كان التزّاحم الشديد منذ اللحظات الأولى لافتتاح معرض القاهرة الدولي للكتاب مصدر سعادة للناشرين والعارضين الذين يتسابقون سنوياً للحصول فيه على موطأ قدم. وقد ظل هذا المعرض طيلة عقود عرساً ثقافياً شعبياً، ينتظره الشباب والمثقفون.
غير أن الحال في سنواته الأخيرة لم يعد نفس الحال، فمصر بأسرها لم تعد كما كانت بالأمس، ويبدو الإقبال العام من الجماهير ودور النشر متوسطاً، بالرغم من البشرى المعدة سلفاً بأنه سوف يتجاوز حاجز الثلاثة ملايين زائر، في حين يأتي المظهر العام لأماكن النشر أقل من المتوسط من ناحية التنظيم الذي يتسم بالعشوائية، وغياب الذوق الجمالي، وضعف مستوى النظافة العامة.
ولا يزال المسؤولون في مصر يزعمون بأنّ هذا المعرض يعدّ ثاني أهم معرض للكتاب في العالم بعد معرض فرانكفورت، مثلما جاء في سياق كلام الدكتور هيثم الحاج علي رئيس الهيئة العامة للكتاب، فإن هذا الزعم يترتب عليه سلبيات متعددة؛ أبرزها ارتفاع أسعار الحجز، بالرغم من المساحات الشاسعة في منطقة (أرض المعارض).
شاركت 34 دولة هذا العام في المعرض الذي استمر من 27 يناير حتى 10 فبراير؛ منها 21 دولة عربية وإفريقية و13 دولة أجنبية؛ هي: إيطاليا، وروسيا، وأذربيجان، والهند، وألمانيا، وفرنسا، وجمهورية التشيك، واليونان، والصين، وأثيوبيا وإريتريا وكازاخستان، وباراغواي. حيث بلغ عدد الناشرين 850 ناشراً؛ منهم 50 ناشراً أجنبياً و250 ناشراً عربيا و550 ناشراً مصرياً بالإضافة إلى 118 عارضاً مصرياً في العرض المكشوف المسمى "سور الأزبكية".
أبرز المستجدات على معرض الكتاب هذا العام هو ما أقدمت عليه الهيئة من طباعة خريطة للمعرض للتيسير على الزائرين. كذلك إصدار تطبيق "عم أمين" لمستخدمي الهواتف الذكية للتعرف على أماكن المكتبات ودور النشر والفاعليات المقامة ومواعيدها من خلال خريطة تفاعلية، باستخدام خاصية GPS. بينما غاب عن المعرض هذا العام (الطفط) وهو قاطرة كانت تقوم بنقل الزوار من أماكنهم إلى بوابات المعرض، مما جعلهم عرضة لحمل كتبهم الثقيلة لمسافات طويلة، أو الاستعانة بـ "شيالين" غير محترفين في حمل الكتب والحفاظ عليها!
تقاليد ثابتة
صار تقليداً في معرض الكتاب أن يتم اختيار عنوان ثقافي للفعاليات، وشخصية ثقافية، وضيف شرف. كان عنوان "الثقافة في المواجهة" هذا العام متسقاً مع توجه الحكومة في توظيف كل أذرعها الإعلامية والاجتماعية والثقافية بتمرير فكرة أن البلاد تواجه إرهاباً متوحشاً، في محاولة لاستعادة مضمون الشعار الناصري: لا صوت يعلو فوق صوت المعركة. حيث محاولة عسكرة المجتمع في مواجهة أي معارضة تحت ذريعة أن المعارضة تعطل الدولة في حربها ضد الإرهاب.
فيما كان اختيار الأديب الراحل "جمال الغيطاني" 1945-2015 شخصية المعرض متسقاً مع العنوان، وفقاً للمسؤولين الذين لفت انتباههم أن الغيطاني عمل مراسلاً حربياً سنة 1969 على جبهة القتال في حرب الاستنزاف، دون أن يلفت انتباههم أن الغيطاني اعتقل قبيل نكسة 1967 لموقف سياسي معارض في الحقبة الناصرية. وكانت الفعاليات الثقافية قد خصصت سبع ندوات تغطي الجوانب الإبداعية لدى الغيطاني: الصحافية والروائية والدرامية، وتأثيره في الآداب الأجنبية.
