الأيادي التي امتدت إليّ بالأنخاب
أينها الآن وأنا أجرّ الليلَ ثملاً إلى بيتهِ
نحو زوجتهِ وأطفاله الذين يرزحونَ تحت حناجرهم المقضومة
أينها حين أتشاجرُ في الصباح مع امرأةٍ غريبةٍ في مطبخي
كلما جلبتُ لها رجال الأمن ضحكوا وقالوا: هذه زوجتك
وشربوا قهوتهم باعتياد في شرفتي.
*
نام رأسي مثلَ البومة في شجرة الميلاد
وتذكّرتُ مساءات ليست بالبعيدةِ، حيثُ كان أخي
يلمّ من أمامي حصى الطريق والمساميرَ
ولم يكن ابنُ عمي قد نام بعدُ في قبره الذي كلما زرتهُ
حمّلتني الورودُ سلامها للحديقةِ
وحيثُ كانت الكحول تلطمُ الأصدقاء بخيطٍ من المحبةِ والحبور
مساءاتٍ ليس بإمكاني اللحاق بها ومصالحتها
كحبيبة صفعت من توِّها الباب.
*
من تلكَ المرأة التي يسمونها "الحياة"
من ذات الرحم أنجبت الموسيقى والزهور والدويّ والإرهاب
من تلك التي لأجلها نهادِنُ ونحاربُ ونساقُ من أسرّتنا إلى الوظيفةِ
نلقي في مواقدها الأطفالَ لتدخل من الشرفات والشبابيك بخدودٍ طازجة
قليلاً ما تبتسمُ، وكثيراً ما تضحكُ من فرجها
الذي تنمو فيه أجيالٌ من المنتحرين.
*
من ذلك الرجل الذي تنمو الأشجار على شاربيه، ويسمّونهُ "الموت"
إلى ذات النفق العظيم يسيرُ بالأرواحِ المصفّدةِ بالذهول والانتباه
يخنِسُ في دقائقنا مثلَ فأرةٍ شرهةٍ في كيسِ الذرة
يتعربشُ في أذياله المرضى والعشّاق
هو القطار.. حين ألقي بجسدي كالقشّةِ في طريقِهِ
وهو السّكينة حينَ أشربُ كأساً من عقاقير مُعقّدةٍ وأغمضُ جسدي.
*
منذُ تصالحتُ مع الظلال
لم يلتقِ الموتُ بالحياةُ، ولم تُفرم أحلامي بينَ شفرتي المقصّ
صرتُ مأخوذاً بانسجامِ رائحةِ الأناناسِ مع رائحةِ الويسكي
أهدي لأبي المقوّيات، وحمالات الصدر لأمي
ولإبطَيْ حبيبتي رائحةَ العرق النقيّ وزرقة الفجر
والشجاعة لبكارتها الحبيسة بين وخزِ السياجِ وعطر الحديقة
صرتُ أعبرُ في العمرِ دون التفاتِ السنينِ
إلى ما جفَّ من ورقِ الياسمينةِ في ظلّها.
*
الشعرُ والوهم يتقدمّانني مثلَ كلبينِ ضجرين
أتنزهُ بهما نحوَ تلكَ الأيادي التي تمتدّ بالأنخابِ
ونحو الليلِ الذي يتجوّلُ بينَنا كالجرادةِ
نحو زوجتهِ وأطفاله وتلك التي تثير الضجيج كلّ صباح في مطبخي
لنجدها وقد جلبت رجال الأمن، والمرأة التي ينمو في رحمها المنتحرون
والرجل الذي تنمو الأشجارُ على شاربيه
لنشربَ القهوة في شرفتي إلى أن تصعد الأيائل بالنعاسِ
إلى ذروته.
* شاعر فلسطيني