بعد شهرين من إنكار توجّه الحكومة المصرية إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي، أعلنت الحكومة ذاتها موافقة الصندوق (على مستوى الخبراء) على إقراض مصر 12 مليار دولار يوم أمس، على أن يعرض على مجلس إدارة الصندوق خلال الأسابيع القليلة المقبلة. بينما أحالت الحكومة اتفاقية الاقتراض من البنك الدولي إلى البرلمان، وهي الاتفاقية التي بمقتضاها ستحصل على 3 مليارات و500 مليون دولار. وهذه ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها نظام رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي إلى الاقتراض، فمنذ نوفمبر/تشرين الثاني عام 2014 وطريق الاقتراض مفتوح، ونتائج اشتراطاته المؤلمة بدأت تتضح للجميع.
لم يعد خافياً أن النظام المصري يحاول معالجة أزماته الاقتصادية لتأمين استقرار حكمه، مهما
كلف ذلك من تبعات على مصر وشعبها. وبالنهج الإنكاري عينه الذي طبع سلوك الحكومة، عبر إعلانها بلسان وزير ماليتها أن لا شروط مفروضة على مصر مقابل الحصول على القرض، درات عملية التفاوض، إذ حجبت الحكومة الحقائق عن الشعب، أو سرّبت تصريحات متضاربة، تمهيداً لاستقبال هادئ لشروط الاقتراض.
ومن المعروف أن المؤسسات المالية الدولية لا تُقرض الدول إلا تحت شروط محددة، تضمن أولاً قدرة الدول على السداد، وثانياً تحقيق أرباح من الاقتراض تتمثل في نسب فوائد القروض، بالإضافة إلى المكاسب الاقتصادية التي تعود على التكتلات الاقتصادية الكبرى من تطبيق السياسات المفروضة على الدول المقترضة.
وكانت مصر قد وضعت في بيانها المالي للموازنة الأخيرة برنامجاً للإصلاح الاقتصادي يتضمن كل اشتراطات صندوق النقد، وكأنه يعبّد الطريق أمام الاقتراض. والحال أن ما جرى من مفاوضات ومن ثم الموافقة على الإقراض من قبل الصندوق، يشي بأن مصر سوف تتجه إلى اعتماد إجراءات اقتصادية قاسية، بعدما حصلت على القرض، منها تقليص الإنفاق على الأجور، والحدّ من عدد العاملين الحكوميين، وتقليص إمكان دخول موظفين جدد إلى جهاز الدولة.
اقــرأ أيضاً
وستنفذ الحكومة هذه الإجراءات مستندة إلى قانون الخدمة المدنية. كما أنها ستتضمن طرح القطاعات الإنتاجية للبيع، الأمر الذي وضعته الحكومة ورئاسة الجمهورية ضمن برنامج عاجل لطرح الشركات في البورصة، وهو ما طالب صندوق النقد بالتوسع فيه، وستضمن الإجراءات
أيضا تعديلات على السياسات النقدية، كتحرير سعر صرف الجنيه، ومنح حوافز أكبر للمستثمرين، وتوسيع مظلة الضرائب، لتكوين دخل إضافي إلى موارد الدولة يمكّنها من سداد القرض.
على أن اشتراطات صندوق النقد لا تتوقف عند هذا الحد، إذ ستشمل، أن يمارس الصندوق الرقابة على أداء الاقتصاد المصري، بحيث يضمن تنفيذ اشتراطاته، وهو الأمر الذي يخضع الإدارة الاقتصادية لغير المصريين.
ليست مصر بمفردها من سيقع تحت الديون، فتونس أيضاً سبقتها، حيث حصلت على قرض بقيمة 2.8 مليار دولار وفق الشروط عينها التي طرحت على مصر، ليقتصر الخلاف على حجم القرض، بالإضافة إلى طريقة تمريره، حيث تستطيع الحكومة التونسية الموافقة عليه بدون إقراره في البرلمان، بينما يُشترط في مصر إقرار القرض من مجلس النواب.
لكن، حين نأخذ في الاعتبار حقيقة أن معظم أعضاء البرلمان المصري يعدون دمية في يد السلطة، التي أتت بهم إلى مواقعهم، يغدو الخلاف شكلياً، نظراً لكون الغالبية منهم لن تتخذ موقفاً مخالفاً للذي جاء بها إلى مواقعها.
أمام ما تقدم، يبقى الثابت أن الآثار الاجتماعية على الطبقات الشعبية بمصر وتونس سوف تكون قاسية، مما سيدفع إلى توترات اجتماعية في البلدين، واحتمالات توتر سياسي لا يعرف مصيره أو عواقبه أحد في ظل ضعف بنى المعارضة وعجزها عن تنظيم المعترضين.
