06 نوفمبر 2024
اليمن.. مصالح إطالة أمد الحرب
يُحرك أطراف الصراع اليمني وحلفاؤهم المعارك في جبهات القتال ويجمدونها وفق أهداف مختلفة، كرفع الحالة المعنوية لأنصارهم، أو لامتصاص الصراعات البينية في شبكة تحالفاتهم، أو للضغط في ملفات سياسية أخرى، محلية يمنية أو إقليمية. قد تفضي هذه المعارك إلى تحقيق انتصارات عسكرية، إلا أن تقييم نتائج هذه الانتصارات يخضع أولاً لارتباطها بخطة استراتيجية شاملة لمعظم جبهات الحرب، بما يحقق حسما عسكريا لهذا الطرف أو ذاك.
تحيلنا قراءة سير جبهات القتال في اليمن، منذ تحرير مدينة عدن قبل عامين، إلى حقيقة توظيف أطراف الصراع انتصارات جزئية في الجبهات، تخدم أهدافهم السياسية والاقتصادية، بعيداً عن أي اعتبارات أخرى، إذ تدرك أطراف الصراع والقوى المتدخلة في اليمن، كالسعودية والإمارات، فشلها في خيار حسم الحرب عسكرياً، فتبرّر فشلها العام في اليمن وأزماتها بتلفيق تهم لقوى إقليمية أخرى، وتقوية جبهة الحرب الداخلية، حيث اتهمت السعودية والإمارات كلاً من عُمان وقطر والكويت أخيرا بإتاحة مياهها لمد مليشيات الحوثي بأسلحة من إيران، أو باللجوء إلى تسويق وهم تقدم عسكري، كما تفعل مليشيات الحوثي وقوات علي عبدالله صالح في الحدود اليمنية - السعودية؛ كما تتفق هذه الأطراف في كيفية إدارتها الحرب في اليمن، ومفاقمة الأوضاع الإنسانية لليمنيين، تتفق أيضاً في إحداث عراقيل أمام أي جهود سياسية لحل الأزمة سياسياً وإنهاء الحرب.
في المحصلة، وعدا سقوطها الأخلاقي والإنساني، فإن أطراف الصراع اليمنية والقوى المتدخلة في اليمن ليست خاسرة أبداً، حيث نجحت في تخليق فوضى مستدامة في اليمن، تلائم شروط تدخلها العسكري، وتمنحها الوقت الكافي لتحقيق أغراضها السياسية والاقتصادية، وما يقتضيه ذلك من إطالة أمد الحرب.
يعتبر الساحل الغربي في اليمن جبهة القتال النموذجية لأطراف الصراع اليمنية وحلفائهم الإقليميين، إذ تمثل الأرض المفتوحة الخالية من التحصينات بيئةً ملائمة لاستنزاف قواهما، كما أن تغير الولاء السياسي للسكان لا يؤدي إلى تشكيل جيوب محلية حليفة للطرفين؛ حيث أن المعارك في مناطق الساحل الغربي، منذ يناير/ كانون الثاني الماضي، لم تغير معادلة الصراع على الأرض، فعلى الرغم من سيطرتها على ميناء المخا قبل أشهر، بدعم من مقاتلات التحالف العربي، فشلت القوات التابعة للشرعية اليمنية في تأمين المنطقة المحيطة بها، وتطبيع الحياة فيها، وما زال سكان المخا يتعرّضون لقصف مليشيات الحوثي وصالح. عدا عن تحول جبهة الساحل الغربي إلى منطقة استنزافٍ لمقاتلي الطرفين، وتزايد أعداد القتلى اليمنيين بين أوساط المدنيين، جرّاء غارات التحالف العربي ومدفعية مليشيات الحوثي وصالح، وتصاعد موجة نزوح المواطنين وتفشّي وباء الكوليرا وسوء التغذية الحاد، فإن كل تلك المعارك لم تفض حتى الآن إلا إلى زيادة أعباء الطرفين المتحاربين، وارتفاع عدد الضحايا المدنيين هناك.
