09 سبتمبر 2024
الوطنية وارتباطها بالموقف من إيران
لطالما كان الموقف من الاحتلال الإسرائيلي أحد أهم محدّدات الوطنية في المنطقة العربية، حيث كان يكفي النظر إلى الموقف المعلن لهذا الشخص أو الحزب أو النظام من الاحتلال، من أجل الحكم بأنه وطني أو تابع وعميل، من دون الاكتراث لممارساته الأخرى، حتى لو كانت إجرامية ومافيوية، وإن أدت إلى تقويض فرص بناء دولة متطوّرة صناعية وعلمية وعسكرية. الأمر الذي يدفع إلى الاعتقاد بأن التمسّك بهذا المحدّد وحيدا قد ساهم في طمس قضايا ومسائل عديدة، جوهرية وضرورية وطنيا، بما فيها المؤشرات التي تقيس مدى جدّية هذا الطرف أو ذاك في امتلاك القدرات اللازمة لمجابهة الاحتلال وهزيمته. وبالتالي، أثبتت التجربة العربية عبثية المحاكمة السابقة وسطحيتها، فقد تعددت وتلاحقت الأنظمة "الوطنية " في أكثر من دولة عربية، واستمر حكم بعضها ما يزيد عن ثلاثين عاما من دون أن نلمس أي تقدم في مسار بناء الدولة الحديثة المتطوّرة، كما لم نتقدم قيد أنملة في مسار الخلاص من الاحتلال الإسرائيلي.
وعلى الرغم من هذا الفشل، إلا أن مثقفين وسياسيين عرب ما زالوا يتمسّكون بالنهج السطحي نفسه، بعد إدخال متغيرات ثانوية عليه، عبر استبدال الموقف من الاحتلال الإسرائيلي بالموقف من النظام الإيراني، جاعلين من أي نقد أو رفض أو عداء للسياسات الإيرانية مطية أو ذريعة تخفي عمالة صاحبها، حتى لو جاهر ومارس ما يؤكد موقفه المعادي والرافض جميع أشكال الاحتلالات الداخلية والخارجية، من إسرائيل ومثيلاتها إلى قوى الاستبداد والإجرام والطائفية. وبالتالي أصبح قضيةً حاسمة في تحديد التوجه الوطني، انطلاقا من خطاب إيران العدائي تجاه الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة الأميركية، وبدرجة أقل نتيجة نجاحها في بناء مفاعلها
النووي الخاص بها. وهو ما يضعنا أمام المفارقة المضحكة نفسها في سخافتها، والمبكية في آثارها، والتي تتجسد في حصر أهدافنا الوطنية وقولبتها وفق نمط صوري جامد وثابت محدود الرؤية، يتناسى باقي أهدافنا الوطنية التي، وبشكل ما، يمثل امتلاكها ضرورةً، وربما خطوة أولى لا بد منها، تتمثل في تحرير كل الأراضي العربية من جميع قوى الاحتلال، وفي بناء دولة متحضّرة ومتطورة ومعاصرة، تسودها قيم العدالة والمساواة والحرية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية، بغض النظر عن أولوية أي منهما وتأثيره على الآخر الآن.
لذا وبعد مقارنة أهدافنا الوطنية الكاملة مع المنطلقات والغايات الإيرانية الذاتية، بعيداً عن أوهام بعض العرب، نلحظ سعي إيران إلى بناء قواعد صلبة، داعمة، ومؤيدة، وتابعة لها، خارج حدودها الجغرافية وداخل عمقنا العربي، وهو ما يتطلب ملامسة مشاعر الفضاء الجغرافي العربي، وغاياته وهواجسه، كالموقف من الاحتلال، أو قولبة المجتمع بما يعزّز حضورها الإقليمي، كتعزيز الانقسام الطائفي، ما يجعلها ممثلاً وحيداً لأحد المكونات، وهو ما ينخر في البنية الاجتماعية العربية بالدرجة الأولى، من دون أن تكترث بذلك طبعاً. ومن ثم يتم تعزيز ذلك عبر قوتها المالية المستندة إلى ثرواتها النفطية، ما يمكّنها من ترسيخ هذه القواعد وحمايتها، والتحكم بها عبر سطوة مالية أولاً، وسياسية ثانياً، وطائفية ثالثاً. فبين قوة النظام الناعمة التي تقيس مدى حضوره في فضائه الإقليمي وأهداف النظام الاستراتيجية فرق شاسع لا يجوز تجاوزه، فكي يتحول تحرير أراضينا العربية المحتلة إلى أولوية إيرانية فعلية، يجب أن يتحوّل الاحتلال إلى عائق كبير في وجه التطلعات الإيرانية "الوطنية"، سواء سياسياً أم ثقافياً أو عسكرياً وعلمياً، الأمر الذي يخالفه الواقع، فمن ناحية نجد أن الاحتلال أحد أهم عوامل بناء قوة إيران الناعمة، وأحد أهم مرتكزات تدخلاتها في منطقتنا العربية. كما يصعب ملاحظة أي توجه إسرائيلي، أو حتى دولي، يعيق بناء إيران مفاعلها النووي، بما في ذلك انسحاب الرئيس الأميركي الحالي، ترامب، من الاتفاق النووي معها، ذي الأسباب الاقتصادية والجيوسياسية التي لا تمس أو تقوض برنامجها النووي السلمي، أو حتى مسار بحثها العلمي، بل وحتى حضورها الإقليمي إلى حد ما. وبالتالي، لم ولن يسعى الاحتلال وداعموه إلى منع تطور النظام الإيراني ونموه على المستوى المحلي، في مقابل حرصهم على التحكّم في حجمها وقدراتها وتوجهاتها الإقليمية، ما يجعل الصدام الإيراني - الإسرائيلي، أو حتى الأميركي، أمراً مستبعدا وفق دور إيران الحالي الإقليمي والدولي، من دون أن نستبعد احتمالاته المستقبلية بعيدة المدى بشكل كامل، وهو ما يفسّر إصرارهم على ضبط مجالها الإقليمي، من دون المساس بوجودها وحضورها.
