انطلقت في العاصمة الأردنية عمان، اليوم السبت، أعمال مؤتمر "القدس: تحديات الواقع وإمكانات المواجهة"، الذي ينظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بالشراكة مع الجامعة الأردنية ومؤسسة الدراسات الفلسطينية.
ويهدف المؤتمر إلى الوقوف على الوضع القانوني للقدس، والبحث في واقعها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والديني، ودور الحركات الجماهيرية في المدينة التي تواجه سياسات الاحتلال والتهويد، إضافة إلى الحراكات الاجتماعية والتغيرات المعاصرة، وقضايا وإشكاليات حالية ومستقبلية على مصير القدس ومصير القضية الفلسطينية عمومًا.
واستهل رئيس الجامعة الأردنية عبد الكريم القضاة، مداخلته الافتتاحية بالتساؤل عن أهمية استمرار الحوار مع دولة الاحتلال رغم عدم التجاوب مع الطروحات القائمة على قرارات الشرعية الدولية.
وتابع أن "الوضع الراهن في القدس وإمكانات المواجهة، وهو العنوان الذي سلكه هذا المؤتمر، هو وضع صعب، يحتاج منا إلى وضع استراتيجيات شاملة لملف القدس، لتعميق المعرفة حول المدينة وطبيعة ظروفها، وتحصين مجتمعها، وتمكين الناس هناك في سبيل البقاء لأجل العروبة والإسلام والمسيحية، ولأجل القدس المدينة التي تحفظ تجربة الأمة وتاريخها المديد".
وذكّر القضاة بتجربة الناصر لدين الله صلاح الدين الأيوبي، الذي "لم يقم باسترداد القدس بمفرده؛ بل أعانته في ذلك منظومة إحياء علمي وديني قامت بها المدارس والمساجد ودور العلم؛ فالتحرير والبقاء والصمود يحتاج إلى مؤسسات علم فاعلة ومعرفة نقدية وسبر عميق للحقائق ووضوح في الرؤى".
واعتبر أن "هذا المؤتمر يأتي في وقت تحتاجه القدس وقضيتها، والأبحاث التي قمتم بها، وتحمّلتم من أجلها العناء، وخضعت لجهود طيبة في التحكيم، بالإضافة إلى عمل كافة فرق الإعداد لهذا المؤتمر، ما هي إلا تأكيد على أن المسألة ليست احتفالية، بل رغبة خالصة في تقديم المعرفة التي تليق بالمسألة المقدسية، خدمة للأمة وأجيالها".
بدوره، قال رئيس مجلس أمناء مؤسسة الدراسات الفلسطينية، طارق متري، إن "إسرائيل ما زالت تواصل ابتلاع القدس، وهي خرقت منذ اليوم الأول القرارات الدولية التي جاءت لمصلحتها، واستمدت منها شرعيتها".
وأضاف أن "لقضية القدس جذورا عميقة وأبعادها كثيرة تجعلها قضية تتقاطع فيها جملة من القضايا الروحية والمادية والسياسية والرمزية والوجدانية والعقلانية والكونية، وارتباط الشعب الفلسطيني والشعوب العربية بالقدس ارتباط لا فكاك منه بالإيمان ووعي الذات والذاكرة والتراث".
واستعرض متري "الأفعال التأسيسية التي جعلت قضية القدس تشغل الرأي العام، خاصة بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، والاعتراف بالمدينة المقدسة عاصمة لإسرائيل، الذي مثل تحديًا كبيرًا للفلسطينيين والعرب، لا يقل خطورة عن وعد بلفور المشؤوم"، مشيراً إلى أن "موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يأت بخلاف أسلافه الثلاثة، بتنفيذ قرار الكونغرس الصادر في أكتوبر/تشرين الأول عام 1995، القاضي بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، والتي وصفها بالموحدة، بل سوّغ القرار ومنحه الشرعية".
وقال إن "المؤتمر الذي يشارك فيه نخبة من العلماء والباحثين الأردنيين والدوليين، يهدف إلى الوقوف على الوضع القانوني للقدس، والبحث في الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والديني، ودور الحركات الجماهيرية في المدينة التي تواجه سياسات الاحتلال والتهويد".
بدوره، استعرض رئيس مجلس أمناء المركز العربي، طاهر كنعان، تأسيس المركز العربي في الدوحة في الشهر الأول من 2011 "ليصبح خلال أقل من تسع سنوات أحد أهم المذاخر الفكرية في الوطن العربي، وذلك من خلال سعيه الحثيث إلى دعم التفكير العقلاني والبحث العلمي في شؤون المجتمعات والدول العربية وقضاياها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، على المستويات النظرية والتطبيقية".
أهمية التوقيت
وأكد عدد من المشاركين على أهمية توقيت المؤتمر، الذي ينعقد بينما تسرّع إسرائيل إجراءاتها، بدعم من الولايات المتحدة، لتهويد المدينة المقدسة.
