أثار تقرير صادر عن وزارة المالية الدنماركية، حول تكاليف المهاجرين على موازنة البلاد، جدلاً كبيراً في كوبنهاغن حول إسهامات اللاجئين والمهاجرين الضعيفة في مجتمع الرفاهية الدنماركي.
وبحسب الدراسة، فإن مجموع التكلفة الاقتصادية السنوية التي يدفعها المجتمع الدنماركي في مسألة المهاجرين "من أصل غير غربي" (تسمية رسمية للدلالة على المهاجرين واللاجئين من دول نامية)، تصل إلى نحو 33 مليار كرونه، أي حوالي 4.4 مليارات يورو.
وبحثت الدراسة "تأثير هؤلاء المهاجرين وأبنائهم" على خزينة الدولة وإسهام مجتمعات الهجرة في الدورة الاقتصادية للبلد قياساً إلى انخراطهم في سوق العمل. وأكدت الدراسة أن "المهاجرين من خلفية غير غربية يكلفون الخزينة الكثير من الأموال، مع غياب إسهامات حقيقية من الأغلبية في مجتمع الرفاهية وتعزيز الاقتصاد الوطني". وشرحت أنه "فقط حوالي نصف المجموعة المهاجرة بين سن 24 و64 عاماً منخرطة في العمل، بينما ترتفع النسبة لدى الدنماركيين من ذات الفئة العمرية إلى 80%".
ويذهب معدو الدراسة إلى أن "الجزء الأكبر من التكلفة المالية السنوية تذهب إلى أبناء وأحفاد هؤلاء المهاجرين، لأنه في الحقيقة أكثر من 80% من هؤلاء تحت سن الـ 25، وهم لا يخرجون لسوق العمل ليدفعوا ضريبة ويساهموا في تكاليف دولة الرفاهية". وبحسب الأرقام فإن "90% من المهاجرين غير الغربيين هم تحت سن الثلاثين، وهذا يعني بأن 17 من 33 مليار كرونه سببها أن أبناء هؤلاء لا يساهمون حتى الآن في خزينة الدولة".
وزير المالية، كريستيان يانسن، من حزب فينسترا الليبرالي المتزعم لائتلاف يمين الوسط، عقّب على ما أصدرته وزارته بالقول: "يمكن للدنمارك عادة أن تستفيد من الهجرة في مجال المساهمة في سوق العمل، لكن في الحقيقة تلك الفئة (المهاجرون من بلدان غير أوروبية) لا يساهمون في سوق العمل". وقد أثار الإعلان المالي حفيظة اليمين المتشدد في حزب الشعب الدنماركي الذي بدأ يستغل الدراسة للمطالبة بمزيد من "التشديد"، وسحب الإقامات. بيد أن يانسن قال إنه "سيتعين علينا تغيير قواعد التوازن المالي في هذا المجال للدفع بهؤلاء الأجانب نحو العمل".
لم يكن تدفق اللاجئين في 2014 و2015 بعيداً عن التقرير المالي إذ قال معدوه: "بالنسبة لطالبي اللجوء ولم شمل أسرهم، فإن خزينة الدولة تحملت تكلفة صافية بمقدار 163 ألف كرونه (نحو 22 ألف يورو) في المتوسط عن كل قضية لم شمل".
وبالرغم من أن نظرة سلبية عمت مع نشر أجزاء من التقرير إلا أن محاولات بعض الاقتصاديين والسياسيين قراءة الأمر بنظرة متفحصة حاولت التخفيف من السخط الشعبي.
وشرح اقتصاديون أن آلية العجز والتكلفة في ميزان المدفوعات تجاه هذه الفئة من الناس، يرتبط أساساً بأنه في دولة الرفاهية يكلف الإنسان الخزينة خلال السنوات العشرين الأولى من عمره، ثم يعود بعد العشرين ليعطي مردوداً ايجابياً على الخزينة من خلال الانخراط بالعمل ودفع الضرائب والمساهمة في الحفاظ على الرفاهية".
لكن باءت تلك المحاولات بالفشل حين جرى التأكيد على محتويات التقرير بدراسة عن تفاصيل حياة المهاجرين بالقول: "الأمر بالنسبة لهؤلاء المهاجرين لا يسير وفق القراءة العادية لسيرة الحياة لدى الدنماركيين في السنوات التالية لعمر العشرين. هؤلاء ليسوا منخرطين في سوق العمل بذات القدر الذي ينخرط فيها من هم من أصل دنماركي، وبالتالي لا يساهمون في الضرائب، بل يحصلون على إعانة من الضرائب التي يدفعها المنخرطون بالإنتاج".
ووفقا لتحليل وزارة المالية في كوبنهاغن فإنه "افتراضياً كان يمكن تعزيز المالية العامة بمقدار 20 مليار كرونه لو كانت معدلات التوظيف والعمل في صفوف تلك الفئة المهاجرة على ذات المستوى الدنماركي". وأشار اقتصاديون إلى أن قدراً كبيراً من الفائض المالي يقدر بحوالي 5 مليارات كرونه يساهم به مهاجرون من المجتمعات الأوروبية، على عكس العجز الذي يتسبب به غير الغربيين من المهاجرين.
وعلى الرغم من ذلك ذهب اليسار الدنماركي في حزب اللائحة الموحدة لمعارضة الهدف من هذه الدراسة، "التي جاءت بناء على طلب برلماني من اليمين المتشدد في حزب الشعب"، وقال مختصون في شؤون الاقتصاد والرفاهية في الحزب اليساري: "إن هذه المجموعة المهاجرة، والمنحدرين منها، أغلبيتهم أطفال وشبان لم يصلوا بعد إلى سن العمل والانخراط في الدورة الاقتصادية المنتجة".
وفي محاولة لتهدئة شارع ممتعض من نتائج التكلفة الاقتصادية للهجرة ذهبت وزارة المالية إلى التأكيد بأنه "ليس هناك تهديد لمجتمع الرفاهية الدنماركي بسبب هذه الأرقام، كونها لا تمثل سوى أقل من 2% من الناتج المحلي الإجمالي للدنمارك".
وقالت وزارة المالية الدنماركية في دراستها الشاملة إنه "ليس الهدف منها على الإطلاق أن ينظر إلى الهجرة، وكأنها عملية تجارية يجب أن تعطي نتائج اقتصادية على حساب أناس حضروا إلينا باحثين عن حماية من ظروف بلادهم. وطالبت الدراسة "بترسيخ المساواة وإشراك اللاجئين والمهاجرين من مجتمعات غير غربية، ودمجهم أكثر في سوق العمل".