15 مايو 2024
انتفاضة العراق .. رسائل لم تصل جیداً
على الرغم من مرور ما يناهز الخمسة أشهر على الحراك الجماهيري في العراق لتغيير الواقع، سياسي المنشأ، في هذا البلد منذ عام 2003، إلا أن الرسائل التي حاول المحتجون إيصالها إلى دوائر صنع القرار لم تصل بالشكل المطلوب، وإن كان كل أطراف هذه العملية ورئاساتها الثلاث قد تسابقوا في دعم مطالبهم، بعد أن سالت دماء أكثر من ستمائة قتيل وحوالي ثلاثين ألف جريح. وراقب العراقيون وكذلك العالم أنباء استقالة رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، في الأول من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، على اعتبار أن الخطوة مثلت انتصارا جزئيا للمنتفضين، ولكن سرعان ما تيقنوا أن الفترة التي قضاها عبد المهدي في مواجهة حراكهم (من 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2019) هي نصف الفترة التي قضاها رئيسا لحكومة تصريف الأعمال تقريباً، والتي شهدت استخدام العنف المفرط ضدهم، ومع استمرار التظاهرات ودخول رئيس الجمهورية، برهم صالح، على واجهة المسؤولية في تطبيق قواعد الدستور العراقي وضوابطه، بخصوص المدد القانونية لاختيار رئيس الوزراء، وبعد شد وجذب امتدا ثلاثة أشهر تقريبا، تم في الأول من الشهر الماضي (فبراير/ شباط) تكليف محمد علاوي بتشكيل وزارة يفترض أن تحقق مطالب الشارع العراقي، وتحافظ، في الوقت نفسه، على التوازنات السياسية والطائفية القائمة عليها المعادلة السياسية العراقية.
وخلال ما يناهز الشهر، تواصل علاوي مع كل الكتل والكيانات داخل العملية السياسية، على اعتبار أن كابينته الوزارية ستكون من "مستقلين أكفاء ونزيهين، من دون تدخل من أي طرف سياسي"، لكن الواقع الفعلي أظهر أن كل الأسماء المقترحة كانت من كتل طائفية، وبتقسيمةٍ تعطي لكل كتلة نصيبا من الحقائب الوزارية، فكانت الكتل التي دعمت ترشيح علاوي، كالفتح وسائرون وكتل ”شيعية“ أخرى، هي الأوفر حظا على حساب الكتل السنية والكردية، وهو ما دفع هذه إلى المناورة، من خلال عدم حضورها ثلاث جلسات للتصويت على حكومة علاوي، وهو ما دفع الرجل إلى إعلان اعتذاره إلى رئيس الجمهورية عن إكمال مهمته قبل يوم من نفاد الفترة القانونية لتشكيل الوزارة.
وكان لائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، موقف واضح
من موضوع وزارة علاوي. وبحسب القيادي في "الائتلاف"، سعد المطلبي، زار علاوي المالكي أربع مرات، إلا أن المالكي لم يتطرق معه إلى موضوع تشكيل الحكومة، وتم إبلاغه أن "دولة القانون" لن تشارك في حكومته في أي وزارة أو ترشيح أي وزير لتسلم وزارة معينة. ويشير "الائتلاف" إلى "اعتماد علاوي على جهة سياسية واحدة في مفاوضاته وإهمال باقي القوى"، وهو يعني بالطبع كتلة الفتح، برئاسة هادي العامري.
قد تكون كل الادعاءات ضد شخص محمد علاوي غير صحيحة، أو ربما فيها شيء من الصحة، ولكنه في كلمة الاعتذار عن عدم تأليف الحكومة، الأول من مارس/ آذار الجاري، كشف عن "التعرّض لضغوط سياسية لتمرير أجندة معينة على حكومته، وأن مساعيه إلى تشكيل هذه الحكومة اصطدمت بأمور لا تمتّ إلى قضية الوطن ومصلحة العراق"، كما دعا، وهو المهم هنا، المتظاهرين إلى "مواصلة الضغط بالاحتجاجات السلمية لكي لا تضيع التضحيات سدى".
