لم يحصد شباب اليمن زرع ثورتهم التي اندلعت في فبراير 2011، بقدر ما ذهب الجني إلى أيادي "عجائز" الساحة السياسية اليمنية. إذ بدى الأمر أشبه بصراع ما يزال محتدماً بين جيلين، يريد أحدهما في طريقه نحو التغيير أن يتجاهل طموحات الآخر.
ويشعر شباب الثورة في اليمن بخيبة أمل تتسع يوماً بعد يوم، إثر تغييبهم الممنهج، عن مشهد ما بعد إزاحة الرئيس، علي عبدالله صالح، عن كرسي الحكم في البلاد.
وتترواح أعمار من يحكمون السيطرة على مقاليد الأمور في اليمن اليوم، بين 65 و75 عاماً. وبالنظر إلى سن رئيس الجمهورية ومستشاريه، ورئيس الحكومة، وغالبية رؤساء الأحزاب والقادة العسكريين، نكتشف ببساطة أن هؤلاء هم فقط، من جنوا وما يزالون، ثمار ثورة الشباب التغييرية على أرض الواقع.
ويؤكد ناشطون شباب أنهم يشعرون بخيبة أمل عريضة، لما حدث ويحدث عقب ثورتهم السلمية. يقول الناشط عمار السوائي: من غير المقبول ولا المعقول أن يتصدر العجزة مشهداً ما بعد ثورتنا الشبابية. مشيراً إلى أنهم يشعرون بالخجل والأسف حين يتحدث رئيس الوزراء، محمد سالم، باسندوة عن ثورة الشباب، في حين عاصر الرجل غالبية أنظمة الحكم اليمنية حتى التي سبقت حكم، علي عبد الله صالح.
ويؤكد السوائي، وهو رئيس مؤسسة "تمدين" الشبابية أن الحديث هنا ليس عن الشكل، وإنما عن المضمون أيضاً "فهم لن يفكروا أو يخططوا لمشاريع اليمن الجديد كما يفكر أو يخطط الشباب"، وفق ما يقول.
ويسانده الناشط، عارف العامري، بالقول: إن الإنسان إذا تجاوز عمره الستين عاماً، فمن الصعب جداً أن ينتظر منه رؤى وأفكار تتناسب وتطلعات الأجيال الجديدة. مؤكداً أن "رئيس الجمهورية لن يقدم شيئاً لليمن غير تحقيق الهدف الذي جاء من أجله، وهو إزالة المتاريس من المدن اليمنية، ووقف الاحتراب، أما التفكير في بناء دولة يمنية جديدة تتناسب وتطلعات هذا الجيل فيبدو بعيد المنال".
وكان لثورة الشباب السلمية في اليمن مجموعة أهداف على رأسها إزاحة صالح عن الحكم. وخضع، صالح، بعد تطورات الأحداث وتدخلات الأطراف الإقليمية والدولية لمطالب شباب الثورة التغييرية التي جاءت في سياق موجة ثورات الربيع العربي.
وانقسم اليمنيون بين مؤيد ومعارض لمطالب شباب الثورة التي اندلعت مطلع عام 2011. وشهدت المدن اليمنية احتجاجات عارمة تزايدت بشكل أكبر، بعد عمليات القمع المسلح الذي قوبلت به من قبل قوات صالح، النظامية وغير النظامية.
ومثّل يوم 18 مارس/آذار 2011 تحولاً بارزاً في مسار الثورة الشبابية السلمية، إذ قتل قناصة قيل إنهم موالون لصالح، ما يزيد على 40 مواطناً أعزل، كانوا يؤدُون صلاة الجمعة، في مذبحة بشعة سميت بمذبحة "جمعة الكرامة".
واكسبت هذه المذبحة البشعة شباب الثورة تعاطفاً كبيراً من كل القوى السياسية والعسكرية في اليمن. وتوتّر صالح بعد إعلان اللواء، علي محسن الأحمر، قائد الفرقة الأولى مدرع، تأييده لثورة الشباب السلمية. إذ اعتبر صالح هذا الانشقاق، مبرراً لخوض مواجهات عسكرية شهدتها لاحقاً وعلى مراحل متقطعة، مدن يمنية عدة قتل وجرح فيها الآلاف.
