منذ الصباح الباكر، يغادر عبد الحميد العماري، رفقة زوجته، إلى مزارع منطقة مسلاته الشهيرة بكثافة أشجار الزيتون، ليبدأ عمله في جني ثمارها. لاحقاً يلحق بهما أبناؤهما الأربعة بعد انتهاء دوام المدرسة. وينتهي دوام العائلة في الحقول مع مغيب الشمس.
يقول العماري، النازح من منطقة الساعدية جنوبي طرابلس منذ مايو/ أيار الماضي، إنّه وجد في موسم الزيتون فرصة لتعويض النقص الحاد في مصادر تمويل معيشته بسبب ظروف النزوح. ويشرح العماري لـ"العربي الجديد" وضعه الصعب، مشيراً إلى أنّه اضطر إلى ترك منزله، على عجل، والمغادرة مع العائلة، من دون أن يصطحبوا معهم أغلب حاجاتهم، كالأغطية والملابس، وبحث طوال شهر كامل عن منزل مناسب. يتابع أنّ راتبه المتقطع والبطاقة المصرفية كانا يوفران لهم الحد الأدنى من المعيشة، لكنّه الآن مضطر إلى دفع الإيجار الشهري للمنزل كما أنّ نفقات المعيشة زادت. يتوقع العماري أن يدرّ عليه هذا الموسم ما يكفي لسدّ حاجاتهم الضرورية لمدة ثلاثة أشهر. يضيف: "اتفقت مع أصحاب المزارع الثلاث التي أعمل على جني محصول زيتونها على الاستفادة من نصف المحصول وسوف يكسبني هذا مبلغاً يكفيني لقرابة ثلاثة أشهر".
العماري وعائلته من بين كثيرين يعملون في المواسم الزراعية، بهدف التخفيف من أوضاع النزوح القاسية عليهم، وتعزيز أوضاعهم المعيشية الصعبة.
يؤكد عثمان المقري، عضو لجنة الأزمة في مدينة الخمس، أنّ الجهود الحكومية بالرغم من كثافتها لم تحسّن أوضاع النازحين، مشيراً في حديثه إلى "العربي الجديد" إلى أنّ "أزمة السيولة النقدية يعاني منها مختلف شرائح السكان، لكنّ النازحين باتوا أكثر تضرراً". وفيما يؤكد المقري أنّ "إجراءات حكومية ما زالت تقف عائقاً أمام نقل رواتب النازحين إلى مصارف فرعية بمناطق النزوح" يقول النازح أحمد جنين إنّ "انتظار رحمة الحكومة لم يعد ممكناً".
وعلى غرار أسرة العماري، تشكّل المواسم الزراعية الأخرى، ومنها جني التمور عن أشجار النخيل الذي يبدأ عادة مع شهر سبتمبر/ أيلول من كلّ عام وينتهي في شهر أكتوبر/ تشرين الأول، فرصة عمل لنازحين آخرين. وكان هذا النشاط سابقاً يقتصر على العمال الأجانب، من المصريين خصوصاً، لكنّه في ظروف النزوح والتردي الاقتصادي الذي خلفته الحرب نشاط للنازحين من قبيل جنين، العامل في جني الثمار.
وبالرغم من انتهاء موسم جني التمور، فجنين ورفيقاه، سامي وإبراهيم، ما زالوا في أوج الاستفادة من هذا الموسم. يقول جنين لـ"العربي الجديد" إنّهم اتفقوا مع صاحب مزرعة بمنطقة الخمس على تقاسم إنتاج نخيل مزرعته البالغ عددها 148 نخلة ودرّ ذلك عليهم دخلاً لا يمكن لأيّ موظف حكومي أن يحصل عليه. وبينما يؤكد أنّ الموسم مكّنه من تجاوز كثير من صعوبات النزوح، وعلى رأسها استئجار منزل عوضاً عن منزل أسرته في منطقة الزطارنة، جنوبي شرق طرابلس، يؤكد أيضاً أنّ الاستفادة من هذا الموسم ما زالت مستمرة. ويضيف أنّه بينما يسوق محصوله من هذا العام، تتولّى أمه وأخواته صنع دبس التمر لتسويقه أيضاً.
يقول العماري، من جانبه، إنّ الاستفادة من هذه المواسم ليست متاحة لكلّ النازحين: "الأسر التي تقطن في مناطق زراعية جنوبي طرابلس، هي التي تستفيد، كما أنّ من ليس خبيراً بهذه المهن لا يستفيد منها". يؤكد أنّها "فرص عمل لم نكن نتوقعها فقد عوضت لنا كثيراً من متطلبات الحياة". ويذكر العماري أنّ بعضاً من الأسر دفعت بشبابها إلى العمل في معاصر الزيتون، ويقول: "حالياً، على الطريق الساحلي، فإنّ أغلب المعاصر تعمل بعناصر ليبية هم أبناء الأسر التي اضطرتها ظروف الحرب إلى ترك منازلها، وعليها أن تبحث عن مصادر للعيش في مناطق النزوح".
العماري يستفيد من خبرته كونه مزارعاً في الأصل، فهو يعرف أنواع الزيتون التي يمكن الاستفادة منها من دون نقلها إلى المعاصر: "هناك أنواع نستفيد منها بتمليحها وتسويقها كزيتون للمائدة". ويؤكد أنّ الموسم ينتج فرص عمل متنوعة.
الأسر النازحة بمعظمها لديها مشكلة أساسية تتمثل في ارتفاع أسعار إيجارات المنازل، ما اضطرّ بعضها إلى السكن في منازل أقاربها أو معارفها، لكنّ جنين لا يرى في ذلك حلاً، ويقول: "أمد الحرب غير معروف، ولا يمكننا البقاء أكثر في منازل الأصدقاء والأقارب، ما اضطرنا إلى الاستئجار، بالرغم من تضاعف الأسعار ثلاث مرات".
وبحسب المقري، فإنّ الجهات الحكومية حاولت رفع المعاناة عن النازحين بتقديم مساعدات مالية أو بدل إيجار، مؤكداً أنّ العجز واجه تلك الجهود بسبب مضاعفة أصحاب العقارات أسعار الإيجارات وإن كانت المنازل بعيدة عن مراكز المدن.