10 نوفمبر 2019
الهيئات الإعلامية العربية... تعديل وتنظيم أم موضة هدفها الرقابة؟
كطفل يخطو خطواته الأولى.. كذلك حال الإعلام العربي، حاله لا يختلف كثيرا عن هذه المقارنة، بعض دول الوطن العربي أصبحت محط أنظار العالم نتيجة للتغييرات الكبيرة التي شهدها إعلامها من ثورات سياسية، وتغيرات فكرية وأيديولوجية، فتشكلت بذلك المجالس والهيئات والهياكل المختصة لتعديل الإعلام وتوجيهه نحو المنحى الصحيح والدخول به في مرحلة متقدمة تكشف عن مدى دمقرطته.
ولنقل أن هذا هو الهدف الرئيسي لهذا النوع من الهياكل، ولكن ماذا لو قلنا إن درجة حرية الإعلام هي أحد أبرز مقاييس تقييم مدى تقدم الدولة وديمقراطيتها، وأن هذه المؤسسات لا يمكنها أن تنشأ في ظل أنظمة سياسية متشددة، إن صح التعبير، أو ربما غير ديمقراطية، وفي الكفة الأخرى نجد أن هذه الهياكل قد تشكلت ونشأت حتى قبل ما يسمى بالثورات العربية في دول من المعروف عن أنظمتها السياسية أنها "محافظة جدا" وربما غير ديمقراطية، الأمر الذي يحيلنا على مفارقة كبيرة وتناقض أكبر.
العراق والأردن والإمارات... التجارب الأقدم في العالم العربي
نشأت أولى الهيئات الإعلامية في الأردن سنة 2003، هذه السنة التي حملت في طياتها وفرة في المواد الإعلامية المهمة، كيف لا والحال أن العراق آنذاك كان يشتعل بعد سقوط بغداد، على إثر الغزو الأميركي، فربما كان للسياق التاريخي والسياسي دور مهم وضروري في نشأة الهيئة التي ستكون وقتها مسؤولة عن تأطير وتوجيه الصحافيين وتنظيم القطاع بشكل عام، وعلى إثرها مباشرة في 2004 وفي العراق أيضا تم إحداث هيئة الإعلام والاتصالات الأولى من نوعها في الشرق الأوسط من ناحية التنظيم المتداخل بين الإعلام والاتصالات.
أما الإمارات فتملك هيئة عامة تسمى المجلس الوطني للإعلام، وهيئات أخرى محلية في إمارة أبوظبي والفجيرة والشارقة، لكن الملفت هنا أن مع هذه الكثافة الإعلامية التي تشهدها الإمارات، إلا أنها قد لا تكشف عن تفتحها في هذا المجال ولا عن حرية الإعلام، فالسلطة هناك ما تزال تشد قبضتها على الإعلام، فوفقا لتقارير منظمة هيومن رايتس واتش، فإن الإمارات تحتل المرتبة 119 بين الدول التي لديها أسوأ مستويات حرية الصحافة، من أصل 180 دولة تم تقييمها من قبل مؤشر حرية الصحافة العالمية لعام 2017.
بالإضافة إلى اعتقال واحتجاز عدد من الصحافيين والإعلاميين كـ(أحمد منصور - ناصر غيث - أسامة النجار)، وغيرها من العقوبات التي قد تصل إلى حد سحب الجنسية والنفي. فكيف لدولة تعيش في ظل مناخ كهذا أن تجمع بين هاته المتناقضات؟
السعودية ومصر... هيئات في سياق مختلف بزي واحد
رغم أن المملكة السعودية كانت السابقة لمصر في هذه التجربة، إلا أن هذا لم يعكس أبدا مدى ديمقراطيتها، بل على العكس من ذلك، والدليل القاطع والظاهر للعيان هي الحادثة الأخيرة المتمثلة بالأساس في مقتل خاشقجي، واعتقال عدد كبير من المدونين وشيوخ الدين، وكل من يعارض النظام، وهذا بشهادة العديد من المنظمات الدولية، كمنظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، وغيرها، والتي كشفت عن جملة من التجاوزات في حق الصحافيين والمدونين.
