شهدت العاصمة العراقية بغداد ومحافظات جنوبية انتشاراً أمنياً مكثفاً تحسباً لتجدد التظاهرات اليوم بعد صلاة الجمعة، إذ انتشرت قطعات من قوات مكافحة الشغب والجيش والشرطة في مناطق متفرقة من بغداد، كما قطعت جميع الطرق المؤدية إلى ساحة التحرير، وعززت قوات الأمن وجودها حول بعض المناطق التي تشهد احتجاجات متكررة، مثل أحياء الصدر والزعفرانية والشعب والشعلة والعامل والبياع.
وقال ضابط في وزارة الداخلية إن القوات العراقية لديها أوامر بمنع التجمعات والاحتجاجات، لكنها في الوقت ذاته لن تقوم بإطلاق النار على المتظاهرين ما لم تتعرض للخطر، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن الانتشار الأمني في بعض المناطق لم ينتهِ طيلة الأيام الماضية، إلا أنه تعزز بشكل واضح اليوم الجمعة، لأن هذا اليوم غالباً ما يشهد احتجاجات خلال فترة ما بعد الظهيرة.
وأوضح أن قوات الأمن نشرت نقاط تفتيش مكثفة في المناطق الشرقية للعاصمة، وفرضت إجراءات دقيقة للتفتيش عند مداخل بغداد الجنوبية. وبيّن أن التأهب الأمني لا يقتصر على العاصمة العراقية، إذ تشهد محافظات جنوبية مثل ذي قار والديوانية وبابل كربلاء، ومناطق أخرى، انتشاراً للقوات العراقية بهدف الحيلولة دون عودة العنف المصاحب للتظاهرات.
وتأتي دعوات التظاهرات بعد معلومات أكدت وجود تباين وخلافات داخل ممثليات التظاهرات في بغداد وجنوبي العراق حول تجميدها، لحين انتهاء مراسم زيارة الأربعين في كربلاء المقررة الأسبوع المقبل، أو مواصلتها واستغلال زخم المناسبة الدينية في مواصلة الضغط على الحكومة العراقية والقوى السياسية.
وبحسب نائب في البرلمان العراقي، فإن الحكومة سمعت أكثر من ردّ على مساعيها في إيقاف التظاهرات من قبل أشخاص قدموا أنفسهم كممثلين عن المتظاهرين، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن إيقافهم التظاهرات حالياً ولحين انتهاء مراسم زيارة الأربعين إلى كربلاء لم يُحسم".
وعلى الرغم من التعديل الذي أجراه رئيس الوزراء عادل عبد المهدي على حكومته الخميس، وشمل وزارتين هما الصحة والتربية، وإطلاقه حزمة من القرارات التي قال إنها جاءت تلبية لمطالب المحتجين، الا أن مشاركين بالتظاهرات يؤكدون أن الإجراءات الحكومية غير كافية، وهناك خشية من أن يتم تسويف المطالب وهو أمر يدعوهم لمواصلة احتجاجاتهم.
وقال علاء التميمي، وهو أحد الشباب المشاركين في تظاهرات بغداد، إن الاحتجاجات لن تنقطع حتى تتحقق جميع المطالب، مشيراً في حديث لـ "العربي الجديد" إلى أن التظاهرات يمكن أن تتجدد مساء الجمعة لكن بشكل محدود، بسبب التضييق الذي يتعرض له المتظاهرون من قبل القوات العراقية بجميع صنوفه.
وعبّر عن أمله في أن تأتي خطبة الجمعة للمرجعية الدينية داعمة للحراك الشعبي، مبيناً أن الإجراءات الحكومية ترقيعية وتهدف إلى احتواء الأزمة ولا يمكن الثقة بها. وأضاف: "لو كانت الحكومة جادة في الاستجابة لمطالب المتظاهرين، لما واصلت قمعها للمحتجين"، مؤكداً أن شباب التظاهرات لن يعودوا إلى منازلهم ما لم تتحقق جميع المطالب التي خرجوا من أجلها.
في هذه الأثناء، قالت كتلة "النصر" البرلمانية، التي يتزعمها رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، إنها تقوم بجمع تواقيع من أجل استجواب عبد المهدي، باعتباره المسؤول التنفيذي الأول، من أجل بيان حقيقة ما حدث من عمليات قتل وقنص وترويع وترهيب للشعب، مطالبة في بيان الجميع بتحمل نتائج التحقيق وللاستجواب من أجل ضمان شرعية النظام السياسي.
