بينما كان أكثر من نصف الولايات الأميركية يستعد لفتح جزئي للاقتصاد يوم الاثنين، بضغط من الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإدارته، وأيضاً بضغط من آلاف المواطنين الذين ملوا البقاء بمنازلهم، وتألموا من توقف عملهم وتراجع دخولهم، كانت "جي كرو"، إحدى أكبر سلاسل محال التجزئة في الولايات المتحدة، تعلن إفلاسها وتطلب الحماية من الدائنين.
وبعد أن سرحت 11 ألف موظف الشهر الماضي، مع اضطرارها لإغلاق فروعها المنتشرة في الولايات الأميركية، بسبب تداعيات انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) والجهود المبذولة لاحتوائه، لم يكن لدى الشركة، التي تأسست قبل 37 عاماً، خطط واضحة للمدى الزمني الذي ستتمكن فيه من إعادة فتح محالها التي يتجاوز عددها خمسمائة، فاتفقت مع مجموعة من الدائنين على منحهم حصة في الكيان بعد إعادة هيكلته، تقدر بنسبة 82% من الشركة، مقابل المديونية المستحقة لهم، والبالغة 2 مليار دولار، لو نجحت في الخروج من الإفلاس خلال الأشهر الأربعة المقبلة.
ورغم أن الشركة بدأت أعمالها، في عام 1983، بالبيع من خلال "كتالوغ" تعرض فيه منتجاتها، على النحو المعمول به وقتها، قبل انتشار الإنترنت لدى المستهلك العادي، إلا أنها اتجهت بنشاطها في عام 1989 إلى محال التجزئة الموجودة على الأرض، من خلال فتح أول محلاتها وسط المنطقة الحيوية، الممتلئة بالشركات والبنوك، في حي مانهاتن بولاية نيويورك، في محاولة لجذب الطبقة العاملة مرتفعة الدخل.
واستمرت الشركة في النجاح والتوسع بصورة مبشرة، إلا أن ظهور الإنترنت وانتشاره، ثم بزوغ نجم مبيعات الإنترنت أمازون، وتغوله على سوقٍ يفضل أغلب زبائنها تجنب مشكلات قيادة السيارات أو استخدام المواصلات، تسبب في الحد من نمو "جي كرو" واستمرارها في زيادة أرباحها.
ورغم أن الشركة كانت تبيع نسبة لا يستهان بها من مبيعاتها من خلال الإنترنت، إلا أن عدم قدرتها على مجاراة أمازون في تحفيز مبيعاتها واتباع الأساليب المبتكرة في التسويق، تسببا في عدم تحقيق زيادة تذكر في مبيعاتها خلال السنوات الست الأخيرة، وتحولها إلى الخسارة.
اقــرأ أيضاً
ولم تكن "جي كرو" هي الضحية الوحيدة لعملاق تجارة التجزئة في العصر الحديث أمازون، حيث سبقها إلى التأزم كثيرون، وهناك طابور طويل ينتظر مصيره حالياً، بعد أن زادت أزمة الوباء وأوامر الإغلاق من أوجاعهم، التي لا ينكر أحد أنها كانت موجودة من قبلهما.
وفي مجال تجارة التجزئة وحدها، التي تمثل جزءاً لا يستهان به في الاقتصاد الأميركي، دخلت مؤخراً مجموعة "نيمان ماركوس" في مفاوضات مع مقرضيها، وكذلك فعلت "جي سي بيني" التي كانت نجم مبيعات "الكتالوغ" في العالم في فترة الثمانينيات، من أجل التوصل إلى اتفاق يسمح لهما بإعلان الإفلاس وإعادة الهيكلة.
وفي 2018، أغلقت شركتا "سيرس وك مارت" مئات من المحال الخاصة بهم، والتي كانت منتشرة في الولايات الأميركية، كما أعلنت "ماسيز" قبل فترة نيتها إغلاق 20% من فروعها خلال السنوات الثلاث المقبلة، قبل أن تتعمق أزماتهما في الأسابيع الأخيرة.
لم تكن أزمة الوباء هي السبب الرئيسي لاقتراب كل تلك الشركات من الإفلاس، إلا أنها، شأن أغلب الأزمات الكبرى، سرعت الوصول إلى أحداث كانت آتية لا محالة، وإن كان على مدى زمني أطول.
فمبيعات شركات الإنترنت بدأت منذ سنوات في التهام مبيعات الشركات التقليدية، وتقليص أرباحها، قبل أن تجيء أزمة الوباء الأخيرة لتزيد من أوجاع تلك الشركات، وتقترب بها من حافة هاوية الإفلاس، في وقت أقرب مما كان متوقعاً، وينطبق الأمر نفسه على الدول.