أما مصر فالسياق يختلف، فكأنها تعيش تأرجحا بين الحكومات المتعاقبة عليها، والتي تشرف بدورها على القطاع الإعلامي، ورغم عراقة المؤسسات الإعلامية فيها، فإذاعة القاهرة كانت المنارة العربية الأولى في العالم العربي، إلى جانب مؤسسة "ماسبيرو"، فمن المتوقع إذن أن تنشئ مؤسسات تهدف إلى تعديل الإعلام وتنظيمه، حيث تمتلك مصر ثلاث هيئات إعلامية، هي، الهيئة الوطنية للإعلام المحدثة في 2017، والتي تعنى بحماية الصحافيين وتضع القواعد الضابطة للقطاع، إلى جانب الهيئة الوطنية للصحافة التي تشرف على إدارة المؤسسات الإعلامية العمومية وتعيين رؤسائها، فضلا عن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وهو الهيكل الأشمل الذي تم تأسيسه في 2016.
لا يكمن الإشكال في هذه الهيئات في حد ذاتها، لكن الإشكال في دورها الحقيقي، فهل هي فعلا صاحبة دور تعديلي أم رقابي، وهل هي تحت أياد مستقلة، أم أن رياح السلطة تعبث بها كيفما شاءت! ربما يمكن تقييم الدور الحقيقي من خلال طبع النظم السياسية التي تحكم هذه الدول، فالسياسة غالبا ما تكون مرآة الموجود في الواقع وتحت أنظمة ملكية أو عسكرية يصعب الأمر حقا، وقد يتعرض الإعلام فعلا إلى الرقابة وحتى "الهرسلة".
تونس والمغرب... تجارب مستوحاة من الواقع الغربي
تمكنت تونس بعد الثورة من إعادة بناء هياكل الإعلام، بعد أن كانت تقبع فعلا تحت خط السلطة المتعجرفة ووكالة الاتصال الخارجي ووزارة الإعلام التي تمكنت من قنص الصحافيين معنويا و"هرسلتهم" واعتقالهم ومعاقبتهم بتعلة أنهم يثيرون البلبلة ويهددون الأمن القومي.
وقد أحدثت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري تحت المرسوم عدد 116 لسنة 2011 في 2013 وباشرت أعمالها قبل انتخابات 2014 الرئاسية، وساهمت بشكل كبير في رصد التجاوزات والخروقات الإعلامية التي تعودت بعض الوسائل على ارتكابها نتيجة إلى عدم درايتها وخبرتها بالمناخ الحر الجديد الذي تعيشه البلاد، ورغم انتهاء عهدة هذه المؤسسة في شهر مايو/أيار الماضي، إلا أن الجدل ما زال قائما بخصوص الإجراءات الجديدة التي ستعيد اختيار أعضاء الهيئة الجدد، وتضبط مهامها بعيداً عن كل التجاذبات السياسية.
أما المغرب فليست ببعيدة عن النموذج التونسي غير أن الواقع الإعلامي في المغرب هو الذي يشكل نقطة الاختلاف، فقد نشأت "الهايكا" قبل سنة واحدة من إنشاء الهيئة الإعلامية في تونس، وهي ليست ببعيدة أيضا عن النماذج الأوروبية، إذ إنها تسعى إلى الاستفادة من الخبرات في هذا المجال، فمؤخرا قابلت رئيسة الهيئة المغربية السفيرة الأسترالية في الرباط للتباحث بخصوص الهيئة والاختصاصات المنوطة بها.