وأضاف بيان الكتلة أن "ائتلاف النصر"، إذ يؤكد حرصه على الدولة وسلامتها واستقرارها وسيادتها، باعتبارها الحصن الوطني مقابل الفوضى، إلا أنه يرفض أية سياسة غير دستورية وغير سلمية تمارس القمع والتخوين والترهيب في إدارة الدولة والتعاطي مع مطالب الشعب وخصوصاً الشباب".
مهلة للحكومة للكشف عن قتلة المتظاهرين
في سياق متّصل، انتقدت المرجعية الدينية في النجف صمت الحكومة العراقية عن عمليات القمع التي مورست ضد المتظاهرين من قبل القوات الأمنية، والتي تخللتها عمليات قنص نُسبت إلى مجهولين، وأسفرت عن مقتل أكثر من 100 شخص وإصابة 6 آلاف آخرين، مطالبة السلطات بتقديم القناصين وقتلة المحتجين، خلال فترة لا تتجاوز الأسبوعين، إلى القضاء.
وقال ممثل المرجع الديني علي السيستاني في كربلاء الشيخ عبد المهدي الكربلائي، خلال خطبة الجمعة، إن الحكومة مطالبة بالكشف عن العناصر التي أطلقت النار على المتظاهرين واعتقالها ومحاسبتها، مهما كانت الجهة التي تقف وراءها، مضيفاً: "يجب أن يتم ذلك خلال أسبوعين، وألا يتم التسويف في هذه القضية".
وطالب القضاء والجهات المسؤولة بإجراء تحقيق جدي وعادل بشأن ما حدث في ساحات التظاهر، مشيراً إلى أن صوت المرجعية سيبقى إلى جانب المتظاهرين والمظلومين والمحرومين من أبناء الشعب العراقي، متهماً الحكومة وقوات الأمن العراقية بالمسؤولية عن الدماء التي أريقت في صفوف المتظاهرين بالأيام الماضية.
وتابع أن "المرجعية لن تهادن أحداً أو جهةً تحاول أن تمس بالمصالح العامة للشعب"، موضحاً أنها تراقب أداء الحكومة، وستشخّص مواطن الخلل وستعلن عنها في الوقت المناسب. ولفت ممثل السيستاني إلى أن المرجعية ليست لها مصلحة بالسلطة، ولن تنحاز إلى أحد، ولن تدافع إلا عن مصالح الشعب، مبيناً أنها تتعاطف مع ذوي قتلى ساحات التظاهر، وتتضامن مع المطالب المشروعة للمتظاهرين السلميين.
ورفض الكربلائي قيام الجهات الحكومية بتسويف التحقيق في قضايا قتل المتظاهرين، كما جرى في قضايا سابقة، مؤكداً أن هذا الأمر هو الأهم والأكثر إلحاحاً في الوقت الحاضر. وأشار إلى أن هذا الملف سيكشف عن مدى جدية الحكومة وصدقها في مسألة تحقيق الإصلاح الحقيقي، مشدداً على ضرورة مكافحة الفساد المالي والإداري وتحقيق قدر من العدالة الاجتماعية.
وانتقدت مرجعية النجف بقاء الأشخاص الذين يقتلون ويقنصون المتظاهرين وهم بمنأى عن المحاسبة، داعياً إلى فرض هيبة الدولة وفرض الأمن وفقاً للسياقات القانونية. وانتقد ممثل السيستاني الاعتداء على وسائل الإعلام وإرهاب العاملين فيها لغرض إسكاتها، مشدداً على ضرورة منع التعدي على الحريات العامة والخاصة التي كفلها الدستور.
وبحسب مراقبين، فإن خطبة مرجعية النجف، اليوم الجمعة، تُعدّ هجوماً هو الأقوى الذي تشنه ضد حكومة عبد المهدي منذ تشكيلها، قبل أكثر من عام. وقال المحلل السياسي سعد عباس، إن المرجعية أعلنت بصراحة موقفها المنحاز للمتظاهرين، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن هذا الخطاب يشير إلى أن المرجعية غير مقتنعة بالقرارات الترقيعية التي أصدرتها الحكومة خلال الأيام الماضية. وتوقع أن تتصاعد حدة الاحتجاجات مجدداً، بعد أن تلقى المتظاهرون دعماً صريحاً من المرجعية.
في الأثناء، قال مشاركون في الاحتجاجات إنهم يعدون للعودة إلى ساحات التظاهر في بغداد اعتباراً من مساء اليوم الجمعة، في حال سمحت لهم القوات الأمنية بذلك، موضحين لـ"العربي الجديد"، أن خطاب المرجعية الدينية يثبت أنهم (المتظاهرون) على حق.