أما اختيار دولة البحرين ضيف شرف المعرض هذا العام فكان دافعاً للتنسيق لعقد ندوة بعنوان "علاقة البحرين بمصر وتأثير القاهرة الثقافي على حركة الإبداع في المنامة".
الهاجس السياسي والأمني
الصبغة الأمنية التي اصطبغت بها الدولة لم تخطئ هذه الدورة من حيث الحضور المزعج لرجال الشرطة خارج المعرض حيث شغلوا جميع ساحات الانتظار مدججين بالسلاح؛ ولذا يُضطر زوار المعرض إلى السير بعيداً، والتطفل على شوارع الأحياء المجاورة لأرض المعارض؛ وترك سياراتهم في أماكن غير مخصصة كالشوارع الجانبية، التي يستثمرها بعض المتطفلين ويؤجرونها لزوار المعرض.
أما في داخل المعرض، فيظهر بين الحين والآخر مجموعة من المخبرين وأمناء الشرطة الذين يتجاوزون دورهم الطبيعي في بث الأمان، إلى محاولة إظهار هويتهم السلطوية، خاصة على الباعة الشعبيين في "سور الأزبكية". أو تعكير صفو بعض الشباب.
وقد خلى معرض الكتاب هذا العام من أي مظاهرات أو هتافات شبابية من أي نوع، وهو الذي كان منذ السبعينات مركزاً للحركة الشبابية وتظاهراتها.
الهاجس السياسي في مصر بلغ حدّاً غريباً بترويع بعض دور النشر التي تقوم ببيع كتب الشيخ يوسف القرضاوي المعارض للنظام، حيث وجّهت بعض الأذرع الإعلامية الموالية للنظام ما يشبه البلاغ المفتوح ضد "مكتبة وهبة" التي تقوم بطباعة كتب القرضاوي ونشرها داخل المعرض.
تطبيع في الأفق
في مقابل ذلك، اعتبرت الإذاعة الإسرائيلية العامة عرض كتاب أعده "جاكي حوكي" مراسل إذاعة الجيش الإسرائيلي بعنوان: "ألف ليلة قم"، في معرض القاهرة الدولي للكتاب دليلا على عمق التحولات الثقافية التي طرأت في مصر مؤخرا بعد صعود السيسي إلى سدة الحكم. حيث قال المستشرق الإسرائيلي "إيلي فودا": السماح بعرض كتاب لمراسل في إذاعة عسكرية إسرائيلية في معرض الكتاب بالقاهرة خطوة تاريخية؛ رغم أن كتاباً عرباً كثيرين مُنعت كتبهم من العرض هناك"!
كتب محظورة
وتفرض السلطات المصرية الوصاية الثقافية على الكتب القادمة من تركيا وهو ما حدا بها لعدم المشاركة، والرقابة المصرية عموماً تستغرق وقتاً طويلاً للسماح لها بالدخول إلى مصر، وفي كثير من الأحيان تعاد إلى مصادرها مرة أخرى من المطار. وهو ما يعني أن دور النشر قد تتورط في حجز موقع بمبلغ كبير من دون أن يسمح لها بعرض كتب، وهو مشهد حدثت له وقائع مشابهة سابقاً بحجة الجمارك والإجراءات!
قائمة الكتب المحظورة بقرار السلطة المصرية كان من بينها، والأعمال الكاملة بعنوان "من أجل الخبز وحده" للأديب المغربي محمد شكري، وكتاب "الحب في السعودية" لإبراهيم بادي، ورواية "كأنها نائمة" للكاتب اللبناني إلياس خوري، وكتاب "أوراق حياتي" لنوال السعداوي، الصادر عن دار الآداب اللبنانية، بالرغم من صدوره منذ عشر سنوات عن دار الهلال الحكومية المصرية، وكتاب "سقوط الإمام"، و"الإله يقدم استقالته فى اجتماع القمة" وكلاهما للسعداوي عن مكتبة مدبولي.
التراث والمعاصرة
برامج الكتب الإلكترونية التراثية كان لها حضور كبير في المعرض، ولهذه البرامج دور ملحوظ في خفض أسعار الكتاب الورقي والإضرار به، فضلاً عن عمليات السطو الإلكتروني، وعلى سبيل المثال؛ يعاني بعض المحققين من ركود مؤلفاتهم، مثل الدكتور بشار عواد معروف الذي سُرق كتابه "المسند الجامع المعلل" ونشر على الإنترنت بعد أيام من طرحه في السوق، وهو الكتاب الذي أصدرته دار الغرب التونسية، في 40 مجلداً، ويقترب سعره من خمسة آلاف جنيه!