تمضي مجريات الأمور في العراق إلى منزلق خطير، وخطير جدا، حيث تجري عمليات الاستقطاب القومي والطائفي بين القوتين الأنفذ والأقوى على الواقع السياسي والأمني والاقتصادي، إيران والولايات المتحدة، كما تستمر التظاهرات والمواجهات بين المنتفضين السلميين وقوى الأمن والمليشيات العراقية، مع تدهور متزايد في حالة المدن التي تشهد الاحتجاجات، من حيث الخدمات وانسيابية الأعمال والأمن المجتمعي وسواها، يضاف إليها الآن تزايد مخاطر انتشار فيروس كورونا في تلك المناطق نفسها مع تناقص الاستعدادات الطبية الوقائية والعلاجية.
يبدو أن كل هذه الرسائل التي تم إرسالها إلى النخب السياسية العراقية، منذ الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2019، لم تصل بالشكل الصحيح، على الرغم من ركوب معظم هذه النخب موجة الاحتجاجات، وتبنّيهم الخطاب نفسه المرتكز على مطالب المحتجين. ولكن ومع تجربة اختيار علاوي رئيساً لوزراء العراق، خلفا لوزارة عادل عبد المهدي، منذ الأول من ديسمبر/ كانون الأول 2019، وحتى تعمّد إفشال عملية التصويت على وزارته في الأول من مارس/ آذار الحالي، بسبب أجندات حزبية طائفية وعرقية ومنفعية، بات واضحا أن الأوضاع في العراق تمضي إلى ما لا تحمد عقباه، إطلاقا بعد أن تجحفلت كل كتلة وراء موجهها، وباتت أجنداتها تمثل إرادة القوتين الكبيرتين في العراق، أميركا وإيران، فيما كلفت كتل أخرى بمواجهة الحراك اًلجماهيري المنتفض، وهو ما سيزيد المشهد تعقيدا وخطورة.
وكان لائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، موقف واضح
قد تكون كل الادعاءات ضد شخص محمد علاوي غير صحيحة، أو ربما فيها شيء من الصحة، ولكنه في كلمة الاعتذار عن عدم تأليف الحكومة، الأول من مارس/ آذار الجاري، كشف عن "التعرّض لضغوط سياسية لتمرير أجندة معينة على حكومته، وأن مساعيه إلى تشكيل هذه الحكومة اصطدمت بأمور لا تمتّ إلى قضية الوطن ومصلحة العراق"، كما دعا، وهو المهم هنا، المتظاهرين إلى "مواصلة الضغط بالاحتجاجات السلمية لكي لا تضيع التضحيات سدى".
تمضي مجريات الأمور في العراق إلى منزلق خطير، وخطير جدا، حيث تجري عمليات الاستقطاب القومي والطائفي بين القوتين الأنفذ والأقوى على الواقع السياسي والأمني والاقتصادي، إيران والولايات المتحدة، كما تستمر التظاهرات والمواجهات بين المنتفضين السلميين وقوى الأمن والمليشيات العراقية، مع تدهور متزايد في حالة المدن التي تشهد الاحتجاجات، من حيث الخدمات وانسيابية الأعمال والأمن المجتمعي وسواها، يضاف إليها الآن تزايد مخاطر انتشار فيروس كورونا في تلك المناطق نفسها مع تناقص الاستعدادات الطبية الوقائية والعلاجية.
يبدو أن كل هذه الرسائل التي تم إرسالها إلى النخب السياسية العراقية، منذ الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2019، لم تصل بالشكل الصحيح، على الرغم من ركوب معظم هذه النخب موجة الاحتجاجات، وتبنّيهم الخطاب نفسه المرتكز على مطالب المحتجين. ولكن ومع تجربة اختيار علاوي رئيساً لوزراء العراق، خلفا لوزارة عادل عبد المهدي، منذ الأول من ديسمبر/ كانون الأول 2019، وحتى تعمّد إفشال عملية التصويت على وزارته في الأول من مارس/ آذار الحالي، بسبب أجندات حزبية طائفية وعرقية ومنفعية، بات واضحا أن الأوضاع في العراق تمضي إلى ما لا تحمد عقباه، إطلاقا بعد أن تجحفلت كل كتلة وراء موجهها، وباتت أجنداتها تمثل إرادة القوتين الكبيرتين في العراق، أميركا وإيران، فيما كلفت كتل أخرى بمواجهة الحراك اًلجماهيري المنتفض، وهو ما سيزيد المشهد تعقيدا وخطورة.