وفي هذا الصدد، يقول رئيس الهيئة الإسلامية العليا وخطيب المسجد الأقصى، عكرمة صبري، لـ"العربي الجديد"، إن المؤتمر "يأتي في توقيته المهم، لأن المؤامرات على القدس متوالية، خاصة من الولايات المتحدة ودولة الاحتلال الإسرائيلي"، معتبرا أن "القرارات التي اتخذتها الإدارة الأميركية تجاه القدس والقضية الفلسطينية هي قرارات باطلة، والقدس لن تكون مهودة فالقدس لأصحابها الشرعيين".
بدوره، يقول مدير فرع فلسطين في مؤسسة الدراسات الفلسطينية علاء جرادات، إن "مكانة القدس وأهميتها لا تخفى على أحد، فهي قضية مركزية في الصراع العربي الصهيوني"، ويشير إلى أن "مؤسسة الدراسات الفلسطينية، العاملة منذ أكثر من 55 عاما، تركز في جل عملها على القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني، عبر التوثيق للقضية الفلسطينية ونشر المعرفة في هذا المجال".
ويضيف أن كل "المتغيرات السياسية، ومنها القرار الأميركي بنقل السفارة إلى القدس، وكذلك قرار نفي صفة الأرض المحتلة عن الضفة الغربية، والهجمة على اللاجئين الفلسطينيين، بما في ذلك الهجمة على أونروا، حتّمت عقد مؤتمر مركزي عربي في مكان ذي أهمية لموقع القدس ومكانتها، ومن هنا جاءت فكرة المؤتمر الذي يسعى إلى تغطية كافة القضايا المرتبطة بالقدس".
وعن التأثير الذي يمكن أن يحققه المؤتمر، يقول: "يكفي جمع هذا العدد من الباحثين والفاعلين للقاء وتبادل الآراء، هذا بدوره ذو أثر، وهناك أمل بأن تترك التغطية الإعلامية للمؤتمر أثرًا على صناع القرار العرب، والجمهور الذي يأمل المنظمون حضوره في الجامعة الأردنية، واستمرار إحياء هذه القضية قي وجدان وعقول الأجيال الشابة".
بدوره، يقول المحاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة "رتغرز – نيوجرزي"، عبدالحميد صيام، لـ"العربي الجديد": "يجب أن نتوقف عند استخدام مصطلح الدول العربية، متسائلا "هل هناك موقف موحد للدول العربية؟ وهل هناك موقف مبدئي حول القدس؛ وهل هذا الموقف يترجم عمليا؟ رغم أن كل القرارات العربية تؤكد على أن القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة".
ويضيف أن "الموقف الفلسطيني الآن أمام تحد حقيقي؛ أولا هناك انقسام، ثم هناك صفقة القرن التي تعني تصفية القضية، بما في ذلك القدس، وحق العودة، وحق إقامة الدولة المستقلة، وحق تقرير المصير، والاستقلال الوطني".
ويضيف: "المعني أكثر بالتصدي لصفقة القرن هو الشعب الفلسطيني أولاً، وإذا لم يقد الشعب الفلسطيني النضال ضد هذه المؤامرات فلن نتوقع من الأنظمة العربية أن تقود النضال نيابة عن الفلسطينيين".
ويضيف صيام: "أنا لا أدعو إلى استخدام السلاح، لكن هناك وسائل نضالية متاحة يمكن أن تحدث تغيرا حقيقيا في موازين القوى، مؤكدا أن الإرادة هي التي تصنع المعجزات، وليس التسول أمام أبواب المنظمات الدولية وبعض الدول التي يمكن أن تتعاطف مع القضية، فذلك لن يغير في المعادلة شيئا"، مشيرا إلى أن "ضم الأراضي لم يتوقف منذ عام 1967، ولم يأت رئيس وزراء إسرائيلي لم يوسع الاستيطان، ولم تكن هناك أي إدارة أميركية غير منحازة للرواية الإسرائيلية، ولذلك أي مراهنات خارجية، وبعيدة عن القوى الحرة في العالم العربي والإسلامي والشعوب الصديقة، هي مراهنة خاسرة".
ويناقش المؤتمر، الذي سيشارك فيه نخبة من الباحثين والأكاديميين العرب المختصين بالقضية الفلسطينية، على مدار ثلاثة أيام وأربع عشرة جلسة، العناوين التالية: السياسات الأميركية تجاه القدس، والقدس في القانون الدولي والسياسات الأوروبية، والقدس وسياسات الاستيطان، والدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، والاستعمار الإحلالي وسياساته الديموغرافية والعمرانية، وسياسات المحو الثقافي، والتعليم في القدس: مواجهة التحديات، والتعليم في القدس: فضاء للسيطرة/المقاومة، والشباب المقدسي: تجارب نضالية جديدة، والصراع على الصورة والمكان، والقدس في الإعلام الدولي.