تخرج ستينا رذاذ الفلفل وهي تقول لـ"العربي الجديد": "أنا مؤمنة بأن المجتمعات المتحضرة هشة جداً، ويجب أن تتسلح للدفاع عن نفسك مع وجود كل تلك التهديدات التي نسمع ونقراً عنها في الإعلام. في ألمانيا بدأت الدعوات صريحة للتسلح بوجه هذا التدفق غير المتحضر للمهاجرين". هكذا ببساطة تؤمن مواطنة في الثلاثين من عمرها بأن "الخطر هو ممن تشير إليه وسائل الإعلام".
التظاهر ورفع التحية النازية في عدد من الدول الأوروبية، أول من أمس السبت، أثار نقاشاً لم يعد خفياً ولا يتردد أصحابه في التعبير عنه.
"أوروبا ذاهبة نحو صدام داخلي" ومع المهاجرين، مضمون عبّر عنه كثيرون، منهم الدنماركي لارس هيداغوورد المعروف عنه تحريضه ضد العرب والمسلمين، والذي يحظى بحماية أمنية، أكثر من وزراء تراهم على دراجاتهم الهوائية.
هذا النقاش الذي كان من "المحظورات" صار مكشوفاً ويمتد من دول الشمال الأوروبي إلى ألمانيا. ففي الشمال تتشكل "مليشيات" هي عبارة عن خليط بين الفاشيين والنازيين الجدد ومواطنين عاديين يعتبرون بأن "غزواً منظماً لبلدانهم يتم عبر الهجرة".
ولا يخفي ساسة دول الشمال الرغبة في "تشريع حمل السلاح" للمواطنين "الأصليين" للدفاع عن أنفسهم. وبات هذا الطرح عادياً في الدنمارك بعيد هجوم كوبنهاغن في فبراير/ شباط العام الماضي. كما اقترحت رئيسة برلمان كوبنهاغن بيا كيرسغوورد، وبعيد حادثة كولونيا المشؤومة "توزيع بخاخات رذاذ الفلفل على المواطنين من مكاتب الخدمات الشعبية".
ويبدي اليمينيون المتطرفون في السويد والنرويج ولعهم بالسلاح في مجتمعات مسالمة الشرطة فيها لا تطلق النار إلا نادراً.
وتنحصر الدعوات لإطلاق النار على من يحاول اختراق الحدود في الغرف المغلقة أو في منتديات ضيقة تسمى "رسائل القراء"، إلا أن شيئا من التجييش يجري لتمرير النموذج الهنغاري في ألمانيا عبر المؤسسات.
اقرأ أيضاً: أوروبيّون يرفضون تطرّف اليمين
ولم تستسلم فراوك بيتري، زعيمة الحزب الشعبوي اليمني "البديل لأجل ألمانيا AFD"، عند مواجهة دعوتها لإطلاق النار من المسدسات ضد اللاجئين والمهاجرين، خصوصاً بعد أن بدأت تلحظ تغير الرأي العام الألماني نحو اليمين. ويطالب الحزب بأن تمنح الشرطة صلاحيات إطلاق النار على المهاجرين "الداخلين إلى ألمانيا بشكل غير شرعي" وفق ما صرحت به فبيتري لصحيفة "ماينهايمر مورغن". ويذكر أنه سبق واغتيل بمثل هذا التحريض نحو 11 ألمانياً من أصل تركي.
الاحتجاجات السياسية الحزبية ضد تصريحاتها لم تنفع كثيراً، ففي استطلاعات رأي صدرت نتائجها الأسبوع الماضي احتل حزب البديل المرتبة الثالثة من بين أكبر ثلاثة أحزاب، بعد حزب المستشارة أنجيلا ميركل CDU المحافظ وحليفها الاجتماعي الديمقراطي CSU.
الهتافات في مظاهرات بيغيدا المعادية للأجانب، أول من أمس، ارتفعت ضد المستشارة الألمانية وطالبتها بالرحيل. فموقف ميركل ليس سهلاً، ما دفعها لإطلاق تصريحات في نيوبراندبورغ، وعينها على الشارع الانتخابي، عن ضرروه عودة اللاجئين إلى سورية والعراق بعد الانتهاء من "داعش والحرب السورية".
ووفق مسح أجراه معهد يوغوف لاستطلاعات الرأي أظهر أن 29 بالمئة من الألمان يؤيدون فكرة استخدام السلاح لوقف عبور اللاجئين والمهاجرين للحدود "كحل لأزمة اللاجئين ولحماية قراهم"!.
والمثير أن النتائج تأتي على خلفية التحركات اليمينية المتطرفة في الشارع الأوروبي باعتبار التهديد "الوجودي يأتي من مهاجري العالم الثالث". وازدادت شعبيته مع مظاهرات بيغيدا في عدد من المناطق الألمانية، مثلما تزداد شعبية ميليشيات اليمين المتشدد في فنلندا والسويد والدنمارك أمام مرأى ومسمع الشرطة والساسة.
المراقبون المحليون، ليس في ألمانيا وحدها، بل في عموم دول الشمال، يرون بأن "انقساما وفرزا" تشهده المجتمعات الأوروبية على خلفية الهجرة وفشل السياسات الموحدة وتنامي أصوات التطرف.
اقرأ أيضاً: التحريض ضد الأجانب.. الإرهاب يشعل التطرف في ألمانيا