كنت، قبل أيام، أشاهد إعادة لفيلم "نظرية المؤامرة" الذي يؤدي فيه الممثل الأسترالي، ميل جيبسون، دور سائق سيارة مغرم بفتاة صادق أباها بعدما كلّف باغتياله. ويحب الفتاة، ويدافع عنها من شرير يعمل في المخابرات الأميركية، ويرأس قوة اغتيال مدربة خصيصاً لهذه الغاية.
ويؤكد السائق، جيري، للفتاة التي لا تعرف هويته أن هنالك مؤامرة تحاك لاغتيال رئيس الولايات المتحدة، وهي بالطبع لا تصدقه. وفي النهاية، يتبين أن ظنون جيري، ذي الشخصية المتقلبة والعاطفية، كانت في مكانها، وأن مؤامرة بالفعل حيكت لاغتيال الرئيس.
وذكّرني هذا الفيلم بوضعنا في الوطن العربي، وكلما شاع خبر أن هنالك مؤامرة ضد الوطن العربي، وآمن بها بعض المثقفين وعامة الناس، قيل لنا إنكم، يا عرب، مهووسون بنظرية المؤامرة، وليس لديكم الإثبات على الإطلاق.
وفي هذه اللحظات التي تعيشها الأقطار العربية من شرذمة وتفسح واحتراب داخلي، تثور نظريات للمؤامرة على السطح، ويتناولها الناس في أحاديثهم بين أكثرية مصدّقة وأقلية تشكك في صحة النظرية.
ويقال إن الربيع العربي كله لم يكن صحوة عربية حقيقية من الشباب وباقي المواطنين الغاضبين من أوضاعهم، ومن عجز الحكومات عن حل مشكلاتهم، ومن الهوة المتنامية بين الفقراء والأثرياء، ومن تنامي الاقتصاد غير الرسمي والاقتصاد الريعي قليل الإنتاج، بل قيل إن شباباً كثيرين ممن قادوا المظاهرات كانوا من العاملين في شركات البرمجيات والإلكترونيات والاتصالات الأجنبية. وإن التشبيك الذي حصل بينهم، خصوصاً ضد نظام الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، قد تجلى واضحاً في ميدان التحرير.
ويقال بعد ذلك إن هنالك مؤامرة حاكها الإسلاميون من أجل استثمار الربيع العربي للوصول إلى الحكم، وإن جماعة الإخوان المسلمين وقياداتها كانوا على اتصال وتنسيق مع الإدارة الأميركية. ولما سقط نظام الرئيس المصري السابق، محمد مرسي، وأحيل كثيرون من عناصر "الإخوان المسلمين" إلى المحاكمات، قيل إن الثورة المضادة، أو الانقلاب على مرسي، كان أيضاً مؤامرة أجنبية حيكت حتى تدخل مصر في حالة فوضى ورعب وشتات..
ويقال إن هنالك مؤامرة كبرى من أجل "تقسيم المقسّم، وتجزيء المجزأ" من الأقطار العربية. ويقول بعضهم إن الحروب في اليمن وليبيا، وبالطبع سورية والعراق، ليست إلا غطاء من أجل تقسيم هذه الدول بعد إنهاكها، واستهلاك مواردها البشرية والطبيعية والمالية، وهدم بناها الفوقية والتحتية.
ويؤكد السائق، جيري، للفتاة التي لا تعرف هويته أن هنالك مؤامرة تحاك لاغتيال رئيس الولايات المتحدة، وهي بالطبع لا تصدقه. وفي النهاية، يتبين أن ظنون جيري، ذي الشخصية المتقلبة والعاطفية، كانت في مكانها، وأن مؤامرة بالفعل حيكت لاغتيال الرئيس.
وذكّرني هذا الفيلم بوضعنا في الوطن العربي، وكلما شاع خبر أن هنالك مؤامرة ضد الوطن العربي، وآمن بها بعض المثقفين وعامة الناس، قيل لنا إنكم، يا عرب، مهووسون بنظرية المؤامرة، وليس لديكم الإثبات على الإطلاق.
وفي هذه اللحظات التي تعيشها الأقطار العربية من شرذمة وتفسح واحتراب داخلي، تثور نظريات للمؤامرة على السطح، ويتناولها الناس في أحاديثهم بين أكثرية مصدّقة وأقلية تشكك في صحة النظرية.
ويقال إن الربيع العربي كله لم يكن صحوة عربية حقيقية من الشباب وباقي المواطنين الغاضبين من أوضاعهم، ومن عجز الحكومات عن حل مشكلاتهم، ومن الهوة المتنامية بين الفقراء والأثرياء، ومن تنامي الاقتصاد غير الرسمي والاقتصاد الريعي قليل الإنتاج، بل قيل إن شباباً كثيرين ممن قادوا المظاهرات كانوا من العاملين في شركات البرمجيات والإلكترونيات والاتصالات الأجنبية. وإن التشبيك الذي حصل بينهم، خصوصاً ضد نظام الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، قد تجلى واضحاً في ميدان التحرير.