في المقابل؛ فإن حالة الجنيه المصري المنهارة أمام الدولار تسببت في ارتفاع كبير للغاية في أسعار الكتب القادمة من الخارج من وجهة نظر المواطن المصري متوسط الدخل.
بعض دور النشر الحديثة استطاعت أن تحفر لنفسها مكاناً في عقل المثقف العربي، وفي ميزانيته أيضاً، حيث تحتفظ لنفسها بمستوى مقبول من التوزيع بالرغم من ارتفاع أسعارها، لارتفاع سعر الدولار وحداثة الكتب وتميز مؤلفيها، مثل الشبكة العربية للأبحاث، والمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ومركز دراسات الوحدة العربية.
ولا تزال تحتفظ المؤسسات الثقافية الرسمية بقائمة عريضة من المؤلفات الجيدة ذات الأسعار المناسبة، مثل الهيئة المصرية العامة للكتاب التي تحظى بنصيب الأسد في الدار، وتقدم خصومات على بعض إصداراتها تصل إلى 90%، كما أن سلاسل "مكتبة الأسرة" المدعومة من الدولة، والتي تنشرها الهيئة منذ عدة سنوات تحظى بدعم جديد داخل المعرض وإقبال شديد من الجماهير. يضاف إليها إصدارات "المجلس الأعلى للثقافة" بعناوينها المميزة وطباعتها الجيدة، و"المركز القومي للترجمة" الذي يقدم تخفيضات على جميع الإصدارات بنسبة 50% لبعض الفئات كالطلاب والباحثين والأكاديميين والإعلاميين و(ضباط الشرطة والجيش!).
الابتكار الجديد في مجال التخفيضات أطلقته وزارة التموين والتجارة الخارجية بالتعاون مع وزارة الثقافة تحت عنوان (مبادرة كتاب ورغيف) وتضمن خصم 90% من قيمة أي كتاب خلال فترة المعرض لحاملي بطاقة التموين.
نشاط ثقافي موجّه
تنوعت فعاليات النشاط الثقافي هذا العام إلى ندوات وورش عمل وعروض مسرحية وأفلام وثائقية وغيرها، وتصل الفاعليات إلى حوالي 50 مناسبة يومياً، بمجموع 560 فعالية. وإلى جانب الاحتفاء بجمال الغيطاني باعتباره شخصية الدورة الـ47، عقدت عدة ندوات بمناسبة مرور عشر سنوات على وفاة الروائي نجيب محفوظ. أشهر العناوين التي تقام تحتها الندوات: كاتب وكتاب، المقهى الثقافي، الموائد المستديرة، الاحتفاليات الفنية، ملتقى الشباب، نشاط الطفل.
كما خصصت قاعة سينمائية لعرض "ذاكرة المعرض" وهي مخصصة لعرض تسجيلات قديمة لأمسيات شعرية وندوات قديمة ومناظرات أقيمت على هامش المعرض منذ افتتاحه، ومن بينها تسجيلات لنزار قباني ومحمود درويش وعبد الرحمن الأبنودي، وفرج فودة ونصر حامد أبو زيد ومحمد حسنين هيكل. كذلك عرض بقاعة السينما 13 فيلماً وثائقياً شاركت بها وزارة الدفاع وتتحدث عن بطولات الجيش المصري، بجانب مجموعة أفلام للأطفال.
مجموعة كبيرة من الشخصيات الفكرية العربية والأجنبية كانت ضيوفاً على فعاليات المعرض؛ من بينهم الروائي الصيني ليو جين يون، هاني عازر المهندس المصري الألماني، وشكري المبخوت من تونس، وأحمد المديني وحسن أوريد من المغرب، جورج قرم، كارلو روفايللى من فرنسا، حسن حنفي من مصر. وغيرهم.
لكن الحقيقة أن معظم الفعاليات وعناوينها كانت باردة المضمون والمعالجة، نظراً للظروف السياسية التي تحيط بعملية التنظيم، أما الضيوف فقد استبعدت إدارة المعرض وأقصت عن عمد جميع من لا ينتمي لحظيرة السلطة، سواء أكانوا إسلاميين أو ليبراليين أو يساريين!
