اليمن وإيران ونصر الله وعاصفة الحزم
توقفت "عاصفة الحزم" يوم الأربعاء الماضي، بعد أن تأكد صانع القرار في الرياض أن القوة العسكرية للحوثيين وعلي عبدالله صالح قد دمرت، ولم يعد ما تبقى منها يهدد الأمن الوطني السعودي، ودول مجلس التعاون عامة. المرحلة الثانية للحرب الدائرة في اليمن هي إعلان قيام "معركة الأمل"، والتي تعني، إلى جانب أمور أخرى، بداية مرحلة البناء وإغاثة المدن والقرى المنكوبة، وعودة الدولة إلى الداخل اليمني. لكن، مع الأسف، ما برحت قوات الحاقدين والمعتدين على سيادة الدولة (الحوثي وصالح) في غيهم وعدوانهم على الشعب اليمني المسالم، وترفض الانصياع للدعوة إلى إعادة "الأمل" للشعب اليمني الشقيق في بناء يمن مبني على التعددية السياسية والكرامة للإنسان اليمني، بعيداً عن الطائفية والحزبية الأنانية، والمحاصصة السياسية، والاتفاق على وضع الرجل المناسب في المكان المناسب في ظل وحدة وطنية متماسكة.
(2)
الملاحظ أن الحكومة الإيرانية خرجت عن طورها السياسي، وراحت، في بيانات رسمية على لسان قيادات في قمة هرم السلطة السياسية، تهدد وتتوعد باستخدام القوة ضد المملكة العربية السعودية، نظراً للحرب الدائرة في اليمن ضد الضالين من الحوثيين وأنصارهم ومليشيات علي عبدالله صالح الذين انقلبوا على الشرعية. لم يقتصر ذلك التهديد والوعيد على قيادات السلطة التنفيذية في طهران، بل ارتفع إلى مكانة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية خامنئي. ميدان المعركة يقع على حدود السعودية وبعض الدول الخليجية مباشرة، ولا يربط الجغرافيا اليمنية أي رابط حدودي مع إيران، فما الذي يخيفها من "عاصفة الحزم"؟ إذا أجازت القيادات الإيرانية لنفسها الحق في الدفاع عن أتباع المذهب الشيعي في اليمن ولبنان والعراق، وأي مكان آخر، فيجب أن لا يغيب عن بالها أنه من حق المملكة العربية السعودية أن تتولى الدفاع عن أهل السنة في أي بقعة في الأرض، وخصوصاً في العراق وسورية ولبنان واليمن، وكذلك داخل إيران نفسها، وإذا سكتت القيادة السعودية طويلاً عن إثارة مأساة أهل السنة في إيران الذين يتعرضون لأبشع أدوات القهر والإذلال، حتى إنه محرم عليهم إطلاق أسماء عربية على أبنائهم أو ارتداء زيهم
العربي، مثل الشعب الأحوازي، أعني إذا سكتت السعودية عن إثارة تلك الممارسات أمام المحافل الدولية، وساعدت، بالمال والسلاح والتدريب والإعلام، على دعم المعارضين للحكومة الإيرانية في الداخل والخارج، وتشجيع تلك القوى لاسترداد حقهم في الحرية والاستقلال من الهيمنة والاحتلال الإيراني لإقليم الأحواز، فلا يعني ذلك ضعفاً من القيادة السعودية، لكنها التزاماً بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، والالتزام بحسن الجوار.
(3)
الملاحظ أيضا أن حسن نصر الله زعيم حزب الله في لبنان، والذي نال احترام أهل السنة وتقديرهم، قبل أتباع المذهب الشيعي في دول مجلس التعاون الخليجي، وحظي بنصرته في المواجهة مع إسرائيل عام 2006، وفي كل مواجهته مع ذلك العدو اللدود إسرائيل. لا يشكك الكاتب في وطنية السيد نصر الله، ولا في إيمانه وجهاده ضد إسرائيل. لكن، كنا نتوقع منه ألا يزج بقواته في أتون الحرب الدائرة في سورية الحبيبة إلى جانب قوات حكومة بشار الأسد ضد مطالب الشعب السوري في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. في بداية الأمر، عندما انفضح تدخله بكل قوة، مع مليشيات بشار الأسد والمرتزقة القادمين من إيران والعراق وباكستان وأفغانستان والحوثيين ضد إرادة الشعب السوري في التغيير إلى حكم أفضل وأكثر تعددية وكرامة، تغيرت صورة نصر الله في أذهان كثيرين ممن أحبوه في بادئ الأمر. قال بعضنا إن تدخل حزب الله اللبناني في سورية مع مليشيات بشار الأسد كان بمثابة رد للجميل لنظام الأسد، نظراً لمواقف الأخير تجاه السلوك السياسي للحزب في لبنان عامة. لكني أقول للسيد حسن إن موقفكم في شأن ما يجري في اليمن لم يكن نزيهاُ ولا يليق بكم، وأنتم، كما تدعون، تنسبون إلى بيت النبوة. لم نكن نت
وقع، نحن الذين كنا من أنصار مواقفكم النضالية ضد الكيان الصهيوني، أن تشبه ما يجري في اليمن بما جري للبنان عام 2006، وتقول "العدوان السعودي" على اليمن، وأنت تعلم علم اليقين أن عمليات "عاصفة الحزم" تمت بطلب رسمي من الحكومة الشرعية من دول مجلس التعاون الخليجي ومجلس جامعة الدول العربية بالتدخل بكل الوسائل، وحتى باستخدام القوة العسكرية لإنقاذ اليمن التي انقلب عليها الحوثيون وأنصار علي عبدالله صالح، واحتلوا العاصمة صنعاء، واعتقلوا الرئيس وحكومته التي جرى تشكيلها بموافقة المنشقين عنها.
(4)
قال السيد حسن نصر الله، في لقاء مع بعض القوى الوطنية، عندما اجتمع بهم قبل سنوات، عندما كان في حوار عن المقاومة العرقية ضد الاحتلال الأميركي الإيراني للعراق "إننا نقوم بأعمال قد لا نكون راغبين/ موافقين عليها، لكننا تحت إمرة الولي الفقيه في طهران، لا نناقشه ولا نعترض عليه، وما علينا إلا تنفيذ توجيهاته". ومعني ذلك أن مواقف نصر الله تعبير عن طاعة عمياء لتوجيهات الولي الفقيه. وبالتالي، ينتفي عنه حبه لبنان والأمة العربية. يقول السيد في بيانه، الأسبوع الماضي، أمام جماهيره عبر شاشة تلفزيونية مكبرة، "إن داعش والقاعدة وبوكو حرام هم من مدرسة سعودية"، لكن سماحة السيد حسن نصر الله لم يقل لنا إلى أي مدرسة ينتمي (جيش المهدي، لواء الحسن المجتبي، مليشيات عصائب أهل الحق، كتائب الخرساني، مليشيا بدر، مليشيات الحشد الشعبي الشيعي، مليشيا لواء أبو الفضل العباس، وغيرهم كثير). أليس هؤلاء جميعا هم مكونات مدرسة الولي الفقيه في طهران وقم؟
آخر القول: سماحة السيد حسن، إن كنت هاشمياً تنسب إلى بيت النبوة، فبنو هاشم من قريش، وقريش من العرب، فكن من العرب ومعهم، ولا تكن عليهم إرضاء للولي الفقيه في قم وطهران. كن لأمة ولا تكن لطائفة، فإن كنت لأمة العرب لا عليها، فنحن قوة بشرية تضاف إلى قوتك.