"توت توت يلّا توت"، بهذه الكلمات يعلو صوت السيدة الفلسطينية اعتماد أبو ناصر(36 عاماً)، كل صباح بشوارع وأزقة غزة، طلباً للرزق وهي تبيع التوت الأرضي، "الفراولة"، على عربتها الخشبية "كارو" التي يجرها حمار، غير مهتمة بنظرات مَن حولها.
حين ترى وجه هذه السيدة ذات البشرة القمحية، تشدُّك عزيمتها، وتحمّلها لحرارة الشمس المرتفعة، تستشعر حينها بصمود نسائي من نوع مميّز تفوح رائحته من "الفراولة" المزروعة في تراب فلسطين.
قصة هذه السيدة تكشف محاولات جادة قامت بها المرأة الفلسطينية لمواجهة غول الفقر الذي استفحل وارتفع معدله في قطاع غزة إلى 40% في الربع الأول من عام 2014، وفقاً لمركز الإحصاء الفلسطيني.
ويعيش 1.8 مليون مواطن في قطاع غزة واقعاً اقتصادياً وإنسانياً قاسياً، في ظل تشديد الحصار الإسرائيلي، والمتزامن مع إغلاق الأنفاق الحدودية من قبل السلطات المصرية.
من أجل 7 أبناء
افترشت اعتماد قطعة قماش على العربة، فيما وضعت داخل صناديق خشبية علباً بلاستيكية بها حبات التوت الأرضي ذات اللون الجذاب، وقالت لـ"العربي الجديد": إن كسب الرزق لإعاشة أبنائي أهم عندي من نظرات الناس واستغرابهم، ولولا حاجتي الماسة للمال، ما اتجهت للعمل بهذا المجال الذي يغلب عليه الرجال.
وتضيف السيدة الفلسطينية التي تسكن في مدينة بيت لاهيا، شمال قطاع غزة، أنها تقطع مسافات طويلة من أقصى شمال القطاع وحتى وسطه طلباً للرزق، لافتة إلى أنها تعيل 7 أبناء، فيما يعاني زوجها من أمراض عدة أقعدته عن متابعة عمله.
تابعت: "الحمد لله كل يوم أبيع أربعة صناديق من الفراولة، وأجلب بالنقود التي أحصل عليها من المشترين احتياجات البيت من لحم وخضار وغيرها"، لافتة إلى أنها تكسب ما يقارب 25 ـ 30 شيكل (بين 7 و9 دولارات) يومياً.
ملابس العيد
تؤكد اعتماد أنها تقوم بذلك العمل منذ 5 سنوات، وأنها ستتابع عملها حتى في شهر رمضان المبارك رغم طول ساعات الصيام وارتفاع درجات الحرارة، حتى تشتري لأبنائها ملابس العيد ويفرحون مثل باقي الصغار.
وتقول: "لا يوجد ما أقوم به في ظل عدم وجود مصدر رزق لنا غير بيع التوت"، مؤكدة أنها لا تريد سوى الستر وطعاماً يكفيهم الطلب من الآخرين.
وتضيف: "أحاول التغلّب على الآلام وعلى حالة الفقر التي نعيشها"، مشيرة إلى أنها تستيقظ منذ ساعات الفجر الأولى حتى ترتب حبات "الفراولة" داخل علب بلاستيكية لتضعها داخل الصندوق الخشبي وتذهب لبيعها.
المساء يمسح معاناة النهار
وأردفت قائلةً: "أعود في ساعات المساء، لكي أرتاح قليلاً من تعب النهار ومن تعرّضي لأشعة الشمس الحارقة لساعات طويلة".
وذكرت اعتماد أنها تتعرض يومياً للمضايقات من المواطنين، وخاصة من فئة الأطفال الذين يحاولون الصعود على العربة، أو ترديد عبارة "يلّا توت" وإعادتها بأسلوب استهزائي، منوهة إلى أنها لم تسلم أيضاً من نظرات المواطنين لها، ومن قول البعض عنها بأنها "مسترجلة"، أي أنها كالرجال.
وبخصوص الأعمال المنزلية، أوضحت أن ابنتها الكبرى تبلغ من العمر 15 عاماً، وتجيد الطبخ والقيام بأعمال المنزل بعد انتهاء دوامها المدرسي، منوهة إلى أنها تحاول قدر الإمكان القيام ببعض أعمال المنزل قبل خروجها لبيع التوت لكي تخفف عن ابنتها عبء البيت واحتياجاته.
وتشعر السيدة المكافحة بالأسف والحزن لأن ابنتها تحمل عبئاً فوق طاقتها كما تقول، وتستدرك: "لكنني مجبرة على ذلك. إن لم أخرج لبيع التوت، سنضطر لحظتها إلى أن نمد أيدينا للناس".
تفاؤل رغم الحصار
تعلّق اعتماد آمالاً كبيرة على توقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية، قائلة: أشعر بالتفاؤل حيال المصالحة وأتمنى الإعلان عن الحكومة قريباً، فربما يتغيّر الحال إلى الأفضل، مللنا من الفقر وضيق الحال من شدة الحصار.
وتفرض إسرائيل حصاراً بحرياً وبرياً وجوياً على غزة، منذ فوز حركة "حماس" في الانتخابات التشريعية في يناير/ كانون الثاني 2006، وشددته عقب سيطرة الحركة على القطاع في يونيو/ حزيران من العام الذي تلاه.
وتعطل نحو 170 ألف عامل يعيلون نحو 615 ألف نسمة، عن العمل جراء تشديد الحصار الإسرائيلي، وفق اتحاد العمال بغزة.