تونس بعد الثورة... الخطاب السياسي والهوية
قيل أن الهوية هي كل ما يكتسبه الإنسان من أشياء وطباع خاصة بذاته، وقيل أيضا أنها حلبة الصراع الحقيقية بيننا وبين العدو (عبد الوهاب المسيري)، وربما أيضا ما نُورث لا ما نَرث ما نخترع لا ما نتذكر(محمود درويش)..
كل الاحتمالات واردة، تعددت التعريفات والمعنى واحد، أغلبها مقبول، كأن نقول مثلا بأنها الانتماء إلى الأرض والقبيلة والوطن، وهي أيضا جل السلوكيات التي يكتسبها المرء وتكون أيضا فطرية فيه، لكن الجدل اليوم ما عاد يتلخص في مفهوم الهوية أو علاقتها بالآخر بقدر اتصالها بما يعرف بالخطاب السياسي.
يمثل الخطاب السياسي الرسالة السياسية التي يرغب السياسي في تبليغها والتأثير بها في الرأي العام، كالرسائل التي تبثها الأحزاب أثناء الحملات الانتخابية أو المناسبات الوطنية أو حتى في الانقلابات على الحكومات، وفي الحروب وحالات السلم عموما، بيد أن هذا الخطاب يكتسي صبغة تأثيرية وهو متغير ومتطور بحسب الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
وفي تونس ومنذ الثورة تغيرت الخطابات السياسية بل وتطورت بدرجة كبيرة، فمنذ أن كان الشعب يخضع لسياسة الحزب الواحد والرأي الواحد، بمعنى أوضح خطاب "السابع من نوفمبر"، و"صانع التغيير".. أصبحنا نتحدث عن خطاب سياسي تعددي يساري يميني قومي متزمت وسلفي ووسطى تقدمي ولائكي، كلها مصطلحات طفت وبرزت على الساحة السياسية مما أحدث ضجة في الأوساط الاجتماعية البسيطة وأثر كثيرا في الرأي العام التونسي بما فيها الخطاب السياسي.
وخير دليل على ذلك تأجج الاحتجاجات والتحركات للدفاع عن الهوية التونسية العربية الإسلامية من قبل بعض ذوي التوجه الإسلامي كالسلفيين والجهاديين الذين ظهروا فجأة إبان الثورة والذين امتلأت خطاباتهم بالتحريض على الانتقام والحث على بناء دولة ما يعرف بالشريعة في 2011..
وهم أيضا الذين تدخلوا لمنع عرض فيلم "لا ربي لا سيدي" للمخرجة التونسية نادي الفاني الذي أحدث ضجة، وقد اتهموها بالكفر والإلحاد، وطالبوا بضرورة إقامة الحد عليها، وبعد ثلاثة أشهر من ذلك تم عرض الفيلم الكرتوني بيرسيبوليس على قناة نسمة الذي جسد الذات الإلهية، والذي تعرضت القناة بسببه إلى عدة مشاكل، لم تحلّها إلا بشق الأنفس، ولا ننسى طبعا سنة 2012 التي شهدت هجوم البعض من المتطرفين على معرض العبدلية بالمرسى..
لعب الخطاب السياسي الديني دورا هاما قبيل الانتخابات التشريعية والرئاسية، فالمجتمع كان آنذاك مرتعدا وغير واثق من الأطراف السياسية المترشحة، فما كان اختياره لحركة النهضة إلا تأثرا بخطابها الديني، إذ من المعروف عن طبيعة هذه الخطابات أنها الأكثر قربا ودغدغة لمشاعر الناخبين، كون أن الحجة الدينية هي الأقوى بحسب رأي البعض.
وعلى هذا الأساس شهدت تونس هيمنة الخطاب الديني سواء أكان معتدلا أم متطرفا، تابعا لحركة النهضة أم لحزب التحرير أم لبعض السلفيين، ولهذا بات الشارع التونسي يعي بعض المصطلحات التي لم يكن ليسمع عنها أو يدركها لولا الانتفاضة التي وقعت في 2011..
ولهذا السبب تمزقت الهوية التونسية وباتت غير واضحة المعالم، فمع بورقيبة مثلا كان لها بعد حداثي فيه نوع من القومية العربية إلى جانب بعض المناهج "الغربية" التي كان الهدف من تطبيقها النهوض بالدولة والتقدم بها وتحديث المجتمع، بيد أن ثورة 14 جانفي جاءت حاملة في طياتها مصطلحات وخطابات تاه في زحامها التونسيون..
كيف لا، وكل يغني على ليلاه دون أي بحث أو دراسة أو تفسير للمواطن البسيط الذي أضحى ضحية لبعض الخطابات السياسية التي ساهمت في تغربه عن هويته من خلال الإلقاء به أيضا في بوتقة الصراعات السياسية، وقد نلحظ هذا في كتاب راشد الغنوشي "الحركة الإسلامية في تونس".. فنجده في الفصل الأول يحمل مسؤولية "تغريب" الشعب عن هويته وإجهاض تجربة "التحديث الإسلامي" على عاتق بورقيبة ومن والاه..
وليس بغريب أن تتمزق الهوية التونسية الآن، فقد كانت ورقة سياسة تم توظيفها في تونس عام 1930 في قضية التجنيس، وقد نجد اليوم الرئيس الحالي يقتدي بالمشروع البورقيبي ويقلده في خطاباته السياسية إلى حد كبير لأنه يؤمن بشعبية هذه الشخصية وتأثيرها، وكأنه يريد إعادة إحياء الهوية العربية (القومية).