اقــرأ أيضاً
يتضح من سلسلة القروض التي حصلت عليها مصر وتونس أن حصارهما بالديون أصبح واقعاً، حيث سيواجه الشعبان المصري والتونسي خلال الأشهر المقبلة، وبعدما انتفضا ضد الظلم والقهر، إعادة إنتاج السياسات الاقتصادية لحسني مبارك وزين العابدين بن علي.
وفيما ينتظر النظامان أن تعالج القروض الأزمات التي تسببت فيها سياساتهما، إلا أنهما ينطلقان من افتراض أن الشعوب التي غابت عن الميادين، لن تعترض على تلك الإجراءات القاسية، متكئين أيضاً إلى امتلاكهما أدوات القمع والقدرة على استخدامها...
لم تتعلم النظم الدرس بعد، فحين تجوع الشعوب وتُذل لا تهاب الجلادين.
(باحث في الأنثربولوجيا الاجتماعية)
ومن المعروف أن المؤسسات المالية الدولية لا تُقرض الدول إلا تحت شروط محددة، تضمن أولاً قدرة الدول على السداد، وثانياً تحقيق أرباح من الاقتراض تتمثل في نسب فوائد القروض، بالإضافة إلى المكاسب الاقتصادية التي تعود على التكتلات الاقتصادية الكبرى من تطبيق السياسات المفروضة على الدول المقترضة.
وكانت مصر قد وضعت في بيانها المالي للموازنة الأخيرة برنامجاً للإصلاح الاقتصادي يتضمن كل اشتراطات صندوق النقد، وكأنه يعبّد الطريق أمام الاقتراض. والحال أن ما جرى من مفاوضات ومن ثم الموافقة على الإقراض من قبل الصندوق، يشي بأن مصر سوف تتجه إلى اعتماد إجراءات اقتصادية قاسية، بعدما حصلت على القرض، منها تقليص الإنفاق على الأجور، والحدّ من عدد العاملين الحكوميين، وتقليص إمكان دخول موظفين جدد إلى جهاز الدولة.
على أن اشتراطات صندوق النقد لا تتوقف عند هذا الحد، إذ ستشمل، أن يمارس الصندوق الرقابة على أداء الاقتصاد المصري، بحيث يضمن تنفيذ اشتراطاته، وهو الأمر الذي يخضع الإدارة الاقتصادية لغير المصريين.
ليست مصر بمفردها من سيقع تحت الديون، فتونس أيضاً سبقتها، حيث حصلت على قرض بقيمة 2.8 مليار دولار وفق الشروط عينها التي طرحت على مصر، ليقتصر الخلاف على حجم القرض، بالإضافة إلى طريقة تمريره، حيث تستطيع الحكومة التونسية الموافقة عليه بدون إقراره في البرلمان، بينما يُشترط في مصر إقرار القرض من مجلس النواب.
لكن، حين نأخذ في الاعتبار حقيقة أن معظم أعضاء البرلمان المصري يعدون دمية في يد السلطة، التي أتت بهم إلى مواقعهم، يغدو الخلاف شكلياً، نظراً لكون الغالبية منهم لن تتخذ موقفاً مخالفاً للذي جاء بها إلى مواقعها.
أمام ما تقدم، يبقى الثابت أن الآثار الاجتماعية على الطبقات الشعبية بمصر وتونس سوف تكون قاسية، مما سيدفع إلى توترات اجتماعية في البلدين، واحتمالات توتر سياسي لا يعرف مصيره أو عواقبه أحد في ظل ضعف بنى المعارضة وعجزها عن تنظيم المعترضين.
يتضح من سلسلة القروض التي حصلت عليها مصر وتونس أن حصارهما بالديون أصبح واقعاً، حيث سيواجه الشعبان المصري والتونسي خلال الأشهر المقبلة، وبعدما انتفضا ضد الظلم والقهر، إعادة إنتاج السياسات الاقتصادية لحسني مبارك وزين العابدين بن علي.
وفيما ينتظر النظامان أن تعالج القروض الأزمات التي تسببت فيها سياساتهما، إلا أنهما ينطلقان من افتراض أن الشعوب التي غابت عن الميادين، لن تعترض على تلك الإجراءات القاسية، متكئين أيضاً إلى امتلاكهما أدوات القمع والقدرة على استخدامها...
لم تتعلم النظم الدرس بعد، فحين تجوع الشعوب وتُذل لا تهاب الجلادين.
(باحث في الأنثربولوجيا الاجتماعية)