الجائحة أو تطوير البنى التحتية في مسارح العاصمة والمحافظات".