ويقال بعد ذلك إن هنالك مؤامرة حاكها الإسلاميون من أجل استثمار الربيع العربي للوصول إلى الحكم، وإن جماعة الإخوان المسلمين وقياداتها كانوا على اتصال وتنسيق مع الإدارة الأميركية. ولما سقط نظام الرئيس المصري السابق، محمد مرسي، وأحيل كثيرون من عناصر "الإخوان المسلمين" إلى المحاكمات، قيل إن الثورة المضادة، أو الانقلاب على مرسي، كان أيضاً مؤامرة أجنبية حيكت حتى تدخل مصر في حالة فوضى ورعب وشتات..
ويقال إن هنالك مؤامرة كبرى من أجل "تقسيم المقسّم، وتجزيء المجزأ" من الأقطار العربية. ويقول بعضهم إن الحروب في اليمن وليبيا، وبالطبع سورية والعراق، ليست إلا غطاء من أجل تقسيم هذه الدول بعد إنهاكها، واستهلاك مواردها البشرية والطبيعية والمالية، وهدم بناها الفوقية والتحتية.
وحتى تبقى جذوة الهواجس مضطرمة، نسمع من مسؤولين إسرائيليين أن معاهدة "سايكس – بيكو" قد مر عليها قرن، وآن الحين لكي يعاد النظر فيها. وتنشر صحيفة نيويورك تايمز على الصفحة الأولى، قبل شهرين تقريباً، خريطة جديدة للوطن العربي، لا يسلم فيها من تغيير جغرافي سياسي أحد في المشرق العربي. وتنشر مؤسسات مثل "معهد واشنطن"، الذراع البحثي والإعلامي للوبي الصهيوني "إيباك"، مقالات وأبحاثاً يؤكد فيها أن تقسيم العراق وسورية، وربما لبنان، أصبح أمراً لا يمكن تفاديه.
وكلما استمعت إلى مجموعة من شباب ومفكرين عرب يتحدثون عن المؤامرة ضد الوطن العربي بهدف تجزئته إلى دويلات أثنية أو طائفية، فإنهم يؤكدون صحة ما يقولون، بالإشارة إلى هذه الدراسات والنشرات. ويشير بعضهم إلى كتب من قادة الحركة الصهيونية الذين قالوا إن إسرائيل يجب أن تكون الدولة الأقوى في المنطقة بين دويلات أصغر منها، وأقل حيلة وقوة.
ولا بد من تأكيد أن نظرية المؤامرة قد أثيرت بعد مؤتمر برلين الذي عقد بين 13/6 و13/7 من عام 1878 في برلين، بحضور الدول العظمى، بريطانيا العظمى وفرنسا وإمبراطورية النمسا/هنغاريا وإيطاليا وألمانيا، بالإضافة إلى الدولة العثمانية بحضور أربع دول من البلقان، وهي اليونان وصربيا ورومانيا ومونتيغيمرو، وقد أدخل هنا مصطلح رجل أوروبا المريض إشارة إلى الدولة العثمانية، وبرز أيضاً مصطلح المسألة الشرقية، وتبين أن المؤامرة كانت موجودة فعلاً.
ثم كانت مؤامرة البريطانيين والفرنسيين في اتفاق سايكس بيكو، وقيل إنه ليس هنالك مؤامرة، وتبين أنها كذلك. وقيل إنه لم يكن هنالك مؤامرة وراء وعد بلفور في 2/11/1917، وتبين أنه كذلك.
وقيل إن الانقلابات العسكرية التي جرت في الوطن العربي عام 1948، في سورية ومصر والسودان والعراق كانت أحداثاً محلية. ولكن كتباً مثل كتاب موريس كوبلاند الشهير بعنوان "لعبة الأمم" أكد أنها كذلك.
كل تاريخنا الحديث الذي يعيه بعضنا، كان مؤامرات حيكت، فقد كانت مؤامرة ضد مصدق في إيران في الخمسينات، ومؤامرات ضد الحكم الهاشمي في العراق والأردن، ومؤامرات من أجل جر الرئيس الراحل عبد الناصر إلى حرب 1967، ومؤامرة كذلك لإنشاء حلف بغداد ومؤامرة ضده. ولا تنجح كل المؤامرات.
والمشكلة ليست في وجود مؤامرة من عدمها، بل في عدم فهمنا لها، وقلة وضعنا للإجراءات للحيلولة دون حصولها. ويقطع فينا المتآمرون ضدنا كما تقطع سكين حادة في قالب زبدة.
والأحداث في الوضع العربي كبيرة وخطيرة على مستقبله وبقائه. هناك من يعتقد أن هذه الأمة، بتاريخها العريق، نجت من محاولات كثيرة لتفتيتها، ووجدت دائماً الهمة والعزيمة، لكي تعيد لملمة نفسها والانتصار على خصومها، وآخرون يقولون إن عالم اليوم غير الأمس، وإن هنالك طامعين كثراً في هذا الوطن وخيراته.
لا بد من عودة الوئام والصف. ويجب أن يتآلف الحكام مع شعوبهم لدحر المؤامرات. هذا هو الترياق الوحيد للسم الذي نتجرعه.
اقرأ أيضا: "داعش" وتجار الأزمات يحاصرون السوريين