غير أن الحال في سنواته الأخيرة لم يعد نفس الحال، فمصر بأسرها لم تعد كما كانت بالأمس، ويبدو الإقبال العام من الجماهير ودور النشر متوسطاً، بالرغم من البشرى المعدة سلفاً بأنه سوف يتجاوز حاجز الثلاثة ملايين زائر، في حين يأتي المظهر العام لأماكن النشر أقل من المتوسط من ناحية التنظيم الذي يتسم بالعشوائية، وغياب الذوق الجمالي، وضعف مستوى النظافة العامة.
ولا يزال المسؤولون في مصر يزعمون بأنّ هذا المعرض يعدّ ثاني أهم معرض للكتاب في العالم بعد معرض فرانكفورت، مثلما جاء في سياق كلام الدكتور هيثم الحاج علي رئيس الهيئة العامة للكتاب، فإن هذا الزعم يترتب عليه سلبيات متعددة؛ أبرزها ارتفاع أسعار الحجز، بالرغم من المساحات الشاسعة في منطقة (أرض المعارض).
شاركت 34 دولة هذا العام في المعرض الذي استمر من 27 يناير حتى 10 فبراير؛ منها 21 دولة عربية وإفريقية و13 دولة أجنبية؛ هي: إيطاليا، وروسيا، وأذربيجان، والهند، وألمانيا، وفرنسا، وجمهورية التشيك، واليونان، والصين، وأثيوبيا وإريتريا وكازاخستان، وباراغواي. حيث بلغ عدد الناشرين 850 ناشراً؛ منهم 50 ناشراً أجنبياً و250 ناشراً عربيا و550 ناشراً مصرياً بالإضافة إلى 118 عارضاً مصرياً في العرض المكشوف المسمى "سور الأزبكية".
أبرز المستجدات على معرض الكتاب هذا العام هو ما أقدمت عليه الهيئة من طباعة خريطة للمعرض للتيسير على الزائرين. كذلك إصدار تطبيق "عم أمين" لمستخدمي الهواتف الذكية للتعرف على أماكن المكتبات ودور النشر والفاعليات المقامة ومواعيدها من خلال خريطة تفاعلية، باستخدام خاصية GPS. بينما غاب عن المعرض هذا العام (الطفط) وهو قاطرة كانت تقوم بنقل الزوار من أماكنهم إلى بوابات المعرض، مما جعلهم عرضة لحمل كتبهم الثقيلة لمسافات طويلة، أو الاستعانة بـ "شيالين" غير محترفين في حمل الكتب والحفاظ عليها!
تقاليد ثابتة
صار تقليداً في معرض الكتاب أن يتم اختيار عنوان ثقافي للفعاليات، وشخصية ثقافية، وضيف شرف. كان عنوان "الثقافة في المواجهة" هذا العام متسقاً مع توجه الحكومة في توظيف كل أذرعها الإعلامية والاجتماعية والثقافية بتمرير فكرة أن البلاد تواجه إرهاباً متوحشاً، في محاولة لاستعادة مضمون الشعار الناصري: لا صوت يعلو فوق صوت المعركة. حيث محاولة عسكرة المجتمع في مواجهة أي معارضة تحت ذريعة أن المعارضة تعطل الدولة في حربها ضد الإرهاب.
فيما كان اختيار الأديب الراحل "جمال الغيطاني" 1945-2015 شخصية المعرض متسقاً مع العنوان، وفقاً للمسؤولين الذين لفت انتباههم أن الغيطاني عمل مراسلاً حربياً سنة 1969 على جبهة القتال في حرب الاستنزاف، دون أن يلفت انتباههم أن الغيطاني اعتقل قبيل نكسة 1967 لموقف سياسي معارض في الحقبة الناصرية. وكانت الفعاليات الثقافية قد خصصت سبع ندوات تغطي الجوانب الإبداعية لدى الغيطاني: الصحافية والروائية والدرامية، وتأثيره في الآداب الأجنبية.
أما اختيار دولة البحرين ضيف شرف المعرض هذا العام فكان دافعاً للتنسيق لعقد ندوة بعنوان "علاقة البحرين بمصر وتأثير القاهرة الثقافي على حركة الإبداع في المنامة".
