يبدو أن وزيرة الثقافة اليمنية أروى عثمان جادةٌ في خوض التحدي مع الجماعات الأصولية في اليمن، التي تفرض طوقاً خانقاً على الحريات الشخصية والفنون الغنائية والاستعراضية، بما في ذلك الرقص.
كانت الوزيرة، وفي سياق الاحتفاء بعيد الاستقلال في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، قد رعت حفلاً حكومياً في "المركز الثقافي في صنعاء"، تضمن وصلات فنية راقصة، مختلطة بين الجنسين، بعضها مصحوبٌ بالموسيقى فقط، بينما رافقت البعض الآخر أغانٍ وطنية وعاطفية قدّمها عدد من الفنانين.
وشكّل حضور راقصات "فرقة الرقص الشعبي" التابعة لوزارة الثقافة في الفقرات الغنائية المختلفة، إضافة إلى وصلة رقص مفتوحة بعنوان "حوارٌ بين الفنون"، مزجت بين رقصة الحرب اليمنية، "البَرَع"، التي تؤدى عادةً بالسيوف أو الخنجر اليمني الشهير، "الجنبية"، وبين رقص "البريك دانس" الغربي، في حوار بين ثقافتين مختلفتين، جسّدهما فريقان من الراقصين الشباب؛ فارقاً مُهماً في الاحتفالات الرسمية لوزارة الثقافة هذا العام، نال استحسان الحاضرين.
أما الفارق الأهم الذي شكلته هذه المبادرة، فهو كسر قالب الاحتفاء الحكومي المعتاد، والذي يزداد تزمتاً عاماً بعد آخر، بسبب اتساع نفوذ الحركات الأصوليَّة في اليمن، إذ اتسم حفل هذا العام بزيادة مساحة الرقص الشعبي وتنوعه، بل وبمشاركة أفراد من خارج المنصة، ورقص أفراد من الفرقة الموسيقية إلى جوار الفنانة اليمنية أمل كعدل والفنان سعودي أحمد صالح، أثناء غنائهما في الحفل الذي يبعُد عشرات الأمتار فقط عن أقرب مدرَّعة لجماعة الحوثي!
وكانت وزيرة الثقافة اليمنية أروى عثمان قد تعرضت لحملة تشهير واسعة، من قبل عناصر متطرفة، وذلك إثر قرار تعيينها وزيرةً للثقافة ضمن حكومة الكفاءات اليمنية في السابع من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، إذ اعترضت هذه العناصر على تعيين عثمان على خلفية قيامها بالرقص في الشارع أثناء الاحتفال بذكرى ثورة الاستقلال الأخيرة (26 أيلول/ سبتمبر الفائت)، أي بعد 5 أيام فقط من اجتياح جماعة الحوثي للعاصمة اليمنية صنعاء، وهو ما فسره كثيرون بأنه تحد للجماعة المتطرفة وقمعها للحريات الشخصية والعامة.
وفيما كان نشطاء حوثيون يقومون بحملة تشهير وطعن بحق أروى عثمان على مواقع التواصل الاجتماعي، ونشروا صورتها على غلاف إحدى الصحف المقربة من جماعتهم مع تعليق ساخر، كانت عثمان التي تتسلم جائزة حقوقية في ألمانيا حينها تقوم بإعادة نشر صورة لها على صفحتها الشخصية في فيسبوك وهي ترقص، وعليها تعليق بخط عريض "نرقص.. لنحيا".
هذا العنوان، تحول إلى شعارٍ تبناه نشطاء مناهضون لجماعة الحوثي، وهو الشعار نفسه الذي عنون به "الحزب الاشتراكي اليمني" احتفائيته التكريمية لأروى عثمان، بمناسبة حصولها على جائزة "آليسون دي فورج" المرموقة للنشاط الحقوقي والإنساني، والذي تضمن كثيراً من الفقرات الراقصة التي أداها الحاضرون احتفاءً بالمناسبة.
وتأتي رمزية هذه الخطوة التي تبنتها أروى عثمان، بإقحام أشكال جديدة من الرقص المختلط (جندراً ولوناً)، إضافةً إلى تكريم ثلاثة مطربين جنوبيين، هم أمل كعدل، وسعودي أحمد صالح، ومحمد ميسري، في الوقت الذي تضيق فيه جماعة الحوثي الخناق على الفنون الإبداعية، بما في ذلك الغناء والرقص "الرجالي" حتى في صالات الأعراس، وكذلك انتهاك الحريات الشخصية كمنع اقتناء أو تناول المشروبات الكحولية، ومنع كافة أشكال الاختلاط في ساحات جامعة صنعاء، واعتقال الطلاب وتهديد الطالبات بمبرر الحشمة.