في 26 يوليو/ تموز الماضي، وبعد معارك دامية بين مليشيات الحوثي وصالح من جهة والقوات التابعة للرئيس عبد ربه منصور هادي من جهة أخرى، نجحت قوات الشرعية بغطاء من المقاتلات الإماراتية في السيطرة على معسكر خالد بن الوليد. نظراً لجمود معظم الجبهات أو مراوحتها بين كر وفر، فضلاً عن الصراعات البينية داخل مكونات تحالفي الحرب، فإن لسيطرة الشرعية وحلفائها الإقليميين على معسكر خالد بن الوليد أهمية بالغة، لما له من أثر على أطراف الصراع اليمنية وحلفائهم، وكذلك على تغيير موازين الحرب بشكل عام.
تكمن الأهمية الاستراتيجية لمعسكر خالد بن الوليد، غرب مدينة تعز، في أنه ثاني أكبر قاعدة عسكرية في اليمن، بعد معسكر العند في لحج، وأكبر قاعدة عسكرية في غرب اليمن. ولذلك ظل يخضع للإشراف المباشر لصالح، واحتفظت قياداته العسكرية بولائها المطلق لشخص صالح طوال الأزمات السياسية التي عصفت باليمن وحتى الحرب الحالية. كما حرص صالح على تأمين المعسكر وتخزين الأسلحة والمعدات فيه باعتباره ذراعه العسكرية في حربه ضد اليمنيين، وبالتالي حسم الحرب ككل، خصوصا وأن دروس الماضي تحضر في مقاربة صالح لأهمية معسكر خالد، إذ استخدمه صالح في حسم حرب صيف 94 ضد الجنوب لصالحه، كما يعد معسكر خالد محوريا في خط الدفاع الأولي لمدينة الحديدة التي تعتبرها مليشيات الحوثي وصالح صمام أمان في حربها، وبالتالي يمثل سقوطه ضربة قاصمة لتحالف الحرب الداخلية.
في المقابل، لا تعني خسارة مليشيات الحوثي وصالح معسكر خالد بن الوليد بالضرورة أنه يمثل انتصارا للسلطة الشرعية وحلفائها، فمن جهة تختلف تقديرات (وأهداف) تحالف الشرعية وحلفائه في مقاربته لمعارك الساحل ككل. ومن جهة أخرى، لا بد من ربط استعادة معسكر خالد بالمعارك في الجبهات الأخرى، وخصوصا جبهة مدينة تعز؛ ففي حين ترى بعض فصائل المقاومة في المدينة استعادة معسكر خالد خطوة محورية في تحرير المدينة، إذ تستطيع القوات التابعة لهادي هناك أولا تأمين غرب تعز، ثم تحريك قوات من المعسكر والزحف إلى التخوم الغربية، وضرب مليشيات الحوثي وصالح المتمركزة في منطقة الحوبان، فضلاً عن الضغط
على المليشيات داخل المدينة، ما يؤدي إلى تقهقرها ورفع الحصار عن المدينة، إلا أن مصالح القوى المتدخلة في اليمن، وأطراف الحرب الداخلية المرتبطة بإطالة أمد الحرب، تطغى على معطيات الأرض وسير المعارك.
لا يبدو أن السعودية، قائدة التحالف العربي في اليمن، معنيةٌ بدرجة كبيرة بمعارك الساحل الغربي، فاليد الطولى في إدارة معارك الساحل تخضع للقوات الإماراتية. على أن الإمارات التي دخلت الحرب في اليمن وفق شروطها، وفرضت إرادتها على سير المعارك، لا تبالي، هي الأخرى، بتحرير مدينة تعز من بوابة معسكر خالد، ولا من أي بوابة أخرى، إذ نجحت في تعطيل تحرير مدينة تعز منذ بدء الحرب، وسعت أخيرا إلى عزلها بفرض واقع فصل ميناء المخاء عن تعز وجعله مدينة مستقلة. من جهة أخرى، لا تنظر الاستراتيجية الإماراتية إلى استعادة معكسر خالد بداية لحسم الحرب عسكرياً لصالح الشرعية، وإنما بأنه خطوة أولى لتأمين هيمنتها المطلقة على السواحل اليمنية، بدءاً من السواحل الجنوبية وموانئها وحتى السواحل الغربية، فيما لا يمكن التعويل على إدراك السلطة الشرعية، الضعيفة والغارقة بمشكلاتها البينية، بأنها مجرد بيدق لأجندات القوى المتحالفة معها.
