بالرغم من تأجيل القرار الإسرائيلي بضم المستوطنات والأغوار، انتعش الحديث مؤخراً في واشنطن عن خيار الدولة الواحدة. فالاعتقاد أن الأمور تسير بشكل أو بآخر في هذا الاتجاه، وأن حلّ الدولتين صار بحكم المعدوم بفعل الواقع القائم على الأرض، والذي جاءت "صفقة القرن" لتعززه و"تطوّبه" بصورة متعسّفة لإسرائيل.
وأكثر من انشغل بهذا الموضوع كانت الأوساط اليهودية إجمالاً، من باب أن هذه الصيغة سيف بحدين: إما أن تقضي على "يهودية" إسرائيل، وإما على "ديمقراطيتها"، وتحولها إلى نظام أبرتهايد.
ومن هنا كانت هبّة هذه الأوساط وبشبه إجماع، ضد قرار الضم واستنفار كل القوى المؤثرة في الكونغرس، وحتى في الإدارة، للضغط على رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لحمله على صرف النظر عن خطوة الضم في الوقت الحالي.
وأُضيف إلى هذه المحاذير أن المضي في الضمّ من شأنه أن يعود بمردودات سياسية لإيران، وبما يخرب على عملية محاصرتها في المنطقة.
بالنسبة إلى هذه الأوساط، انتفاء الطابع اليهودي غير مقبول، والدفاع عن دولة تمييز عنصري غير ميسور. وعليه فإن التأجيل في أقله يشتري الوقت علّ جو بايدن يقوم إذا فاز، بطرح مشروع بديل لـ"صفقة القرن"، وبما يقطع الطريق على الضم الرسمي، ومن ثم العودة إلى معزوفة الدولتين.
وفي نظر كثيرين من مفاتيح إسرائيل في واشنطن ترك الواقع على حاله من دون إجراء رسمي، وحتى إشعار آخر، هو أسلم الخيارات نسبياً، وبما يؤدي إلى اكتفاء إسرائيل حالياً بضم مقنّع.
هذا الوضع الملتبس أثار نقاشات حول المخارج والاحتمالات، في ندوات (بالفيديو ) نظمتها في الآونة الأخيرة مراكز دراسات وأبحاث في واشنطن، مثل "المركز العربي في واشنطن" و"مؤسسة كارنجي للدراسات"، بالإضافة إلى المنابر الاعلامية، استضافت شخصيات فلسطينية وأميركية للتداول في الموضوع ومآلاته.
في نظر كثيرين من مفاتيح إسرائيل في واشنطن ترك الواقع على حاله من دون إجراء رسمي، وحتى إشعار آخر، هو أسلم الخيارات نسبياً، وبما يؤدي إلى اكتفاء إسرائيل حالياً بضم مقنّع
القاسم المشترك بين سائر الآراء والتوقعات أن صيغة الدولتين انتهت إلى حالة الغيبوبة، وأن "صفقة القرن" قتلت ما كان قد تبقى فيها من أمل بإحيائها. صحيح أن الضم مهدت له الصفقة التي لم تكن سوى "إباحة الاستيطان بصورة صريحة"، كما قال رشيد الخالدي في جامعة كولومبيا بنيويورك في ندوة "المركز العربي بواشنطن"، لكن مشروع الضم قديم انطلق "مع بداية المشروع الصهيوني الهادف لابتلاع كل فلسطين، والذي لم تعمل الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ 1967 على وقفه".
هذه الحقيقة ما عاد بالإمكان طمسها. جرى الرقص حولها لعقود، وبما سمح لإسرائيل بالقضم المخطط له أن ينتهي بالضمّ. أبعد ما ذهبت إليه واشنطن لم يتعدّ الاعتراض اللفظي. الآن وصل التمادي إلى مواجهة الحقيقة التي تعذر تسويقها بنفس البساطة التي كان يجري من خلالها غضّ النظر عن التوسع الاستيطاني. السكوت المموّه عن التوسع وصل إلى مأزق في تمريره وتكريسه.
وسط الجدل الدائر في هذا الخصوص، طلع طرح جديد قبل أيام، يكسر المألوف والمحظور، ومن الوسط اليهودي الأميركي بالذات.
الكاتب والناشط الفكري بيتر بينارت، وبدون مواربة، دعا إلى استبدال "الدولة اليهودية بموطن لليهود"، أي بوطن يتساوى فيه اليهودي مع الفلسطيني بالحقوق والواجبات، ومن غير طابع قومي "على الطريقة السويسرية".
بينارت المعروف بين أوساط أهل الرأي في واشنطن، كان في الأساس من المؤيدين المتحمسين لحل الدولتين.
في المدة الأخيرة رأى أن هذه التسوية انتهت صلاحيتها، وأن الواقع بات يفرض العثور على صيغة أخرى لتجنب حل الدولة العنصرية المرفوضة، فهو يرى أن اليهود "ليسوا بحاجة إلى دولة لهم وباسمهم. كل ما يحتاجونه موطن يعيشون فيه مع غيرهم، ويسمح بهجرة اليهود إليه".
ودعوته انقلاب على مفهوم إسرائيل الذي جرى تسويقه في أميركا منذ قيام الدول العبرية. برغم ذلك، جرى تداولها وإبرازها على الأقل إعلامياً بشكل لافت، ولو أن ترويجها مستبعد في الوقت الحالي، وحتى في المدى القريب. لكنها طرحت مادة للنقاش، وخاصة في صفوف اليهود الأميركيين من زاوية أن البدائل الأخرى إما شبه مسدودة، وإما أنها أسوأ. واللافت أن ما طرحه بينارت لم يتسبب بحملة قوية ضده.