يمكن القول إن السياسة باتت مرآة فعلية للواقع الإعلامي الذي تعيشه الدول العربية، وبات من الضروري الإشارة إلى أن الإعلام هو الوسيلة لضمان الحريات والمقياس الأساسي لمعرفة درجة تحرر كل مجتمع ونظام سياسي، وأن الهيئات الإعلامية ليست بكثرتها، وليست أداة للرقابة ولا موضة إعلامية جديدة تأتي وتذهب مع رياح السلطة.
ولنقل أن هذا هو الهدف الرئيسي لهذا النوع من الهياكل، ولكن ماذا لو قلنا إن درجة حرية الإعلام هي أحد أبرز مقاييس تقييم مدى تقدم الدولة وديمقراطيتها، وأن هذه المؤسسات لا يمكنها أن تنشأ في ظل أنظمة سياسية متشددة، إن صح التعبير، أو ربما غير ديمقراطية، وفي الكفة الأخرى نجد أن هذه الهياكل قد تشكلت ونشأت حتى قبل ما يسمى بالثورات العربية في دول من المعروف عن أنظمتها السياسية أنها "محافظة جدا" وربما غير ديمقراطية، الأمر الذي يحيلنا على مفارقة كبيرة وتناقض أكبر.
العراق والأردن والإمارات... التجارب الأقدم في العالم العربي
نشأت أولى الهيئات الإعلامية في الأردن سنة 2003، هذه السنة التي حملت في طياتها وفرة في المواد الإعلامية المهمة، كيف لا والحال أن العراق آنذاك كان يشتعل بعد سقوط بغداد، على إثر الغزو الأميركي، فربما كان للسياق التاريخي والسياسي دور مهم وضروري في نشأة الهيئة التي ستكون وقتها مسؤولة عن تأطير وتوجيه الصحافيين وتنظيم القطاع بشكل عام، وعلى إثرها مباشرة في 2004 وفي العراق أيضا تم إحداث هيئة الإعلام والاتصالات الأولى من نوعها في الشرق الأوسط من ناحية التنظيم المتداخل بين الإعلام والاتصالات.
أما الإمارات فتملك هيئة عامة تسمى المجلس الوطني للإعلام، وهيئات أخرى محلية في إمارة أبوظبي والفجيرة والشارقة، لكن الملفت هنا أن مع هذه الكثافة الإعلامية التي تشهدها الإمارات، إلا أنها قد لا تكشف عن تفتحها في هذا المجال ولا عن حرية الإعلام، فالسلطة هناك ما تزال تشد قبضتها على الإعلام، فوفقا لتقارير منظمة هيومن رايتس واتش، فإن الإمارات تحتل المرتبة 119 بين الدول التي لديها أسوأ مستويات حرية الصحافة، من أصل 180 دولة تم تقييمها من قبل مؤشر حرية الصحافة العالمية لعام 2017.
بالإضافة إلى اعتقال واحتجاز عدد من الصحافيين والإعلاميين كـ(أحمد منصور - ناصر غيث - أسامة النجار)، وغيرها من العقوبات التي قد تصل إلى حد سحب الجنسية والنفي. فكيف لدولة تعيش في ظل مناخ كهذا أن تجمع بين هاته المتناقضات؟
السعودية ومصر... هيئات في سياق مختلف بزي واحد
رغم أن المملكة السعودية كانت السابقة لمصر في هذه التجربة، إلا أن هذا لم يعكس أبدا مدى ديمقراطيتها، بل على العكس من ذلك، والدليل القاطع والظاهر للعيان هي الحادثة الأخيرة المتمثلة بالأساس في مقتل خاشقجي، واعتقال عدد كبير من المدونين وشيوخ الدين، وكل من يعارض النظام، وهذا بشهادة العديد من المنظمات الدولية، كمنظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، وغيرها، والتي كشفت عن جملة من التجاوزات في حق الصحافيين والمدونين.