في النهاية قد نخلص إلى أن المواطن التونسي على الرغم من التعددية التي بات يعيش على وقعها، إلا أنه لا يزال غير قادر على فهم هويته نتيجة لتعدد الأطراف الساسية وضبابية خطاباتها السياسية وربما لضعفها.
كل الاحتمالات واردة، تعددت التعريفات والمعنى واحد، أغلبها مقبول، كأن نقول مثلا بأنها الانتماء إلى الأرض والقبيلة والوطن، وهي أيضا جل السلوكيات التي يكتسبها المرء وتكون أيضا فطرية فيه، لكن الجدل اليوم ما عاد يتلخص في مفهوم الهوية أو علاقتها بالآخر بقدر اتصالها بما يعرف بالخطاب السياسي.
يمثل الخطاب السياسي الرسالة السياسية التي يرغب السياسي في تبليغها والتأثير بها في الرأي العام، كالرسائل التي تبثها الأحزاب أثناء الحملات الانتخابية أو المناسبات الوطنية أو حتى في الانقلابات على الحكومات، وفي الحروب وحالات السلم عموما، بيد أن هذا الخطاب يكتسي صبغة تأثيرية وهو متغير ومتطور بحسب الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
وفي تونس ومنذ الثورة تغيرت الخطابات السياسية بل وتطورت بدرجة كبيرة، فمنذ أن كان الشعب يخضع لسياسة الحزب الواحد والرأي الواحد، بمعنى أوضح خطاب "السابع من نوفمبر"، و"صانع التغيير".. أصبحنا نتحدث عن خطاب سياسي تعددي يساري يميني قومي متزمت وسلفي ووسطى تقدمي ولائكي، كلها مصطلحات طفت وبرزت على الساحة السياسية مما أحدث ضجة في الأوساط الاجتماعية البسيطة وأثر كثيرا في الرأي العام التونسي بما فيها الخطاب السياسي.
وخير دليل على ذلك تأجج الاحتجاجات والتحركات للدفاع عن الهوية التونسية العربية الإسلامية من قبل بعض ذوي التوجه الإسلامي كالسلفيين والجهاديين الذين ظهروا فجأة إبان الثورة والذين امتلأت خطاباتهم بالتحريض على الانتقام والحث على بناء دولة ما يعرف بالشريعة في 2011..
وهم أيضا الذين تدخلوا لمنع عرض فيلم "لا ربي لا سيدي" للمخرجة التونسية نادي الفاني الذي أحدث ضجة، وقد اتهموها بالكفر والإلحاد، وطالبوا بضرورة إقامة الحد عليها، وبعد ثلاثة أشهر من ذلك تم عرض الفيلم الكرتوني بيرسيبوليس على قناة نسمة الذي جسد الذات الإلهية، والذي تعرضت القناة بسببه إلى عدة مشاكل، لم تحلّها إلا بشق الأنفس، ولا ننسى طبعا سنة 2012 التي شهدت هجوم البعض من المتطرفين على معرض العبدلية بالمرسى..
لعب الخطاب السياسي الديني دورا هاما قبيل الانتخابات التشريعية والرئاسية، فالمجتمع كان آنذاك مرتعدا وغير واثق من الأطراف السياسية المترشحة، فما كان اختياره لحركة النهضة إلا تأثرا بخطابها الديني، إذ من المعروف عن طبيعة هذه الخطابات أنها الأكثر قربا ودغدغة لمشاعر الناخبين، كون أن الحجة الدينية هي الأقوى بحسب رأي البعض.
وعلى هذا الأساس شهدت تونس هيمنة الخطاب الديني سواء أكان معتدلا أم متطرفا، تابعا لحركة النهضة أم لحزب التحرير أم لبعض السلفيين، ولهذا بات الشارع التونسي يعي بعض المصطلحات التي لم يكن ليسمع عنها أو يدركها لولا الانتفاضة التي وقعت في 2011..
ولهذا السبب تمزقت الهوية التونسية وباتت غير واضحة المعالم، فمع بورقيبة مثلا كان لها بعد حداثي فيه نوع من القومية العربية إلى جانب بعض المناهج "الغربية" التي كان الهدف من تطبيقها النهوض بالدولة والتقدم بها وتحديث المجتمع، بيد أن ثورة 14 جانفي جاءت حاملة في طياتها مصطلحات وخطابات تاه في زحامها التونسيون..
كيف لا، وكل يغني على ليلاه دون أي بحث أو دراسة أو تفسير للمواطن البسيط الذي أضحى ضحية لبعض الخطابات السياسية التي ساهمت في تغربه عن هويته من خلال الإلقاء به أيضا في بوتقة الصراعات السياسية، وقد نلحظ هذا في كتاب راشد الغنوشي "الحركة الإسلامية في تونس".. فنجده في الفصل الأول يحمل مسؤولية "تغريب" الشعب عن هويته وإجهاض تجربة "التحديث الإسلامي" على عاتق بورقيبة ومن والاه..
وليس بغريب أن تتمزق الهوية التونسية الآن، فقد كانت ورقة سياسة تم توظيفها في تونس عام 1930 في قضية التجنيس، وقد نجد اليوم الرئيس الحالي يقتدي بالمشروع البورقيبي ويقلده في خطاباته السياسية إلى حد كبير لأنه يؤمن بشعبية هذه الشخصية وتأثيرها، وكأنه يريد إعادة إحياء الهوية العربية (القومية).
في النهاية قد نخلص إلى أن المواطن التونسي على الرغم من التعددية التي بات يعيش على وقعها، إلا أنه لا يزال غير قادر على فهم هويته نتيجة لتعدد الأطراف الساسية وضبابية خطاباتها السياسية وربما لضعفها.