فالولايات المتحدة، وبفعل سياسات ترامب، كانت تسير بقوة نحو اتساع عجز الموازنة لديها وزيادة المديونية، فجاءت الأزمة لتفرض على وزارة الخزانة اقتراض نحو 3 تريليونات دولار خلال الربع الحالي، بعد أن كانت التوقعات اقتراض نحو تريليون واحد خلال السنة المالية الحالية.
اقــرأ أيضاً
واقتصادات الدول الأوروبية الكبرى، ومنها إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وإنكلترا، كانت شديدة الهشاشة من قبل الأزمة، لتكون النتيجة دخولها في مشكلات اقتصادية كبيرة، تظهر علاماتها بوضوح خلال الأسابيع المقبلة.
والاقتصادات الناشئة التي كانت تعاني من عجز دائم في حساباتها الجارية، وكانت تعتمد على تدفقات الأموال الساخنة إليها، مثل مصر ولبنان والأرجنتين، تعرضت وستتعرض عملاتها لضغوط كبيرة بعد أزمة الوباء.
والدول التي كانت لديها طموحات اقتصادية وسياسية كبيرة، تعتمد في تمويلها على ما لديها من ثروات نفطية، مثل السعودية والإمارات، ستضطر إلى تخفيض النفقات والسحب من الاحتياطيات الخارجية، أو التوجه لاقتراض مبالغ ضخمة، بعد التراجع الكبير في أسعار النفط، الذي بدأ قبل الأزمة.
وفي مصر، يتباطأ المسؤولون في إدراك حقائق ثلاثاً، أصبحت واقعاً، ليزداد الوضع الاقتصادي صعوبة، وتتعرض البلاد لمشكلات غير مسبوقة. الحقيقة الأولى، هي تراجع تحويلات المصريين العاملين بدول الخليج، بعد تباطؤ الاقتصاد العالمي وتراجع أسعار النفط، واضطرار كثير من الشركات إلى الاستغناء عن نسبة كبيرة من العمالة لديها.
والحقيقة الثانية هي انخفاض أسعار الغاز الطبيعي العالمية، وتراجع الطلب عليه بفعل التباطؤ الاقتصادي، ويعقد الأمر اتفاق استيراد الغاز الإسرائيلي الذي تم تثبيت أسعاره للسنوات العشر المقبلة.
أما الحقيقة الثالثة فهي تسبب أسعار الوقود المنخفضة، والتي يتوقع أغلب المحللون الاقتصاديون استمرارها لفترات ليست قصيرة، في تحول نسبة كبيرة من ناقلات البضائع إلى طريق رأس الرجاء الصالح، بدلاً من المرور في قناة السويس، وهو ما ظهر في تحويل تحالف "ميرسك" و"ام اس سي"، صاحب أكبر خطوط ملاحية في العالم، ومن قبله خط فرنسي كبير، بعض مساراتها مؤخراً إلى المرور حول القارة الأفريقية، بدلاً من استخدام قناة السويس.
الحقائق الثلاث كانت واردة قبل أزمة الوباء، لكنه سرع من ظهورها، ليكون لها تأثير كبير على الحساب الجاري والعملة المصرية خلال الفترة المقبلة، وهو ما يتطلّب ضرورة العمل على إيجاد بدائل، والتفكير خارج الصندوق، قبل أن تواجه البلاد مصير محلات التجزئة الأميركية.
ورغم أن الشركة بدأت أعمالها، في عام 1983، بالبيع من خلال "كتالوغ" تعرض فيه منتجاتها، على النحو المعمول به وقتها، قبل انتشار الإنترنت لدى المستهلك العادي، إلا أنها اتجهت بنشاطها في عام 1989 إلى محال التجزئة الموجودة على الأرض، من خلال فتح أول محلاتها وسط المنطقة الحيوية، الممتلئة بالشركات والبنوك، في حي مانهاتن بولاية نيويورك، في محاولة لجذب الطبقة العاملة مرتفعة الدخل.
واستمرت الشركة في النجاح والتوسع بصورة مبشرة، إلا أن ظهور الإنترنت وانتشاره، ثم بزوغ نجم مبيعات الإنترنت أمازون، وتغوله على سوقٍ يفضل أغلب زبائنها تجنب مشكلات قيادة السيارات أو استخدام المواصلات، تسبب في الحد من نمو "جي كرو" واستمرارها في زيادة أرباحها.
