تتّجه النسور في العالم نحو الانقراض بوتيرة أسرع من تلك التي تسلكها أنواع الطيور الأخرى، حتى الجوارح منها. ونسور العالم 23 نوعاً فقط، منها 14 من أصل 17 مهدّدة بالانقراض في أوروبا وآسيا وأفريقيا ونوعان من أصل ستّة أنواع مهدّدان في الأميركيّتَين، ما يعني أنّ 70 في المائة من النسور مهدّدة في العالم كله، وهو أمر يدعو إلى القلق الشديد في حال لم يفعل الإنسان شيئاً بهذا الخصوص، لا سيّما أنّ الأخير هو المتسبّب في فقدانها.
كيف يكون التوجّه نحو الانقراض ومن المعروف أنّ النسور تأكل جيف الحيوانات النافقة في الطبيعة؟ لو تُركت تلك الجيف على حالها، لأدّت إلى انتشار الأمراض في البراري، وهلكت بالتالي مكوّنات التنوّع البيولوجي. ما يساعد النسور على تناول الحيوانات النافقة، ولو كانت تحوي العفن وروائحها كريهة، هو أنّ عصارة معدتها تقضي على معظم البكتيريا. فقد بيّنت دراسات مخبرية أنّه من بين 528 نوعاً من البكتيريا تناولها أحد النسور، خرجت 14 في المائة منها فقط مع فضلاته، فيما هلكت 86 في المائة من البكتيريا في معدته قبل أن تصل إلى أمعائه. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ جلد النسور يقاوم البكتيريا عندما يمدّ رأسه إلى داخل أحشاء الجيفة ويتغذّى على لحمها الملوّث بفضلات الحيوان النافق.
لكنّ كلّ تلك المقاومة لدى النسور لم تشفع لها حتى تعيش على ما يرام، والإنسان هو سبب القضاء عليها حتى لو كان ذلك عن غير قصد. فقد درج الأطباء البيطريون على تزويد الحيوانات في مزارع الماشية بحقن غير ستيرودية ضدّ الالتهابات وبمضادات حيوية لعلاجها. وهذه الأدوية بحدّ ذاتها تهدّد حياة أكلة الجيف من الطيور التي تعثر على الحيوانات النافقة التي سبق أن خضعت لعلاج في المزارع، فتأكل منها وتنفق بدورها، لأنّ المضادات للالتهاب غير الستيرودية تتسبّب في فشل كلوي عند النسور، فيتراكم حمض البول في الدم متسبّباً في تسمّمها، ثمّ يتبلور حول الأحشاء متسبباً بنقرس الأحشاء المميت.
في دراسة أعدّها مشاركون في مشروع "لايف" الأوروبي، وبعضهم من لبنان، تمّ التعرف على الأدوية التي يعالج بها الأطباء البيطريون حيوانات المزارع من خيول وأبقار وأغنام وماعز. تبيّن أنّهم بمعظمهم يلجأون إلى "ديكلوفناك" في المراحل الأخيرة من العلاج الميؤوس منه، فيما صرّح بعضهم بأنّه يدفن الحيوانات النافقة، وقال قسم آخر إنّه يرميها في البراري النائية. وثمّة قلّة أفادت بأنّها ترمي لحم الحيوان قبل أن ينفق أو بعد ذلك مباشرة إلى كلاب الراعي لتتغذّى عليه. ما يهمّنا في هذا الأمر، هو أنّ "ديكلوفناك" على الرغم من أنّه آمن للإنسان فإنّه، وبحسب ما ثَبُت، سام للنسور، حتى لو كان بكميات قليلة. لذا، ينبغي وضع استخدام الأدوية غير الستيرودية قيد المراقبة لأنّها تمثّل تهديداً محتملاً للنسور، إلى جانب احتمال سحب بعض الأدوية البيطرية. أمّا بالنسبة إلى طريقة التخلّص من الحيوانات النافقة، فيجب منع رمي الجيف في العراء والتخلّص منها بدفنها.
تجدر الإشارة إلى أنّ "ديكلوفناك" قضى على معظم مجموعات النسور في الهند، وفي آسيا عموماً قضى على 10 ملايين نسر، أي 99.9 في المائة من نسور آسيا. لكن بعد ذلك، قررت الهند حظر استخدام هذا الدواء على أمل أن تسترجع النسور أعدادها قبل أن تنقرض. في المقابل، وافقت حديثاً كل من إسبانيا وإيطاليا على استخدام "ديكلوفناك"، وهو أمر سوف يزيد من دون شك الضغط على النسور وأعدادها، بل سوف يقضي على نسور أوروبا. ولن يقتصر الأمر عليها، بل سينال كذلك من العقبان الذهبية والعقبان الإمبراطورية الإسبانية المهدّدة.