أما مصر فالسياق يختلف، فكأنها تعيش تأرجحا بين الحكومات المتعاقبة عليها، والتي تشرف بدورها على القطاع الإعلامي، ورغم عراقة المؤسسات الإعلامية فيها، فإذاعة القاهرة كانت المنارة العربية الأولى في العالم العربي، إلى جانب مؤسسة "ماسبيرو"، فمن المتوقع إذن أن تنشئ مؤسسات تهدف إلى تعديل الإعلام وتنظيمه، حيث تمتلك مصر ثلاث هيئات إعلامية، هي، الهيئة الوطنية للإعلام المحدثة في 2017، والتي تعنى بحماية الصحافيين وتضع القواعد الضابطة للقطاع، إلى جانب الهيئة الوطنية للصحافة التي تشرف على إدارة المؤسسات الإعلامية العمومية وتعيين رؤسائها، فضلا عن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وهو الهيكل الأشمل الذي تم تأسيسه في 2016.
لا يكمن الإشكال في هذه الهيئات في حد ذاتها، لكن الإشكال في دورها الحقيقي، فهل هي فعلا صاحبة دور تعديلي أم رقابي، وهل هي تحت أياد مستقلة، أم أن رياح السلطة تعبث بها كيفما شاءت! ربما يمكن تقييم الدور الحقيقي من خلال طبع النظم السياسية التي تحكم هذه الدول، فالسياسة غالبا ما تكون مرآة الموجود في الواقع وتحت أنظمة ملكية أو عسكرية يصعب الأمر حقا، وقد يتعرض الإعلام فعلا إلى الرقابة وحتى "الهرسلة".
تونس والمغرب... تجارب مستوحاة من الواقع الغربي
تمكنت تونس بعد الثورة من إعادة بناء هياكل الإعلام، بعد أن كانت تقبع فعلا تحت خط السلطة المتعجرفة ووكالة الاتصال الخارجي ووزارة الإعلام التي تمكنت من قنص الصحافيين معنويا و"هرسلتهم" واعتقالهم ومعاقبتهم بتعلة أنهم يثيرون البلبلة ويهددون الأمن القومي.
وقد أحدثت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري تحت المرسوم عدد 116 لسنة 2011 في 2013 وباشرت أعمالها قبل انتخابات 2014 الرئاسية، وساهمت بشكل كبير في رصد التجاوزات والخروقات الإعلامية التي تعودت بعض الوسائل على ارتكابها نتيجة إلى عدم درايتها وخبرتها بالمناخ الحر الجديد الذي تعيشه البلاد، ورغم انتهاء عهدة هذه المؤسسة في شهر مايو/أيار الماضي، إلا أن الجدل ما زال قائما بخصوص الإجراءات الجديدة التي ستعيد اختيار أعضاء الهيئة الجدد، وتضبط مهامها بعيداً عن كل التجاذبات السياسية.
أما المغرب فليست ببعيدة عن النموذج التونسي غير أن الواقع الإعلامي في المغرب هو الذي يشكل نقطة الاختلاف، فقد نشأت "الهايكا" قبل سنة واحدة من إنشاء الهيئة الإعلامية في تونس، وهي ليست ببعيدة أيضا عن النماذج الأوروبية، إذ إنها تسعى إلى الاستفادة من الخبرات في هذا المجال، فمؤخرا قابلت رئيسة الهيئة المغربية السفيرة الأسترالية في الرباط للتباحث بخصوص الهيئة والاختصاصات المنوطة بها.
يمكن القول إن السياسة باتت مرآة فعلية للواقع الإعلامي الذي تعيشه الدول العربية، وبات من الضروري الإشارة إلى أن الإعلام هو الوسيلة لضمان الحريات والمقياس الأساسي لمعرفة درجة تحرر كل مجتمع ونظام سياسي، وأن الهيئات الإعلامية ليست بكثرتها، وليست أداة للرقابة ولا موضة إعلامية جديدة تأتي وتذهب مع رياح السلطة.