ورغم أن الشركة كانت تبيع نسبة لا يستهان بها من مبيعاتها من خلال الإنترنت، إلا أن عدم قدرتها على مجاراة أمازون في تحفيز مبيعاتها واتباع الأساليب المبتكرة في التسويق، تسببا في عدم تحقيق زيادة تذكر في مبيعاتها خلال السنوات الست الأخيرة، وتحولها إلى الخسارة.
وفي مجال تجارة التجزئة وحدها، التي تمثل جزءاً لا يستهان به في الاقتصاد الأميركي، دخلت مؤخراً مجموعة "نيمان ماركوس" في مفاوضات مع مقرضيها، وكذلك فعلت "جي سي بيني" التي كانت نجم مبيعات "الكتالوغ" في العالم في فترة الثمانينيات، من أجل التوصل إلى اتفاق يسمح لهما بإعلان الإفلاس وإعادة الهيكلة.
وفي 2018، أغلقت شركتا "سيرس وك مارت" مئات من المحال الخاصة بهم، والتي كانت منتشرة في الولايات الأميركية، كما أعلنت "ماسيز" قبل فترة نيتها إغلاق 20% من فروعها خلال السنوات الثلاث المقبلة، قبل أن تتعمق أزماتهما في الأسابيع الأخيرة.
لم تكن أزمة الوباء هي السبب الرئيسي لاقتراب كل تلك الشركات من الإفلاس، إلا أنها، شأن أغلب الأزمات الكبرى، سرعت الوصول إلى أحداث كانت آتية لا محالة، وإن كان على مدى زمني أطول.
فمبيعات شركات الإنترنت بدأت منذ سنوات في التهام مبيعات الشركات التقليدية، وتقليص أرباحها، قبل أن تجيء أزمة الوباء الأخيرة لتزيد من أوجاع تلك الشركات، وتقترب بها من حافة هاوية الإفلاس، في وقت أقرب مما كان متوقعاً، وينطبق الأمر نفسه على الدول.
فالولايات المتحدة، وبفعل سياسات ترامب، كانت تسير بقوة نحو اتساع عجز الموازنة لديها وزيادة المديونية، فجاءت الأزمة لتفرض على وزارة الخزانة اقتراض نحو 3 تريليونات دولار خلال الربع الحالي، بعد أن كانت التوقعات اقتراض نحو تريليون واحد خلال السنة المالية الحالية.
والاقتصادات الناشئة التي كانت تعاني من عجز دائم في حساباتها الجارية، وكانت تعتمد على تدفقات الأموال الساخنة إليها، مثل مصر ولبنان والأرجنتين، تعرضت وستتعرض عملاتها لضغوط كبيرة بعد أزمة الوباء.
والدول التي كانت لديها طموحات اقتصادية وسياسية كبيرة، تعتمد في تمويلها على ما لديها من ثروات نفطية، مثل السعودية والإمارات، ستضطر إلى تخفيض النفقات والسحب من الاحتياطيات الخارجية، أو التوجه لاقتراض مبالغ ضخمة، بعد التراجع الكبير في أسعار النفط، الذي بدأ قبل الأزمة.
وفي مصر، يتباطأ المسؤولون في إدراك حقائق ثلاثاً، أصبحت واقعاً، ليزداد الوضع الاقتصادي صعوبة، وتتعرض البلاد لمشكلات غير مسبوقة. الحقيقة الأولى، هي تراجع تحويلات المصريين العاملين بدول الخليج، بعد تباطؤ الاقتصاد العالمي وتراجع أسعار النفط، واضطرار كثير من الشركات إلى الاستغناء عن نسبة كبيرة من العمالة لديها.
والحقيقة الثانية هي انخفاض أسعار الغاز الطبيعي العالمية، وتراجع الطلب عليه بفعل التباطؤ الاقتصادي، ويعقد الأمر اتفاق استيراد الغاز الإسرائيلي الذي تم تثبيت أسعاره للسنوات العشر المقبلة.
أما الحقيقة الثالثة فهي تسبب أسعار الوقود المنخفضة، والتي يتوقع أغلب المحللون الاقتصاديون استمرارها لفترات ليست قصيرة، في تحول نسبة كبيرة من ناقلات البضائع إلى طريق رأس الرجاء الصالح، بدلاً من المرور في قناة السويس، وهو ما ظهر في تحويل تحالف "ميرسك" و"ام اس سي"، صاحب أكبر خطوط ملاحية في العالم، ومن قبله خط فرنسي كبير، بعض مساراتها مؤخراً إلى المرور حول القارة الأفريقية، بدلاً من استخدام قناة السويس.