بغداد ــ سلام الجاف، براء الشمري
على الرغم من مرور أكثر من أسبوعين على حديث وزارة النفط الإيرانية عن زيادة إنتاجها في حقل نفطي مشترك مع العراق، والبدء بتطوير آخر لزيادة إنتاجه، إلا أن حكومة بغداد لم توضح موقفها بهذا الشأن، ما دفع برلمانيين عراقيين إلى تسجيل اعتراضهم على التصرف الأحادي من قبل طهران، معتبرين ذلك مؤشراً على عمق التدخل الإيراني في الشأن العراقي. وأوضح البرلمانيون أن الحكومة العراقية مطالبة بوضع النقاط على الحروف بشأن هذه القضية الخلافية.
وكان وزير النفط الإيراني، بيجن زنغنة، قد أعلن نهاية الشهر الماضي زيادة إنتاج بلاده من حقول نفط غرب كارون (مجنون) المشتركة مع العراق من 70 ألفاً إلى 400 ألف برميل يومياً خلال السنوات الأخيرة، مؤكداً الوقوف حتى النهاية من أجل الدفاع عن المصالح الإيرانية.
وأبرمت شركة هندسة وتطوير النفط الإيرانية عقداً مع شركة "بتروبارس" لتطوير حقل آخر مشترك مع العراق، فعُمل على تطويره خلال مدة 30 يوماً، لتصل طاقته الإنتاجية إلى 320 ألف برميل يومياً.
ويتشارك العراق مع إيران بخمسة حقول نفطية، هي الفكة، ومجنون، وأبو غرب، وبزركان، ونفط خانة، فيما يمتلك العراق حقولاً أخرى قرب الحدود مع إيران، أهمها النور، وأبان، وبيدر غرب.
والعام الماضي خلال زيارة الرئيس الإيراني، حسن روحاني، لبغداد، أعلن العراق إجراء تفاهمات تتعلق بترسيم الحدود البرية ومياه شط العرب، فضلاً عن حقول النفط المشتركة، إلا أن أياً من اللجان الفنية التي اتفق الجانبان على تشكيلها لم تباشر عملها ولم يعلن أي من الطرفين حصول تطور في هذا الملف تحديداً.
عضو البرلمان العراقي عن "تحالف القوى العراقية"، رعد الدهلكي، رفض الخطوة الإيرانية، واعتبرها تجاوزاً، مضيفاً أن "إيران تتحكم بموارد العراق وكأن أموال تلك الموارد تعود إليها دون وجود رادع". وتابع: "عندما يكون هناك ضعف، يأتي هناك استغلال من قبل الدول المجاورة بهدف تحقيق مصالحها"، مبيناً في حديثه لـ"العربي الجديد" أن النظام السياسي العراقي منشغل بالمهاترات السياسية، وعدم فسح المجال لرئيس الوزراء للعمل.
وأوضح أن استغلال طهران الحقول المشتركة من جانب واحد "يدل على عمق التدخل الإيراني في الشأن العراقي، وعمق التجاوز على الشعب"، مؤكداً أن بغداد تمرّ بأزمة اقتصادية موجعة، لكن لا يلتفت إليها الآخرون، لأن إيران تبحث عن مصالحها فقط.
وشدد النائب البرلماني على ضرورة وضع حد لمثل هذه التدخلات، والبحث عن مصالح العراق، مضيفاً: "كان على المسؤولين العراقيين، وخصوصاً وزيري الخارجية والنفط، وضع النقاط على الحروف بشأن هذه القضية، وهم يعلمون أن العراق يمرّ بظرف صعب".
واعتبر أن العائدات المتحصلة من نفط هذه الحقول هي أموال مشتركة بين البلدين، مشيراً إلى أن عدم تصريح السلطات العراقية في هذه القضية "يدل على الضعف بشكل واضح أمام غطرسة إيران". وأوضح الدهلكي أن البرلمان مطالب بتوجيه الحكومة باتخاذ إجراءات بخصوص الحقول المشتركة مع إيران، لأن دور البرلمان تشريعي ورقابي، مضيفاً: "إلا أن الأمر أولاً وأخيراً يقع على عاتق الحكومة". ودعا إلى طرح هذه القضية على المجتمع الدولي إذا لم يكن هناك رادع داخلي.
ويعتمد العراق على النفط مصدراً رئيسياً لإيرادات الموازنة. وقالت وزارة النفط في بيان، أخيراً، إنها صدّرت 2.763 مليون برميل يومياً من النفط الخام في يوليو/ تموز الماضي، بإيرادات 3.487 مليارات دولار. وتراجعت الصادرات النفطية من 2.816 مليون برميل يومياً في يونيو/ حزيران الماضي، حسب بيانات رسمية.
من جانبه، أكد عضو البرلمان عن تحالف "عراقيون"، علي مانع، لـ"العربي الجديد"، أن التصرف بالحقول المشتركة من جانب واحد يمثل انتزاعاً لحقوق الدولة المجاورة، مضيفاً: "ما دامت الحقول تحمل اسم مشتركة، فإن أي تصرف فيها يجب أن يكون بعد التشاور بين الدول التي تشترك فيها، كي لا يحصل تجاوز على حق أي من الدول". وأوضح مانع أن وزارة النفط هي المعنية بتقدير حجم الضرر إن وجد لاستعادة ما تم أُخذ في حال التأكد من فقدان كميات من النفط، على اعتبار أن هذه الحقول مشتركة. وشدد على ضرورة وجود اتفاق بين البلدين بشأن الحصص بشكل دقيق، معبّراً عن استغرابه "عدم تحرك وزارة النفط للرد على هذا التصريح الخطير"، في إشارة إلى تصريح وزير النفط الإيراني الذي أكد فيه زيادة إنتاج النفط في حقل مشترك مع العراق. واستبعد مانع وجود موافقة من قبل الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي، على زيادة إنتاج إيران من الحقول المشتركة، مضيفاً: "أما الحكومات الأخرى (السابقة)، فمن المتوقع أنها وافقت على ذلك".
وأضاف: "يجب أن تكون هناك لجان تحقيق للتأكد من حدوث تجاوز، وفي حال التأكد، فإن البرلمان مطالب باتخاذ الإجراءات المناسبة للحد من هذه التجاوزات، من خلال التأثير في السلطة التنفيذية بهذا الشأن".
واتهمت لجنة النفط والطاقة في البرلمان العراقي مطلع العام الحالي وزارة النفط بالتلكؤ في استثمار 23 حقلاً نفطياً مشتركاً مع إيران والكويت، وتوعدت المسؤولين في الوزارة بإجراءات تحقيقية شاملة لمحاسبة المقصرين.