الهاجس السياسي والأمني
الصبغة الأمنية التي اصطبغت بها الدولة لم تخطئ هذه الدورة من حيث الحضور المزعج لرجال الشرطة خارج المعرض حيث شغلوا جميع ساحات الانتظار مدججين بالسلاح؛ ولذا يُضطر زوار المعرض إلى السير بعيداً، والتطفل على شوارع الأحياء المجاورة لأرض المعارض؛ وترك سياراتهم في أماكن غير مخصصة كالشوارع الجانبية، التي يستثمرها بعض المتطفلين ويؤجرونها لزوار المعرض.
أما في داخل المعرض، فيظهر بين الحين والآخر مجموعة من المخبرين وأمناء الشرطة الذين يتجاوزون دورهم الطبيعي في بث الأمان، إلى محاولة إظهار هويتهم السلطوية، خاصة على الباعة الشعبيين في "سور الأزبكية". أو تعكير صفو بعض الشباب.
وقد خلى معرض الكتاب هذا العام من أي مظاهرات أو هتافات شبابية من أي نوع، وهو الذي كان منذ السبعينات مركزاً للحركة الشبابية وتظاهراتها.
الهاجس السياسي في مصر بلغ حدّاً غريباً بترويع بعض دور النشر التي تقوم ببيع كتب الشيخ يوسف القرضاوي المعارض للنظام، حيث وجّهت بعض الأذرع الإعلامية الموالية للنظام ما يشبه البلاغ المفتوح ضد "مكتبة وهبة" التي تقوم بطباعة كتب القرضاوي ونشرها داخل المعرض.
تطبيع في الأفق
في مقابل ذلك، اعتبرت الإذاعة الإسرائيلية العامة عرض كتاب أعده "جاكي حوكي" مراسل إذاعة الجيش الإسرائيلي بعنوان: "ألف ليلة قم"، في معرض القاهرة الدولي للكتاب دليلا على عمق التحولات الثقافية التي طرأت في مصر مؤخرا بعد صعود السيسي إلى سدة الحكم. حيث قال المستشرق الإسرائيلي "إيلي فودا": السماح بعرض كتاب لمراسل في إذاعة عسكرية إسرائيلية في معرض الكتاب بالقاهرة خطوة تاريخية؛ رغم أن كتاباً عرباً كثيرين مُنعت كتبهم من العرض هناك"!
كتب محظورة
وتفرض السلطات المصرية الوصاية الثقافية على الكتب القادمة من تركيا وهو ما حدا بها لعدم المشاركة، والرقابة المصرية عموماً تستغرق وقتاً طويلاً للسماح لها بالدخول إلى مصر، وفي كثير من الأحيان تعاد إلى مصادرها مرة أخرى من المطار. وهو ما يعني أن دور النشر قد تتورط في حجز موقع بمبلغ كبير من دون أن يسمح لها بعرض كتب، وهو مشهد حدثت له وقائع مشابهة سابقاً بحجة الجمارك والإجراءات!
قائمة الكتب المحظورة بقرار السلطة المصرية كان من بينها، والأعمال الكاملة بعنوان "من أجل الخبز وحده" للأديب المغربي محمد شكري، وكتاب "الحب في السعودية" لإبراهيم بادي، ورواية "كأنها نائمة" للكاتب اللبناني إلياس خوري، وكتاب "أوراق حياتي" لنوال السعداوي، الصادر عن دار الآداب اللبنانية، بالرغم من صدوره منذ عشر سنوات عن دار الهلال الحكومية المصرية، وكتاب "سقوط الإمام"، و"الإله يقدم استقالته فى اجتماع القمة" وكلاهما للسعداوي عن مكتبة مدبولي.
التراث والمعاصرة
برامج الكتب الإلكترونية التراثية كان لها حضور كبير في المعرض، ولهذه البرامج دور ملحوظ في خفض أسعار الكتاب الورقي والإضرار به، فضلاً عن عمليات السطو الإلكتروني، وعلى سبيل المثال؛ يعاني بعض المحققين من ركود مؤلفاتهم، مثل الدكتور بشار عواد معروف الذي سُرق كتابه "المسند الجامع المعلل" ونشر على الإنترنت بعد أيام من طرحه في السوق، وهو الكتاب الذي أصدرته دار الغرب التونسية، في 40 مجلداً، ويقترب سعره من خمسة آلاف جنيه!