وتدخلت قوى الإقليم بعد تأزم الوضع السياسي والعسكري والاقتصادي في اليمن لعرض تسوية سياسية أنتجت هذه الحال، وهو الأمر الذي دفع ببعض شباب الثورة إلى وصف انضمام محسن بأنه أول مراحل وأد الثورة الشبابية.
ويقول الناشط حمود هزاع في هذا السياق: لقد بدأت مرحلة إقصاء الشباب عن ثورتهم التي لم يملكوا منها إلا الاسم فقط، منذ وقت مبكر، وتحديداً منذ انضمام محسن، ومعه قوافل القوى الدينية والقبلية التي كانت جزءًا رئيساً في نظام صالح.
وتباينت الآراء طوال الفترة الماضية، حول ما إذا كان انضمام محسن إيجابياً أو سلبياً، ففي حين يرجع إليه محللون، هذا المثال الضبابي لثورة التغيير الشبابية السلمية في البلاد، يرى آخرون أن محسن نموذج للمسؤول العسكري، الذي أدرك أنه حان زمن جيل آخر. فأيد الثورة وحماية ساحة صنعاء وخسر موقعه وامتيازاته ليذهب الآن إلى موقع مستشار أو "مستشال" حسب التعبير اليمني الشعبي بالأصح.
ويضيف، هزاع، بنبرة حزينة: إن الشعور بالضياع أمر طبيعي لشباب الثورة اليوم، ولاسيما من كانوا بالأمس يحلمون بيمن جديد خال من ثقافة نظام صالح السيئة"، مشيراً إلى أن "الشباب يمتلكون العلم والمعرفة والرؤية والشجاعة وقدموا التضحيات حتى أصبحت الثورة واقعاً مفروضاً، لكن تلك القوى استطاعت أن تسيطر على القرار الثوري وتتحكم في مساره لأسباب كثيرة، بعضها مادية والأخرى سياسية"، حسب قوله.
وكان للشباب اليمني نصيبهم في عضوية "مؤتمر الحوار الوطني" الذي جاء كشرط أساسي يلي مرحلة انتخاب الرئيس، عبد ربه منصور هادي، وتشكيل حكومة وفاق، في بنود التسوية السياسية التي أعدتها وأشرفت على تنفيذها دول الإقليم والعالم. غير أن بعضاً قلل وما يزال، من أهمية هذه الخطوة، واعتبر وجودهم في الحوار آنذاك، مقتصراً أيضاً على شباب الأحزاب المنقادين للعجزة في القيادات العليا.
ومؤخراً، أصدر الرئيس، عبد ربه منصور هادي، قراراً يقضي بتعيين وكيل للشباب ووكيل للمرأة في كل محافظة. ويشير هذا الإجراء إلى أن كبار السن باتوا يدركون جيداً أن شباب الثورة في بلدهم شعروا بأن أحلامهم بيمن جديد قد تراجعت. ثم إن هذا الجيل الشاب الذي يخوض معهم صراعاً محتدماً في السر والعلانية، له الحق في العيش بأسلوبه الذي يرى، وله الحق في تحقيق طموحه الذي يسعى إليه وصولاً إدارة البلاد.
تجدر الإشارة الى أن اليمن شهد ثورة سابقة ضد حكم الإمامة عام 1962، وضد الاستعمار في الجنوب عام 1963، وكان لضباطها الشبان أن يتولوا زمام الأمور فيها، فيما كان لجيل شاب من الضباط والمدنيين في المراحل اللاحقة أن يتصدروا المشهد كاملاً. وثمة زعماء حكموا اليمن وكانت أعمارهم تتراوح بين 30 و40 عاماً، ومنهم إبراهيم الحمدي، الأكثر شهرة في الأجيال اليمنية، وعلي عبدالله صالح، على الرغم من أن الأخير لا يقارن بالزعيم الشهيد، الحمدي، في ما يتعلق بامتلاك رؤية ناضجة وصادقة لبناء دولة.