المُخرج الإقليمي الذي وضع سيناريو سير الحرب في اليمن، بما فيها انتصارات المعارك وتقهقرها، يريد تسيير جبهات الحرب وفق إرادته العليا، وعلى الضد دائماً من أحلام الأصابع اليمنية المحلية، أو بسياسة "جبهات طفي لصي"، كما يعلق اليمنيون على اشتعال جبهات القتال وتجميدها.
تحيلنا قراءة سير جبهات القتال في اليمن، منذ تحرير مدينة عدن قبل عامين، إلى حقيقة توظيف أطراف الصراع انتصارات جزئية في الجبهات، تخدم أهدافهم السياسية والاقتصادية، بعيداً عن أي اعتبارات أخرى، إذ تدرك أطراف الصراع والقوى المتدخلة في اليمن، كالسعودية والإمارات، فشلها في خيار حسم الحرب عسكرياً، فتبرّر فشلها العام في اليمن وأزماتها بتلفيق تهم لقوى إقليمية أخرى، وتقوية جبهة الحرب الداخلية، حيث اتهمت السعودية والإمارات كلاً من عُمان وقطر والكويت أخيرا بإتاحة مياهها لمد مليشيات الحوثي بأسلحة من إيران، أو باللجوء إلى تسويق وهم تقدم عسكري، كما تفعل مليشيات الحوثي وقوات علي عبدالله صالح في الحدود اليمنية - السعودية؛ كما تتفق هذه الأطراف في كيفية إدارتها الحرب في اليمن، ومفاقمة الأوضاع الإنسانية لليمنيين، تتفق أيضاً في إحداث عراقيل أمام أي جهود سياسية لحل الأزمة سياسياً وإنهاء الحرب.
في المحصلة، وعدا سقوطها الأخلاقي والإنساني، فإن أطراف الصراع اليمنية والقوى المتدخلة في اليمن ليست خاسرة أبداً، حيث نجحت في تخليق فوضى مستدامة في اليمن، تلائم شروط تدخلها العسكري، وتمنحها الوقت الكافي لتحقيق أغراضها السياسية والاقتصادية، وما يقتضيه ذلك من إطالة أمد الحرب.
يعتبر الساحل الغربي في اليمن جبهة القتال النموذجية لأطراف الصراع اليمنية وحلفائهم الإقليميين، إذ تمثل الأرض المفتوحة الخالية من التحصينات بيئةً ملائمة لاستنزاف قواهما، كما أن تغير الولاء السياسي للسكان لا يؤدي إلى تشكيل جيوب محلية حليفة للطرفين؛ حيث أن المعارك في مناطق الساحل الغربي، منذ يناير/ كانون الثاني الماضي، لم تغير معادلة الصراع على الأرض، فعلى الرغم من سيطرتها على ميناء المخا قبل أشهر، بدعم من مقاتلات التحالف العربي، فشلت القوات التابعة للشرعية اليمنية في تأمين المنطقة المحيطة بها، وتطبيع الحياة فيها، وما زال سكان المخا يتعرّضون لقصف مليشيات الحوثي وصالح. عدا عن تحول جبهة الساحل الغربي إلى منطقة استنزافٍ لمقاتلي الطرفين، وتزايد أعداد القتلى اليمنيين بين أوساط المدنيين، جرّاء غارات التحالف العربي ومدفعية مليشيات الحوثي وصالح، وتصاعد موجة نزوح المواطنين وتفشّي وباء الكوليرا وسوء التغذية الحاد، فإن كل تلك المعارك لم تفض حتى الآن إلا إلى زيادة أعباء الطرفين المتحاربين، وارتفاع عدد الضحايا المدنيين هناك.
في 26 يوليو/ تموز الماضي، وبعد معارك دامية بين مليشيات الحوثي وصالح من جهة والقوات التابعة للرئيس عبد ربه منصور هادي من جهة أخرى، نجحت قوات الشرعية بغطاء من المقاتلات الإماراتية في السيطرة على معسكر خالد بن الوليد. نظراً لجمود معظم الجبهات أو مراوحتها بين كر وفر، فضلاً عن الصراعات البينية داخل مكونات تحالفي الحرب، فإن لسيطرة الشرعية وحلفائها الإقليميين على معسكر خالد بن الوليد أهمية بالغة، لما له من أثر على أطراف الصراع اليمنية وحلفائهم، وكذلك على تغيير موازين الحرب بشكل عام.
