النظام المرتزق

24 أكتوبر 2015
+ الخط -
هل هناك مزيد من الدعم الخارجي المتاح لم يستعن به النظام السوري؟ سؤال تفرضه الأخبار المتوالية عن وفود من المقاتلين والمستشارين القادمين لدعم هذا النظام "بناء على طلبه". جديد هذه المعطيات كان عن زيادة إيران عدد "المستشارين العسكريين" في سورية، لينضموا بذلك إلى آخرين، يقاتلون في بلاد الشام من دون إعلان مسبق، وهو ما تفضحه أعداد المقتولين من قوات الحرس الثوري وقيادييه. ربما لم يطلب النظام هؤلاء، بل أتوا في إطار الأمر الواقع، إذ يعتبرون بشار الأسد خط الدفاع الأمامي عن النظام في إيران، وسقوطه سيكون بمثابة أحد أحجار الدومينو المؤدية إلى طهران، فسواء طلب الأسد الدعم أم لم يطلبه، كان على الإيرانيين وحلفائهم الدخول مباشرة في المعركة.
بعد الإيرانيين، جاء دور الروس للمشاركة في الحرب السورية، أيضاً "بناء على طلب النظام". بغض النظر عن هذا الطلب والمعلومات التي ذكرت أنه لاحتواء النفوذ الإيراني المتصاعد على الأراضي السورية، فإن للروس غاياتهم الخاصة فيه، وأولوياتهم، والتي بالتأكيد ليس منها الحفاظ على النظام السوري، بقدر ما هي استخدامه في تسويات أخرى، وتصفية حسابات مع الغرب في ملفات ثانية، لعل أوكرانيا أبرزها، خصوصاً أن موسكو لم تهضم الكم الهائل من العقوبات التي فرضت عليها بعد تدخلها المباشر في أوكرانيا.
بين الروس والإيرانيين، يوجد المقاتلون اللبنانيون الممثلون في حزب الله، والعراقيون عبر مليشيات "الحشد الشعبي" والأفغان، كلهم في إطار سياسة المحاور التي ترى في بقاء النظام السوري، حتى ولو بشكل صوري، مصلحة خاصة لا علاقة للسوريين بها.
مع ذلك، ووسط هذا الكم الهائل من المرتزقة، والتي لم تعد مقتصرة على الأفراد، بل باتت تشمل الدول، يخرج الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ليقول إن مصير الرئيس السوري يقرره الشعب السوري في انتخابات شفافة. لكن، لا ندري عن أي شعب يتم الحديث، في وقت لم يعد للأسد فيه من يقف معه في الداخل، ما اضطره إلى اللجوء إلى المستشارين والمقاتلين من الخارج. وإذا تم تجاهل هذا الواقع، وواقع آخر هو أن النظام لم يعد يسيطر على أكثر من أربعين في المائة من مساحة سورية، فعن أي شعب يتم الحديث. هل هو الشعب فقط الموجود في مناطق سيطرة النظام السوري، وهو تلقائياً من الموالين له، أو الواقعين تحت رحمة استبداده. وفي حال تم توسيع المساحة الجغرافية الانتخابية إلى مناطق المعارضة المسلحة، مستثنين مناطق "داعش" بالتأكيد، نسأل أي شعب بقي فيها في ظل الحرب العالمية السورية الإيرانية الروسية، وقصف البراميل والسوخوي. ربما كي تكون الانتخابات فعلاً شاملة، يجب أن تكون رقعتها الجغرافية أوسع بشكل كبير جداً، وتمتد إلى مخيمات اللجوء في الدول المحيطة، وأيضاً الدول الأوروبية التي فر إليها السوريون بحراً وبراً.
لكن قبل الوصول إلى هذه المرحلة الطموحة في الحديث عن "المستقبل السياسي السوري"، علينا أن ننظر إلى دور النظام نفسه في هذا المستقبل الذي يتم تحديده في اجتماعات ليس للنظام دور فيها. فبعدما تم استدعاء الأسد على عجل إلى موسكو للقاء بوتين، دارت العجلة السياسية بسرعة، من دون أن يتم تحديد وجهتها. لكن، من الواضح أن دور النظام فيها، ومن خلفه إيران، ليس إلا منفذ تعليمات روسيا، والتي باتت تدير الدفتين العسكرية والسياسية، وأصبحت الناطق الرسمي المعبر عن الوضع السوري.
تؤشر كل هذه المعطيات الميدانية والسياسية إلى أن النظام نفسه بات مرتزقاً على الأرض السورية المفتوحة على قوى متعددة الجنسيات، يقتصر دور الأسد فيها على المراقبة وانتظار التعليمات الآتية من عواصم القرار السوري، والتي لم تعد دمشق واحدة منها.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".