اقــرأ أيضاً
والقضاء على النسور سوف يجعل الحيوانات النافقة تتعفّن في البراري، الأمر الذي يؤدي إلى انتشار الكلاب الضالة لتتغذّى عليها كتعويض إيكولوجي لملء الفراغ الناتج عن غياب النسور. بالتالي، سوف يزداد احتمال انتشار داء الكلب. صحيح أنّ هلاك النسور يتمّ عن غير قصد، لكن في لبنان وفي بعض البلدان العربية ثمّة من يقتل النسور ببنادقه كهواية مكروهة.
(متخصص في علم الطيور البرية)
كيف يكون التوجّه نحو الانقراض ومن المعروف أنّ النسور تأكل جيف الحيوانات النافقة في الطبيعة؟ لو تُركت تلك الجيف على حالها، لأدّت إلى انتشار الأمراض في البراري، وهلكت بالتالي مكوّنات التنوّع البيولوجي. ما يساعد النسور على تناول الحيوانات النافقة، ولو كانت تحوي العفن وروائحها كريهة، هو أنّ عصارة معدتها تقضي على معظم البكتيريا. فقد بيّنت دراسات مخبرية أنّه من بين 528 نوعاً من البكتيريا تناولها أحد النسور، خرجت 14 في المائة منها فقط مع فضلاته، فيما هلكت 86 في المائة من البكتيريا في معدته قبل أن تصل إلى أمعائه. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ جلد النسور يقاوم البكتيريا عندما يمدّ رأسه إلى داخل أحشاء الجيفة ويتغذّى على لحمها الملوّث بفضلات الحيوان النافق.
لكنّ كلّ تلك المقاومة لدى النسور لم تشفع لها حتى تعيش على ما يرام، والإنسان هو سبب القضاء عليها حتى لو كان ذلك عن غير قصد. فقد درج الأطباء البيطريون على تزويد الحيوانات في مزارع الماشية بحقن غير ستيرودية ضدّ الالتهابات وبمضادات حيوية لعلاجها. وهذه الأدوية بحدّ ذاتها تهدّد حياة أكلة الجيف من الطيور التي تعثر على الحيوانات النافقة التي سبق أن خضعت لعلاج في المزارع، فتأكل منها وتنفق بدورها، لأنّ المضادات للالتهاب غير الستيرودية تتسبّب في فشل كلوي عند النسور، فيتراكم حمض البول في الدم متسبّباً في تسمّمها، ثمّ يتبلور حول الأحشاء متسبباً بنقرس الأحشاء المميت.
في دراسة أعدّها مشاركون في مشروع "لايف" الأوروبي، وبعضهم من لبنان، تمّ التعرف على الأدوية التي يعالج بها الأطباء البيطريون حيوانات المزارع من خيول وأبقار وأغنام وماعز. تبيّن أنّهم بمعظمهم يلجأون إلى "ديكلوفناك" في المراحل الأخيرة من العلاج الميؤوس منه، فيما صرّح بعضهم بأنّه يدفن الحيوانات النافقة، وقال قسم آخر إنّه يرميها في البراري النائية. وثمّة قلّة أفادت بأنّها ترمي لحم الحيوان قبل أن ينفق أو بعد ذلك مباشرة إلى كلاب الراعي لتتغذّى عليه. ما يهمّنا في هذا الأمر، هو أنّ "ديكلوفناك" على الرغم من أنّه آمن للإنسان فإنّه، وبحسب ما ثَبُت، سام للنسور، حتى لو كان بكميات قليلة. لذا، ينبغي وضع استخدام الأدوية غير الستيرودية قيد المراقبة لأنّها تمثّل تهديداً محتملاً للنسور، إلى جانب احتمال سحب بعض الأدوية البيطرية. أمّا بالنسبة إلى طريقة التخلّص من الحيوانات النافقة، فيجب منع رمي الجيف في العراء والتخلّص منها بدفنها.
تجدر الإشارة إلى أنّ "ديكلوفناك" قضى على معظم مجموعات النسور في الهند، وفي آسيا عموماً قضى على 10 ملايين نسر، أي 99.9 في المائة من نسور آسيا. لكن بعد ذلك، قررت الهند حظر استخدام هذا الدواء على أمل أن تسترجع النسور أعدادها قبل أن تنقرض. في المقابل، وافقت حديثاً كل من إسبانيا وإيطاليا على استخدام "ديكلوفناك"، وهو أمر سوف يزيد من دون شك الضغط على النسور وأعدادها، بل سوف يقضي على نسور أوروبا. ولن يقتصر الأمر عليها، بل سينال كذلك من العقبان الذهبية والعقبان الإمبراطورية الإسبانية المهدّدة.
والقضاء على النسور سوف يجعل الحيوانات النافقة تتعفّن في البراري، الأمر الذي يؤدي إلى انتشار الكلاب الضالة لتتغذّى عليها كتعويض إيكولوجي لملء الفراغ الناتج عن غياب النسور. بالتالي، سوف يزداد احتمال انتشار داء الكلب. صحيح أنّ هلاك النسور يتمّ عن غير قصد، لكن في لبنان وفي بعض البلدان العربية ثمّة من يقتل النسور ببنادقه كهواية مكروهة.
(متخصص في علم الطيور البرية)