في المقابل؛ فإن حالة الجنيه المصري المنهارة أمام الدولار تسببت في ارتفاع كبير للغاية في أسعار الكتب القادمة من الخارج من وجهة نظر المواطن المصري متوسط الدخل.
بعض دور النشر الحديثة استطاعت أن تحفر لنفسها مكاناً في عقل المثقف العربي، وفي ميزانيته أيضاً، حيث تحتفظ لنفسها بمستوى مقبول من التوزيع بالرغم من ارتفاع أسعارها، لارتفاع سعر الدولار وحداثة الكتب وتميز مؤلفيها، مثل الشبكة العربية للأبحاث، والمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ومركز دراسات الوحدة العربية.
ولا تزال تحتفظ المؤسسات الثقافية الرسمية بقائمة عريضة من المؤلفات الجيدة ذات الأسعار المناسبة، مثل الهيئة المصرية العامة للكتاب التي تحظى بنصيب الأسد في الدار، وتقدم خصومات على بعض إصداراتها تصل إلى 90%، كما أن سلاسل "مكتبة الأسرة" المدعومة من الدولة، والتي تنشرها الهيئة منذ عدة سنوات تحظى بدعم جديد داخل المعرض وإقبال شديد من الجماهير. يضاف إليها إصدارات "المجلس الأعلى للثقافة" بعناوينها المميزة وطباعتها الجيدة، و"المركز القومي للترجمة" الذي يقدم تخفيضات على جميع الإصدارات بنسبة 50% لبعض الفئات كالطلاب والباحثين والأكاديميين والإعلاميين و(ضباط الشرطة والجيش!).
الابتكار الجديد في مجال التخفيضات أطلقته وزارة التموين والتجارة الخارجية بالتعاون مع وزارة الثقافة تحت عنوان (مبادرة كتاب ورغيف) وتضمن خصم 90% من قيمة أي كتاب خلال فترة المعرض لحاملي بطاقة التموين.
نشاط ثقافي موجّه
تنوعت فعاليات النشاط الثقافي هذا العام إلى ندوات وورش عمل وعروض مسرحية وأفلام وثائقية وغيرها، وتصل الفاعليات إلى حوالي 50 مناسبة يومياً، بمجموع 560 فعالية. وإلى جانب الاحتفاء بجمال الغيطاني باعتباره شخصية الدورة الـ47، عقدت عدة ندوات بمناسبة مرور عشر سنوات على وفاة الروائي نجيب محفوظ. أشهر العناوين التي تقام تحتها الندوات: كاتب وكتاب، المقهى الثقافي، الموائد المستديرة، الاحتفاليات الفنية، ملتقى الشباب، نشاط الطفل.
كما خصصت قاعة سينمائية لعرض "ذاكرة المعرض" وهي مخصصة لعرض تسجيلات قديمة لأمسيات شعرية وندوات قديمة ومناظرات أقيمت على هامش المعرض منذ افتتاحه، ومن بينها تسجيلات لنزار قباني ومحمود درويش وعبد الرحمن الأبنودي، وفرج فودة ونصر حامد أبو زيد ومحمد حسنين هيكل. كذلك عرض بقاعة السينما 13 فيلماً وثائقياً شاركت بها وزارة الدفاع وتتحدث عن بطولات الجيش المصري، بجانب مجموعة أفلام للأطفال.
مجموعة كبيرة من الشخصيات الفكرية العربية والأجنبية كانت ضيوفاً على فعاليات المعرض؛ من بينهم الروائي الصيني ليو جين يون، هاني عازر المهندس المصري الألماني، وشكري المبخوت من تونس، وأحمد المديني وحسن أوريد من المغرب، جورج قرم، كارلو روفايللى من فرنسا، حسن حنفي من مصر. وغيرهم.
لكن الحقيقة أن معظم الفعاليات وعناوينها كانت باردة المضمون والمعالجة، نظراً للظروف السياسية التي تحيط بعملية التنظيم، أما الضيوف فقد استبعدت إدارة المعرض وأقصت عن عمد جميع من لا ينتمي لحظيرة السلطة، سواء أكانوا إسلاميين أو ليبراليين أو يساريين!