لا ينسى أي متابع للاقتصاد العالمي ما حصل في شهر مارس/آذار من العام الحالي. في هذا الشهر، أعلنت الولايات المتحدة الأميركية فرض العقوبات على روسيا. وفي هذا التاريخ، بدأت الحرب الباردة الاقتصادية بين عملاقين صناعيين يتحكمان بخيوط الحل والربط الاقتصادي العالمي.
إلا أن هذه العقوبات، كما تظهر احصاءات وزارة التجارة الخارجية الأميركية، ليست سوى حبر على ورق. فقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين في ظل إعلان فرض العقوبات.
لا بل الأكثر غرابة، أن الولايات المتحدة الأميركية لم تحافظ فقط على حجم استيرادها من السوق الروسية، وإنما رفعت من حجم صادراتها الى روسيا بمعدل 216 مليون دولار أميركي بين شهري أبريل/نيسان ومايو/أيار الماضيين، لتحقق أعلى مستوى في الصادرات خلال عامين.
العقوبات وأثرها على روسيا
فقد أعلن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، في 17 مارس/آذار الماضي، عقوبات ضد عدد من المسؤولين الروس والأوكرانيين بُعيد ساعات من إعلان استقلال القرم وطلب الانضمام إلى روسيا.
ومنذ هذا التاريخ، بدأت تتصاعد حدة العقوبات، لتشمل عشرات الشركات الروسية ورجال الأعمال والبنوك.
وفي الشهر ذاته، أعلنت الخارجية الروسية فرض عقوبات على الولايات المتحدة الأميركية.
وفي أبريل/نيسان الماضي، فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة ضد روسيا طاولت سبعة مسؤولين روساً، فضلاً عن 17 شركة، وأعلنت وزارة التجارة الأميركية عن قيود إضافية على 13 شركة من هذه الشركات.
وفي نهاية الشهر الماضي، أعلن رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف، أن روسيا قدمت شكوى ضد الولايات المتحدة في منظمة التجارة العالمية لفرضها عقوبات عليها بسبب الأزمة الأوكرانية. وقال إن هذه العقوبات "كان لها تأثير سلبي على تجارتنا الخارجية".
أميركا تنقذ روسيا؟
فقد أكدت محافظة البنك المركزي الروسي إلفيرا ابيولينا في مؤتمر صحافي، "أن النمو لا يبعث على عدم الرضا فحسب، بل يضع البلاد في موقف صعب".
وأعلن صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير أن العقوبات المفروضة على روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية أوقفت نمو الاقتصاد الروسي وأدّت الى تجميد الاستثمارات.
وبرغم أن العقوبات كانت موضعية، فإن آثاراً طاولت الاقتصاد الروسي بأكمله، إذ إن العقوبات دفعت المستثمرين إلى الخروج من روسيا، ومعهم، خرج 80 مليار دولار حتى مايو/أيار الماضي.
إلا أنه وفي الفترة ذاتها من العام، أي حتى مايو الماضي، نشطت الحركة التجارية بين كل من روسيا وأميركا. وتُبيّن احصاءات وزارة التجارة الأميركية، أن حجم التبادل التجاري لم يشهد تراجعاً كبيراً بين أبريل ومايو الماضيين. فقد ارتفعت الصادرات الأميركية الى روسيا من مليار و33 مليون دولار الى مليار و249 مليون دولار.
في المقابل، تراجعت واردات أميركا من روسيا من 2 مليار و353 مليون دولار الى 2 مليار و152 مليون دولار.
وبلغ حجم الواردات الأميركية من روسيا خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي حوالي 10 مليارات و818 مليون دولار، بينها حوالي 81 مليون دولار واردات من النفط الخام بحجم 718 ألف برميل.. في حين بلغ حجم الصادرات الأميركية الى روسيا حوالي 5 مليارات و113 مليون دولار.
علماً، أن أرقام الوزارة تُظهر أن حجم الانخفاض في التبادل التجاري لا يشي بوجود عقوبات اقتصادية متبادلة بين البلدين. اذ إن صادرات أميركا الى روسيا كانت في الفترة نفسها من العام الماضي حوالي 4 مليارات و488 مليون دولار، وحجم وارداتها من روسيا كان 11 ملياراً و820 مليون دولار.
انتعاش الطلب على السلع الأميركية
صحيفة "وول ستريت جورنال" أثارت اليوم هذا التناقض ما بين فرض العقوبات من جهة وارتفاع حجم التبادل التجاري من جهة أخرى.
ولم تشر الصحيفة في تقريرها الى موضوع الواردات الأميركية من روسيا، بل اكتفت بعرض حجم ارتفاع الصادرات الأميركية الى روسيا. واعتبرت أن "جهود الولايات المتحدة لمعاقبة روسيا على أعمالها في أوكرانيا لم تفعل شيئاً يذكر لوقف صادرات السلع الأميركية إلى البلاد".
ولفت تقرير "وول ستريت جورنال" النظر الى أن الطلب على المنتجات الأميركية ارتفع عالمياً بنسبة 21٪ في أيار/مايو عن الشهر الذي سبقه.
وأشار الى أن الطلب انتعش في اثنتين من أكبر أسواق الصادرات الأميركية، أي أوروبا والصين، حيث ارتفعت المخاوف في الآونة الأخيرة من ضعف النمو الاقتصادي في هاتين السوقين.
وقالت الصحيفة الأميركية إن الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي ارتفعت نحو 4٪، مدعومة بارتفاع في الشراء من المملكة المتحدة وهولندا واسبانيا وايرلندا.
أما المبيعات إلى الصين، حيث يخشى الاقتصاديون انخفاض النمو، فارتفعت أكثر من 2٪ إلى 9.2 مليارات دولار.
إلا أن الخبير الاقتصادي، مانيندر سيبيا، اعتبر في حديث مع "وول ستريت جورنال" أن النمو في الصادرات الأميركية حقق حتى الآن ارتفاعاً بنسبة 4.4٪ مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي "وهذه ليست سوى زيادة متواضعة".