تكمن الأهمية الاستراتيجية لمعسكر خالد بن الوليد، غرب مدينة تعز، في أنه ثاني أكبر قاعدة عسكرية في اليمن، بعد معسكر العند في لحج، وأكبر قاعدة عسكرية في غرب اليمن. ولذلك ظل يخضع للإشراف المباشر لصالح، واحتفظت قياداته العسكرية بولائها المطلق لشخص صالح طوال الأزمات السياسية التي عصفت باليمن وحتى الحرب الحالية. كما حرص صالح على تأمين المعسكر وتخزين الأسلحة والمعدات فيه باعتباره ذراعه العسكرية في حربه ضد اليمنيين، وبالتالي حسم الحرب ككل، خصوصا وأن دروس الماضي تحضر في مقاربة صالح لأهمية معسكر خالد، إذ استخدمه صالح في حسم حرب صيف 94 ضد الجنوب لصالحه، كما يعد معسكر خالد محوريا في خط الدفاع الأولي لمدينة الحديدة التي تعتبرها مليشيات الحوثي وصالح صمام أمان في حربها، وبالتالي يمثل سقوطه ضربة قاصمة لتحالف الحرب الداخلية.
في المقابل، لا تعني خسارة مليشيات الحوثي وصالح معسكر خالد بن الوليد بالضرورة أنه يمثل انتصارا للسلطة الشرعية وحلفائها، فمن جهة تختلف تقديرات (وأهداف) تحالف الشرعية وحلفائه في مقاربته لمعارك الساحل ككل. ومن جهة أخرى، لا بد من ربط استعادة معسكر خالد بالمعارك في الجبهات الأخرى، وخصوصا جبهة مدينة تعز؛ ففي حين ترى بعض فصائل المقاومة في المدينة استعادة معسكر خالد خطوة محورية في تحرير المدينة، إذ تستطيع القوات التابعة لهادي هناك أولا تأمين غرب تعز، ثم تحريك قوات من المعسكر والزحف إلى التخوم الغربية، وضرب مليشيات الحوثي وصالح المتمركزة في منطقة الحوبان، فضلاً عن الضغط
لا يبدو أن السعودية، قائدة التحالف العربي في اليمن، معنيةٌ بدرجة كبيرة بمعارك الساحل الغربي، فاليد الطولى في إدارة معارك الساحل تخضع للقوات الإماراتية. على أن الإمارات التي دخلت الحرب في اليمن وفق شروطها، وفرضت إرادتها على سير المعارك، لا تبالي، هي الأخرى، بتحرير مدينة تعز من بوابة معسكر خالد، ولا من أي بوابة أخرى، إذ نجحت في تعطيل تحرير مدينة تعز منذ بدء الحرب، وسعت أخيرا إلى عزلها بفرض واقع فصل ميناء المخاء عن تعز وجعله مدينة مستقلة. من جهة أخرى، لا تنظر الاستراتيجية الإماراتية إلى استعادة معكسر خالد بداية لحسم الحرب عسكرياً لصالح الشرعية، وإنما بأنه خطوة أولى لتأمين هيمنتها المطلقة على السواحل اليمنية، بدءاً من السواحل الجنوبية وموانئها وحتى السواحل الغربية، فيما لا يمكن التعويل على إدراك السلطة الشرعية، الضعيفة والغارقة بمشكلاتها البينية، بأنها مجرد بيدق لأجندات القوى المتحالفة معها.
المُخرج الإقليمي الذي وضع سيناريو سير الحرب في اليمن، بما فيها انتصارات المعارك وتقهقرها، يريد تسيير جبهات الحرب وفق إرادته العليا، وعلى الضد دائماً من أحلام الأصابع اليمنية المحلية، أو بسياسة "جبهات طفي لصي"، كما يعلق اليمنيون على اشتعال جبهات القتال وتجميدها.