وبالتالي، لن يدفع ارتماء بعض القوى والأنظمة والشخصيات العربية في الحضن الإيراني اليوم
إيران إلى أي صدام حقيقي مع الاحتلال، بقدر ما يعزّز من قوتها الإقليمية، ويرسّخ ممارساتها الطائفية والاستغلالية تجاه منطقتنا العربية، وهو ما يصب فعليا في صالح الاحتلال وإيران الخميني طبعا، فتشتتنا وضعفنا وافتقادنا أي مشروع تحرّري وبنيوي وتنموي يمثل رضوخا لها ولتوجهاتها التي ترسّخ تفتيت المنطقة وتقسيمها اجتماعيا وسياسيا، بما يبعدنا عن أهدافنا الوطنية، ويجعلنا مطية لمصالح إيران الوطنية، أو بالأصح مصالح المسيطرين عليها، فمن البديهي أن ننطلق من أن دحر الاحتلال وهزيمته مهمة عربية أولاً وأخيراً، استناداً إلى دوره التخريبي، وحرصه على إعاقة ودثر أي محاولة عربية تنموية وتحرّرية، تسعى إلى بناء دولة متطوّرة ومتحضرة، تخدم مواطنيها وتساوي في ما بينهم. ولذا لن تُقدم إيران، أو أي قوى أخرى، مهما كان حجمها وقوتها، على ذلك؛ كما لم يقدم الاتحاد السوفييتي في عز قوته؛ كونها لا تمثل حاجة داخلية، أو وطنية ملحّة، لأيٍّ من دول العالم؛ على الرغم من أنها حاجة أخلاقية عالمية؛ فقد أثبت التاريخ والتجربة أن لغة المصالح هي محرّك المجتمع الدولي الأوحد. ولذا وكي ندفع نحو تشكيل تحالف عالمي داعم لحقنا في التحرّر والخلاص النهائي من الاحتلال، علينا أن نظهر قوة قادرة على تحقيق ذلك، من دون هذا التحالف، ما يجعل من دعمنا والتحالف معنا ضرورة رئيسية لدول المنطقة وربما العالم، ما يفرض عليهم مشاركتنا في جني ثمار ما بعد التحرّر بإرادتنا الذاتية.
لذا وبعد مقارنة أهدافنا الوطنية الكاملة مع المنطلقات والغايات الإيرانية الذاتية، بعيداً عن أوهام بعض العرب، نلحظ سعي إيران إلى بناء قواعد صلبة، داعمة، ومؤيدة، وتابعة لها، خارج حدودها الجغرافية وداخل عمقنا العربي، وهو ما يتطلب ملامسة مشاعر الفضاء الجغرافي العربي، وغاياته وهواجسه، كالموقف من الاحتلال، أو قولبة المجتمع بما يعزّز حضورها الإقليمي، كتعزيز الانقسام الطائفي، ما يجعلها ممثلاً وحيداً لأحد المكونات، وهو ما ينخر في البنية الاجتماعية العربية بالدرجة الأولى، من دون أن تكترث بذلك طبعاً. ومن ثم يتم تعزيز ذلك عبر قوتها المالية المستندة إلى ثرواتها النفطية، ما يمكّنها من ترسيخ هذه القواعد وحمايتها، والتحكم بها عبر سطوة مالية أولاً، وسياسية ثانياً، وطائفية ثالثاً. فبين قوة النظام الناعمة التي تقيس مدى حضوره في فضائه الإقليمي وأهداف النظام الاستراتيجية فرق شاسع لا يجوز تجاوزه، فكي يتحول تحرير أراضينا العربية المحتلة إلى أولوية إيرانية فعلية، يجب أن يتحوّل الاحتلال إلى عائق كبير في وجه التطلعات الإيرانية "الوطنية"، سواء سياسياً أم ثقافياً أو عسكرياً وعلمياً، الأمر الذي يخالفه الواقع، فمن ناحية نجد أن الاحتلال أحد أهم عوامل بناء قوة إيران الناعمة، وأحد أهم مرتكزات تدخلاتها في منطقتنا العربية. كما يصعب ملاحظة أي توجه إسرائيلي، أو حتى دولي، يعيق بناء إيران مفاعلها النووي، بما في ذلك انسحاب الرئيس الأميركي الحالي، ترامب، من الاتفاق النووي معها، ذي الأسباب الاقتصادية والجيوسياسية التي لا تمس أو تقوض برنامجها النووي السلمي، أو حتى مسار بحثها العلمي، بل وحتى حضورها الإقليمي إلى حد ما. وبالتالي، لم ولن يسعى الاحتلال وداعموه إلى منع تطور النظام الإيراني ونموه على المستوى المحلي، في مقابل حرصهم على التحكّم في حجمها وقدراتها وتوجهاتها الإقليمية، ما يجعل الصدام الإيراني - الإسرائيلي، أو حتى الأميركي، أمراً مستبعدا وفق دور إيران الحالي الإقليمي والدولي، من دون أن نستبعد احتمالاته المستقبلية بعيدة المدى بشكل كامل، وهو ما يفسّر إصرارهم على ضبط مجالها الإقليمي، من دون المساس بوجودها وحضورها.
وبالتالي، لن يدفع ارتماء بعض القوى والأنظمة والشخصيات العربية في الحضن الإيراني اليوم