ويبدو واضحاً من خلال إدارة روسيا للعملية الأخيرة في إدلب (منطقة خفض التصعيد الرابعة)، أنها تتبع السيناريو نفسه الذي اعتمدته في جميع مناطق خفض التصعيد الأخرى المولودة من مسار أستانة، الذي استطاعت موسكو خلاله تمكين النظام من السيطرة على مناطق خفض التصعيد الأولى والثانية والثالثة، باتباع أسلوبي الترهيب والترغيب لسكان المنطقة من جهة، والقيام بعملية قضم تدريجي للمنطقة من جهة أخرى، إلى أن تتمكن من إسقاطها عسكرياً بشكل كامل. وعمدت روسيا، في بداية الحملة على ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي، إلى تدمير المدن بشكل شبه كامل في المناطق التي تنوي الاستيلاء عليها، مثل كفرنبودة والهبيط والزكاة وغيرها، فيما بدأت طائرات النظام ترمي بقصاصات ورقية على المناطق الأبعد، مثل سراقب وخان السبل، تدعو فيها السكان للتعاون مع قوات النظام والدخول في مصالحات تعيدهم إلى "حضن الوطن". كما اعتمدت أسلوب التركيز على قصف المدنيين وفصائل الجيش الحر بهدف القضاء عليه، مع عدم التركيز على قصف مواقع "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، وذلك لكونها تشكل الذريعة لأي عملية تقوم بها.
ونجاح روسيا في اتباع هذا السيناريو في مناطق خفض التصعيد الأخرى، لا يعني أنه قابل للتكرار في إدلب. فبالإضافة إلى وعي الفصائل المسلحة للمخطط الروسي، ورفضها أي هدنة لا تعيدها إلى النقاط التي انطلقت منها، فإن هناك عامل الضغط السكاني الهائل في المنطقة، الذي قد يوحد الموقف التركي والغربي ضد السيناريو الروسي. كما أنه لا يمكن إغفال القوة العسكرية الكبيرة التي تمتلكها الفصائل المسلحة في المنطقة، التي تدخل الروس في حرب استنزاف قد لا تتمكن من تحمل تكاليفها، كما أنها تضعف كثيراً من التوجه الروسي الذي يحاول إقناع المجتمع الدولي بنضج الحل السياسي على الطريقة الروسية، أي إعادة تأهيل النظام، وإقناع الغرب ودول الخليج بالمساهمة بمشروعي إعادة الإعمار وإعادة اللاجئين.